سنوات طويلة قضاها الشَّعب الفلسطيني تحت لواء الشرعية الثورية قبل أن تتوفر له بعض عناصر الإستقرار لكي ينتقل إلى الشرعية الدستورية، وأبرز ما فيها ممارسة حقه في الانتخابات، بعيدًا عن سيطرة أحد بقوة السِّلاح، وبقوة العنف الدامي، وبقوة الإدعاءات الفاحشة على مقاليد الحياة.

وأعتقد أن الملايين من أبناء شعبنا داخل أرض الوطن، وخارج أرضه، شعروا بالسعادة والفخر معًا عندما صدر قرار المحكمة الدستورية العليا، بحل المجلس التشريعي المحلول أصلاً والفاقد لشرعيته منذ الإنقسام الأسود، والمثقل بالخطايا والسلبيات والمعوقات، والعاجز عن خدمة شعبه التي وجد أصلاً من أجل أدائها، لأنَّه أصبح مجلسًا شكليًا متكلسًا على الباطل، يأكل لقمته حرامًا، ويفتعل حياة برلمانية أصبح هو عدوها الفعلي.

ولقد رأيتُ هذا التأييد الكاسح لقرار المحكمة الدستورية أولاً من خلال وجود كيان قانوني راقٍ جدًا نحتكم إليه، ونعبر من خلاله إلى الإرتقاء بأعمالنا وطموحاتنا الوطنية إلى مستوى أعلى.

والذين تابعوا ردة الفعل السلبية جداً من حركة حماس، وجدوا حماس هي نفسها كما صنعها صانعوها، وكما برمجها مبرمجها، شوكة في الجنب، وحشرجة في الزور، وكراهية للحق، وإدمان على الباطل، ضد القانون، وضد الشرعية، وضد الوطنية، تأتينا من كل شيء بشيء ضده، حتَّى يبقى الشاذ لديها مألوفاً، والباطل منها هو الأساس في الحياة.

نحن الشَّعب، شعب مناضل، ولسنا ذرات غبار تذروها الرياح في كل إتجاه، شعب له مرجعياته، شعب له ثوابته، شعب له حقوقه التاريخية، وحقوقه الراهنة، وحين يصل إلى مفترق الطرق، لا يتشتت سدى، بل يذهب إلى ما يحتكم إليه، بل يذهب إلى إطاراتنا، ومؤسساتنا، وقوانيننا التي تحشدنا إلى الإتجاه الصحيح.

وحين طال زمن الانقسام الأسود إلى أن أصبح عند تجاره أسلوب حياة بائسة، ذهبنا إلى تلك المرجعيات، وإحداها صرح عال يحترمه الجميع، وهو المحكمة الدستورية العليا، فلماذا ذهبت حماس والتحقت بجماعة حائط "المبكى"، تبكي الخرافات والأساطير والأكاذيب، ولا تؤمن بالحق والأمل وعبقرية الحياة؟!

من حقنا أن يكون لنا برلمان دولة، ومن حقنا أن يسترد الشَّعب الفلسطيني، كامل الإرادة في إدارة شؤونه، ومن حقنا أن يكون لدينا ما ينقذنا من تجار الاختلاف، وكهنة الكفر، والأنبياء الكاذبين.

تعرفون يا حماس أن مأزقكم بدأ بفوزكم في انتخابات 2006، حين فزتم فوزًا أثار آلاف الأسئلة، ولكن أهمها أنكم لم تحصلوا على النسبة التي تؤهلكم لإحداث تغييرات دستورية في نظامنا السياسي لأنكم لم تحصلوا على نسبة ثلثي الأصوات، وهذا دفعكم إلى هوة الإنقسام، والإنقسام دفعكم إلى حفر كثيرة، وهاويات سحيقة، فلعبتم مع كل عدو لشعبكم، وشرعنتم كل خطيئة، ولكن كل هذا لم يفدكم بشيء، بل أخرجكم من مرجعيات، وضرورات، وثوابت شعبكم، وحين فاجأكم الضوء حاولتم إطفاءه، فإلى أين بعد كل ذلك تذهبون، إلى أين تذهبون؟