دَوَّرَ نتنياهو أسطوانة التهديد الأمني (الوجودي) والحرب الطويلة التي تواجهها (إسرائيل) التي وصفها (بالمعركة الأمنية) في مؤتمره الصحفي أول أمس، مُنسجمًا بذلك مع أسلوب رؤساء حكومات دولة الاحتلال السابقين عندما يواجهون أزمة الثقة والسقوط، وانفراط الائتلافات الحزبية.. لكنّ سؤالاً يفرض نفسه: هل خاض نتنياهو معركة الدقائق الأخيرة السياسية الداخلية للإبقاء على حكومته وحسب، أم أنه يحتفظ في حقيبته بملف وخطة (المعركة الأمنية) التي دفعت نفتالي بينيت إلى التراجع عن الانسحاب من الائتلاف والتسليم بحقيبة (وزارة الحرب) لنتنياهو بعد أن كان هدد بمعاقبة نتنياهو مالم يستلم هذه الحقيبة بعد استقالة ليبرمان، وان كنا على يقين بأن بينيت لا يعلم عن المخبوء، ولن يعلم من نتنياهو اكثر مما قاله أمام الصحافة (المعركة الأمنية).

يرى نتنياهو وهو الضابط السابق في جيش الاحتلال في معنى المعركة الأمنية مالا يراه رؤساء أحزاب البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا وغيرهم، فليبرمان وبينيت ركّزا على ضرورة تنفيذ سياسة الردع والإرهاب الإسرائيلي المعهود عبر سفك دماء الفلسطينيين وتدمير مقدراتهم، أمّا نتنياهو ورغم حرصه على كتمان أبعاد حربه القادمة زمانيا ومكانيا، فإنّه قد كشف – بغير قصد- عن نيّة إسرائيل بحرب أو عمل عسكري نوعي عابر للدول، ولعلّ قول نتنياهو أمس الاثنين خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست مؤشر على إمكانية حدوث ذلك خاصة عندما ركز على توليه منصب وزير الجيش، والتقائه مع رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، ومع رئيس أركان الجيش المعين، أفيف كوخافي، وتشديده في القول: "نحن في حرب لم تنته بعد. وفي فترة أمنية حساسة كهذه، فإنه إسقاط الحكومة هو عمل عديم المسؤولية".

مرة أخرى صدرت عن المستوى السياسي في حكومة دولة الاحتلال مقولة : "من سيستلم غزة اذا أسقطنا "حماس"، فلا مصر تريدها ولا الرئيس محمود عباس يقبل بالعودة إليها على ظهر دبابة إسرائيلية". ونتنياهو ليس معنيًا على المستوى الاستراتيجي بإسقاط "حماس" باعتبارها مانع (إسرائيل) الأهم أمام قيام دولة فلسطينية واحدة في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة، لكنه معني مع أركان جيشه بفرض تهدئة مقابل تهدئة فقط مع "حماس"، والاستعداد لمواجهة خلافات داخل حماس قد تظهر للعلن كتعبير عن رفض هذه المعادلة، عبر أعمال مسلّحة ضد مستوطنات (غلاف غزة) ، تنطلق من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس عسكريا وأمنيا.. تماما كعنايته بتقييم أكان جيش الاحتلال للتطورات الناشئة على الأرض، حيث استخدمت أسلحة جديدة في المواجهة ومثالها صاروخ الكورنيت الموجه المضاد للآليات الذي لو استخدم كما يجب لأوقع خسائر بشرية في جنود الاحتلال كان ممكنًا أن تسبّب أزمة لحكومة نتنياهو ولاستخبارات جيشه اكثر من الأزمة التي خلفتها استقالة ليبرمان احتجاجا على قرار الكابينت الإسرائيلي الاستجابة لطلب مصر بالتهدئة.

أجل نتنياهو القرار بهدم الخان الأحمر لأنه لا يريد مواجهة مباشرة مع الاتحاد الأوروبي، وأخذ على محمل الجد تهديدات محكمة الجنايات الدولية بأن الهدم سيعتبر جريمة حرب، وذهب إلى تهدئة مؤقتة مع حماس وهو يعلم سلفا موقف المعارضين وتأثيرهم السلبي على استمرار ائتلاف حكومته، لكنه يمضي على ثقة منحه اياها الجيش، سنعرف مداها وأهدافها في الأيام والأسابيع القليلة القادمة. لكن علينا التذكر دائما ان هذا الواقع الجديد في نظام تل أبيب السياسي سيكرس سيطرة منظومة أجهزة الأمن الإسرائيلية على المنظومة السياسية وسيظهرها للعلن بدون فبركات ديمقراطية.

والسؤال الآن: هل تآمر بنيامين نتنياهو مع نفتالي بينيت رئيس حزب البيت اليهودي لإزاحة افيغدور ليبرمان من منصب (وزير الأمن) .. ودفعاه نحو الاستقالة؟!

نتنياهو لن يقدم لليبرمان (الجلف) الذي لا يفقه سياسة المراوغة وإدارة الأزمات الأمنية أي حصة من كعكة (انتصار أمني) خلال الفترة القريبة القادمة، فثعلب حكومة الاحتلال نتنياهو يعمل على توظيف أي مكسب امني لإسرائيل وتجييره لصالحه شخصيا ورفع شعبية حزبه الليكود حتى لو ظلّ واقفًا على حد سكين (الثقة) في الكنيست.