من نفق عيلبون الذي فجرته حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، ايذانا بإنطلاقة الثورة عام خمسة وستين من القرن الماضي، من هناك خرجت اولى كلمات اعلان الاستقلال الذي اعلنه الزعيم الخالد ياسر عرفات في ختام أعمال المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام ثمانية وثمانين من القرن ذاته، ومن معارك الدفاع عن الثورة والقرار الوطني المستقل كانت كلمات الإعلان تتوالى وتتضح حتى جاءت الانتفاضة العظيمة، لتضع الصيغة النهائية للإعلان التاريخي، ولم تكن مصادفة ان يضع الصيغة النهائية له، بعد نقاشات الرؤية التي فاض بها المجلس الوطني، شاعر فلسطين الكبير محمود درويش حيث كان من الضرورة التاريخية ان تكون لغة إعلان الاستقلال، هي لغة المعنى الانساني والحضاري الذي مثلته فلسطين منذ فجر تاريخها، الذي ما زالت تمثله لا في تطلعاتها العادلة والمشروعة فحسب، وإنما في المكانة التي حباها الله العلي القدير بها كأيقونة للخير والمحبة والتقوى، وقد جعل صخرتها مشرفة، لحظة ان فتحت ابواب السماء لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم ليعرج الى السماوات العلى، وبعد ان كان ابنها عيسى عليه السلام ينادي في دروب القدس درة فلسطين وتاجها، المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة.
على أرض الرسالات السماوية للبشر، مفتتح الاعلان، لا ليتضح المعنى بحقيقته الواقعية والتاريخية فقط، وانما للتأكيد على ان أرض فلسطين وبحكم كونها أرض الرسالات السماوية، فإنها ستواصل حمل قيم هذه الرسالات الى البشر، مع رسالتها الانسانية الطالعة من هذه القيم والمستندة اليها، والتي لا تدعو فلسطين من خلالها، بسعيها ونضالها وتضحيات شعبها العظيمة، لغير انتصار قيم الحق والعدل والجمال والسلام. فلسطين ضرورة لهذه القيم ودالة عليها وطريق اليها، وهذا ما قالته وثيقة اعلان الاستقلال، وثيقة الامل والعمل حتى تتجسد كل بنودها وتحقق حضورها الواقعي في دولة فلسطين الحرة المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، دولة لكل الفلسطينيين أينما كانوا.
ثلاثون عامًا ونحن نمضي في طريق اعلان الاستقلال نبني ونزرع ونقاوم ونرعى باليقين والايمان والصمود وردة الامل، وقد صارت فلسطين اليوم دولة في الأمم المتحدة بعضوية ستكتمل لا محالة، وبواقع الدولة على ارضها، ان لم يكن اليوم فغدا، بل الغد لن يكون لغير فلسطين الدولة السيدة، عاشت الذكرى، والمجد والخلود لشهدائنا البررة، والحرية لاسرانا الابطال، والشفاء العاجل لجرحانا البواسل.