في هذه المرحلة المعقَّدة والخطيرة التي تعيشها القضية الفلسطينية، ومهما كانت التباينات، وتعدَّدت الاجتهادات، عند مختلف الفرقاء، إلَّا أنَّ هناك قواسم مشتركة، ومبادئ وطنية، وقِيَم اجتماعية وإنسانية مُتوارَثَة، لا يستطيع أيُّ فلسطيني أن يخرج عليها، أو يتبرّأ منها، أو ينكرها كجزء لا يتجزأ من التراث الوطني، والديني، والإنساني، والاجتماعي. وإذا حاول أيٌّ كان أن ينحرف عنها، أو أن يتجاهلها، أو أن يُعهِّرها، فإنَّه سيخرجُ عن الإجماع الوطني، وسيكون هو الخاسر الأكبر، لأنَّ نهر التضحيات، وشلّالات دماء الشهداء ستلفظُه من سياق مسيرة وكفاح وصمود الشعب المسلَّح بالقِيَم الوطنية والثورية.

وأمام ما يعيشه الواقع الفلسطيني في فلسطين، وتحت الاحتلال ومن حيث المنطق الثوري، ومهما تعدَّدت الفصائل والأحزاب والقوى الوطنية فإنَّ المطلوب من الجميع الالتزام بالقضايا التالية حتى تكون عملية المواجهة ناجحة ومثمرة:

أولاً: في العمل الوطني التحرري والذي يتميَّز بالشمولية والجدية، هناك مُحرَّمات لا يجوز الإقبالُ عليها، أو التمسُّك بها، أو اختيارها لأنَّها تتعارض جذريّاً مع القِيَم والمبادئ والأهداف المرسومة. فعندما يحدِّدُ الشعبُ عدوَّه الأساس الذي يهدِّدُ أرضه، وحياته، ومصيره فلا يجوز لأيٍّ كان أن يجعل رموزاً أخرى وطنية في نفس المستوى من العداء، والكراهية، والاستهداف، مهما تباينت وجهات النظر والاجتهادات السياسية. ولا يجوز لأيٍّ كان أن يحارب من يعارضه سياسياً، أو مَن لا يتفق معه لسبب أو لآخر أن يوجِّه كلَّ سهامه، وأحقاده، وسمومه الإعلامية إلى صدر أخيه الفلسطيني بهدف التحريض عليه، وتأليب الرأي العام، وأخذ الفتاوى التي تصل أحياناً إلى مرحلة التصفية والقتل، والتشويه. فالقضايا السياسية والتباينات في الآراء حولها لها إطارُها الوحدوي القيادي الذي تُناقَش فيه، لأنَّ الاختلاف في الآراء والاجتهادات أمرٌ طبيعي طالما نحن لسنا تنظيماً واحداً، وعلينا دائماً أن نبحث عن القواسم المشتركة، وليس عن التصفيات، لأنَّ التصفية هي فقط للعدو الأساس الذي يهدِّدُ وجودَنا. ونهجُ تصفيةِ من يخالفني الرأي في الساحة الفلسطينية لا يخدم إلَّا العدو الصهيوني. وهذا الأمر يُعتبر من المحرمات في المنهج الوطني، ولا يجوز لأي فريق أن يصل إلى هذه المحرّمات.

ثانياً: لا يجوز التلاعب بالأولويات الوطنية الفلسطينية الراسخة، فإذا كانت الوحدة الوطنية الفلسطينية من الأولويات الوطنية، وبالتالي من الثوابت، فلا يجوز الخروج عن الإجماع الوطني، لأنّ ذلك يمزِّق الصف، ويدمِّر القوة الذاتية، ويشجِّع أعداءَنا على اختراقِ صفِّنا، فالساحة الوطنية مفتوحة للحوار مهما كانت الأمور معقّدة، ومهما كانت الأزمات، فالقواسم المشتركة بالإمكان اعتمادها، ريثما تنجلي بعض الأمور.

وإذا ما أدرنا ظهرنا للحوار الوطني المسؤول، واخترنا الحرب الإعلامية الشعواء على صفحات المجلّات، وعلى شاشات القنوات الفضائية، فعندها سنُغرِق قضيتنا المقدسة في مستنقع الصراعات السياسية، وبمعنى أوضح سنضيِّع البوصلة الوطنية في صراعنا ضد الاحتلال وبخلافاتنا المتأجّجة نعطي عدوَّنا سلاحاً حاداً لذبح شعبنا، وقضيتنا.

ثالثاً: كل ثورات العالم توحَّدت حول أهدافٍ واحدة، ولكن لماذا الثورة الفلسطينية محكومٌ عليها أن تعيش حالة من الانقسام المدمِّر داخلياً حتى الآن، علماً أنَّها حالة مريحة للعدو الإسرائيلي، فهو الذي يمتطي الانقسامَ ليمارسَ أدوراً خطيرة، واستراتيجية في تصفية القضية الفلسطينية. وقد نجح في تأجيج الصراع الفلسطيني الداخلي، كما نجح في فصل القطاع عن الضفة، وساعد على استبعاد المصالحة الفلسطينية الداخلية، وشرعَ في الاستيطان، والأسرلة، والتهويد، وتهجير أهالي القدس، وتقاسم المسجد الأقصى زمانياً ثُمَّ مكانياً، فإلى متى يستمر الانقسام الذي بدأ العام 2007 ولم يتوقَّف حتى الآن؟

رابعاً: اليوم بدأت المعركة الأساسية في الضفة الغربية، أي في القدس، والخليل، وفي كافة المحافظات، وهي بالنسبة للعدو الصهيوني معركة مصيرية، بعد أن أخذ الكنيست قراره العنصري، باعتبار أرض فلسطين التاريخية هي أرض القومية اليهودية، وتمَّت دعوةُ يهود العالم لأن يأتوا إلى فلسطين، من أجل أن يقرّروا مصيرهم على هذه الأرض.

هذه الدعوة الصهيونية ليهود العالم، وهذا الهجوم العدواني الصهيوني على أهلنا، وشعبنا، ومؤسساتنا، وممارسة كل أشكال العنف، والإعدامات الميدانية، وتدمير البيوت الذي بدأ في الضفة، ولم يتوقّف حتى هذه اللحظة.

والواضح أنَّ ترامب ونتنياهو في عجلة من أمرهم، وتساعدهم في ذلك المواقف العربية المتراخية تجاه القضية الفلسطينية وأمام هذه المخاطر الجدية المتفاقمة، وحتى لا نضيِّع البوصلة، فإنَّني ومن منطلق انتمائي الوطني الفلسطيني أولاً، وانتمائي الفتحاوي ثانياً أدعو الكلَّ الفلسطيني إلى ما يلي:

أ- لا بد من المسارعة إلى تحقيق المصالحة استناداً إلى ما تمَّ الاتفاق عليه سابقاً حتى نكون قيادة واحدة، وسلطة واحدة، وأيضاً مقاومة واحدة باستراتيجية واحدة، والعنوان الفلسطيني الجامع هو منظمة التحرير الفلسطينية التي وُلدت العام 1964.

ب- إنَّ الحراك الشعبي في الضفة الغربية بوجه جنود الاحتلال الحاقدين، يجب أن تكون بوصلتُهُ باتجاه جنود الاحتلال فقط، وليس باتجاه أيِّ فريقٍ فلسطينيٍّ آخر، سواءُ أَكان من السلطة أم من الفصائل. فعندما يكون العدو في حالة عدوان وقمع متواصل، يكون هو الهدف الأول والوحيد لشعاراتنا، ولافتاتنا، وحجارتنا، ورصاصنا، وكل وسائل مقاومتنا للاحتلال ولا يجوز أن يكون هناك هدفٌ بديل لنا عن الاحتلال، لإثاره الفتنة، وإشعال الفوضى، وتحويل المعركة إلى معركة داخلية، لإراحة العدو من هَمِّ المواجهة، وفي مثل هذه الحالة نكون قد أضعنا البوصلة، على طريق إضاعة الوطن.

نسأل الله عزَّ وجلَّ الهداية، والاستقامةَ، وسواء السبيل.

عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"

الحاج رفعت شناعة

2018-12-14