*لا يكفي في ذكرى رحيل القائد الرمز البكاء على الأطلال، وإنَّما علينا إعادة الاعتبار لدور ومكانة حركة "فتح" وصقل روح العطاء والبناء الصحيح لبنى الحركة

في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الرمز الفلسطيني الأول "أبو عمار" تتشابك المشاعر الجيّاشة على فقده وغيابه مع اشتداد الأزمات والخيبات والتعقيدات، التي يعيشها الشعب العربي الفلسطيني. واستحضار مواقفه البطولية والشجاعة، التي مرّت بها الثورة الفلسطينية المعاصرة والسلطة الوطنية، التي تميّز بها عن أقرانه، والتي أضفت عليه سمة الأسطورة، وعملقت شخصيته، ومنحتها طابع الفرادة.

ولا يكفي في ذكرى رحيل القائد الرمز الختيار البكاء على الأطلال، وإطلاق الصفات الإيجابية عليه، ولما مثَّله وامتلكه من خصال تميَّز بها في قيادة الثورة والمنظمة والسلطة، بل إنَّ الضرورة تملي على الجميع من قادة وكوادر حركة "فتح" وعموم فصائل العمل الوطني الوقوف في هذه اللحظات بالذات أمام التحديات المنتصبة أمام الشعب والقيادة، ومحاولة الرد عليها، والتصدي لها، والدفاع عن الأهداف والثوابت الوطنية تكريمًا لروح الشهيد البطل ياسر عرفات وكل الشهاء من القادة والكوادر والمناضلين عمومًا.

ولعلَّ أول التحديات الواجب تدوينها، يتمثَّل أولاً في إعادة الاعتبار لدور ومكانة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وتصليب أداتها التنظيمية، وصقل روح العطاء والبناء الصحيح لبنى الحركة بمستوياتها الهرمية المختلفة بدءًا من القيادة وانتهاءً بالأنصار، وليس بالقواعد الحركية فقط، والعمل على تعظيم وحدتها الداخلية، وعدم ترك الباب مفتوحًا على الغارب لكل من هب ودب في صفوفها، وتطهير نفسها من كل الأدران والأمراض العالقة فيها. وفي هذا المقام تستدعي الضرورة التأكيد على مقولة كرَّرتُها، وكرَّرها غيري من قادة ونخب الشعب الفلسطيني، مفادها: بمقدار ما تتمكَّن حركة "فتح" من استعادة الروح الوهاجة لمكانتها في قيادة الحركة الوطنية، وتعزيز دورها الريادي في حمل راية المشروع الوطني، بمقدار ما يمكن للحركة الوطنية النهوض من كبواتها وأزماتها البنيوية العميقة.

ثانيًا، حماية دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، كممثَّل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني، وتعزيز دور هيئاتها القيادية المختلفة كعنوان أول وأساس للتمثيل الفلسطيني. وتكريسها دون سواها كمرجعية أولى لكفاح الشعب التحرري. وعدم القفز عن ذلك، وإعادة ترتيب شؤون البيت الفلسطيني وفق أولوياته القيادية، وإزالة ما علق من شوائب بدور المنظمة بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وإنشاء السلطة الوطنية. والعمل على استقطاب كل القوى الناشئة والفاعلة في الساحة السياسية والكفاحية، وعلى أرضية برنامجها السياسي الوطني الجامع، الذي يُشكِّل القاسم المشترك للكل الفلسطيني.

ثالثًا، الارتقاء بعملية الشراكة السياسية مع كل فصائل العمل الوطني، وتعميق هذه العملية من خلال توسيع روح العمل الجمعي الفلسطيني، والابتعاد عن كل ما يعيقها، أو يؤثر سلبيًّا على دور الآخر الفلسطيني في اتخاذ القرار، أو الموازنات أو المواقع والمسؤوليات في أطر المنظمة، وتعزيز دور الرأي الآخر في العملية التحررية عموما وعلى أرضية الثوابت الناظمة للنضال الوطني.

رابعًا، رفع سقف الخطاب السياسي والعملية الكفاحية الوطنية في كل الميادين والحقول بما يعيد الاعتبار للقضية الوطنية. وهنا تملي الضرورة ضخ الدم الجديد في المواقع القيادية، ووضع البرامج المتجددة والجديدة وفق رؤية منهجية في روح النضال السياسي والديبلوماسي والشعبي والاقتصادي والثقافي، إلخ، لإعلاء شأن القضية، وإخراجها من عنق الزجاجة، وكم الأزمات التي تعاني منها.

خامسًا، ضرورة رفع الصوت عاليًا في المنابر العربية الرسمية، ومطالبة الأشقاء العرب بوقف عملية التطبيع المجانية مع دولة (إسرائيل)، ورفض استغلال العملية السياسية الجارية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي كمنفذ للتطبيع والتهافت والسقوط المريع من قبل العرب في مستنقع إسرائيل ركيزة الرأسمال المالي الغربي عموما والأميركي خصوصًا، وعليه رفض قلب أولويات مبادرة السلام العربية، أو حرفها. ومطالبتهم (العرب) جميعًا بالعودة إلى جادة الصواب والعمل بروح قرارات جامعة الدول العربية ذات الصلة بقضية العرب المركزية، لإعادتها لمكانتها المركزية فعلاً لا قولاً.

سادسًا تعزيز الشراكة مع القوى والأحزاب والمجموعات والمنظمات الشعبية العربية الوطنية والقومية والديمقراطية للمساهمة بعودة الروح لحركة التحرر العربية، والسعي للنهوض بها من حالة التعثُّر، التي تعيشها، لأنَّ نهوض تلك القوى والأحزاب يشكل رافعة جدية للقضية الفلسطينية، ويعطيها الزخم والثقل في الساحات العربية، ويمنح قيادة منظمة التحرير ركائز وقواعد قومية حقيقية في إسناد كفاحها التحرري، والعكس صحيح لحركات التحرر العربية في كل ساحة من الساحات الوطنية.

كل ما تقدم مرتبط بالعلاقة مع دولة الاستعمار الإسرائيلية والإمبريالية الأميركية، ويسمح لقيادة منظمة التحرير استعادة عافيتها، ووضع الخطط والبرامج القابلة للتحقق، والانفكاك عن الاستعمار الاستيطاني، وتصعيد روح المجابهة والتحدي لمشاريعها التآمرية وعلى رأسها صفقة القرن الأميركية، وقانون "الأساس القومية" الإسرائيلي، وأيضا للرد على الانقلاب في محافظات الجنوب، وتقريب المسافة لطي صفحته السوداء من التاريخ الفلسطيني المعاصر.

في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل القائد والزعيم الفلسطيني الخالد أبو عمار، نُجافي الحقيقة إن لم نؤكّد، انه مازال حيًّا وباقيًا فينا وبيننا بما مثَّله من أسطورة للكفاح الوطني التحرري، وغيابه في ملكوت الخلود لا يعني مغادرته هواجسنا وهمومنا وآمالنا وأحلامنا، لا بل أن الحقيقة الماثلة والدامغة تقول إنّه مع مرور كل يوم في مسيرة الكفاح التحررية، يتضاعف ويتعاظم وجود ياسر عرفات في أوساط الشعب وقواه ونخبه السياسية والثقافية. وفي ذكرى الغياب الأليم ننحني إجلالاً وإكبارًا لروحه الطاهرة، ونمجّد دوره وعطاءه وتراثه الكفاحي، ونؤكّد له ولكل الشهداء الوفاء والالتزام بمواصلة درب الكفاح حتى تحقيق كامل أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة.