الإعتداء الآثم والجبان والشَّاذ الذي نفذَّته حماس ضد مقرّ الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في غزَّة ، والذي لقي ردود أفعال منددة من كلِّ هيئات الشَّعب الفلسطيني ، يكشف عن حجم المأزق الهائل الذي تعاني منه حماس في داخلها ، وفي طبيعة تكوينها، وفي مسار تاريخها، وعنوان هذا المأزق أنَّ حركة حماس تدرك أنَّها عاجزة تمامًا عن تغيير نفسها، وعاجزة تمامًا عن الإفلات من نوع المهمة الَّتي خلقت من أجلها، وهي أن تكون مجرَّد جملة إعتراضية في المسار المتصاعد للشَّعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحضور الكامل عبر الاستقلال وتجسيده بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وحلّ عادل متفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينين.

وحركة حماس كجزء من تنظيم الإخوان المسلمين، لا قيمة ولا مصداقية لجميع منطلقاتها إلَّا على حساب الوجع الفلسطيني، تمامًا كما أنشأ حسن البنا في مصر جماعة الإخوان المسلمين على حساب الوجع المصري ، الوجع من الاحتلال البريطاني، والوجع من النظام الملكي الذي أصبح عاجزًا عن فعل أي شيء له قيمة، فلمَّا تأخر الإخوان في مصر الذين كانوا يدعون أنَّ عدد تنظيمهم يبلغ مليونًا من مجموع الشَّعب المصري الذي كان نذاك أقل من عشرين مليونًا ، وانطلقت الثورة المصرية الّتي أضاءت في كلِّ أنحاء الوطن العربي وفي العالم ، إنقلب ضدها الإخوان في مصر بشراسة غير مبررة، مثلما إنقلب إمتدادهم في فلسطين ضد الثورة الفلسطينية المعاصرة عندما أطلقتها فتح قبل أربعة وخمسين عامًا، ونذروا أنفسهم ، أي الإخوان المسلمون ضدها بالمطلق، وقالوا عن شهدائها بأنَّهم فطايس، واستخدموا سلاح الجنازير الحديدية ضد طلبتها في المدارس والجامعات ، وأعلنوا الحداد ضد عودة مئات الآلاف الذين عادوا إلى أرض الوطن عند تأسيس السلطة الفلسطينية في صيف 1994، وتحالفوا علنًا مع إسرائيل ضد هذه السلطة قولاً وعملاً، كما تؤكِّد الوثائق، ولكنَّهم ظلوا مكشوفين، وغير مبررين إلى أن حدث الإنقسام الأسود على أيديهم في الرابع عشر من حزيران عام 2007، حيث شاركوا في إنتخابات كانوا يرفضونها ، وحين إنسحب أريئيل شارون من قطاع غزة بطريقة أحادية الجانب لصالحهم، ويطول الحديث لو أردنا عرض الحقائق وأقرت الشرعيَّة الفلسطينية بفوزهم في إنتخابات 2006 ، وسلَّمتهم الحكومة الَّتي على رأسها إسماعيل هنية الذي هو الآن رئيس حماس، ولكنَّهم إنقلبوا على حكومة برئاستها لأنَّهم لم يخلقوا لذلك، لم يخلقوا ليكونوا جزءًا من الأولويات الفلسطينية، أو جزءًا من الأهداف الفلسطينيية المقدسة.

ومنذ الإنقلاب الدموي والإنقسام الأسود وحماس تكرر الخطيئة، إغلاق طريق المصالحة بإقفال دموية آثمة، ولعلَّ آخر المسلسل هو الانفجار الذي وقع ضد موكب الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء، والإعتداء على مقرِّ الإذاعة والتلفزيون ، والتنكيل في ساحة الجندي المجهول بمن إحتشدوا لإيقاد شعلة إنطلاقة فتح، وقبلها الأنفاق والمتفجرات ضد بيت السيد الرئيس في غزَّة، ومسلسل طويل عريض، وكلّ ما فعلته حماس خاطئ ومدان وغير مبرر بالنسبة لتاريخنا الفلسطيني، وهي عاجزة بالمطلق أن تكون شيئًا آخر، إنَّها عاجزة عن التمرُّد على سقوطها وإنتاج نفسها حسب الأنساب الفلسطينية، وفي هذا الطريق، ليس هناك إلَّا نهاية وحيدة وهي الانتحار.