منذُ عام 1830 والشعب الجزائري الشقيق يواجه الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، ولم يستسلم أبدًا للمخطّط الفرنسي، غير أنَّ المقاومة لم تكن منظمة طيلة عقود من وجود الاستعمار، ما آخر استقلال الجزائر العربية. غير أنَّ القوى السياسية الوطنية والديمقراطية من مختلف التيارات توقفت أمام تجربتها، وراجعت آليات عملها في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، ووحَّدت قواها في جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وفي مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 أعلنت الثورة لتحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها نيل الاستقلال وطرد الغزاة الفرنسيين.

كانوا 1200 مجاهد مع 400 قطعة سلاح خفيفة وبعض القنابل اليدوية، نظَّموا أنفسهم بشكل جيد، وقسموا الجزائر إلى ست مناطق مركزية، كلُّ قسم تولاه قائد وله نواب، وبدأوا مقاومتهم المسلحة ضد الجيش والوجود الفرنسي الكولونيالي. ورغم أن حكومة "منداز فرانس" الاستعمارية شنَّت حملات اعتقال واسعة طالت المئات من أبناء الشعب الجزائري لكبح جماح الثورة العظيمة، ودفعت بالآلاف من الجنود الفرنسيين إلى الجزائر للقضاء على الثورة، غير أنَّها فشلت فشلاً ذريعًا، لأن إرادة الشعب الجزائري كانت أقوى وأشد بأسًا، وكون الشعب متجذّرًا في أرض وطنه الأم، ولأنَّه صمَّم على الانعتاق من رِبقة الاستعمار الفرنسي، وبالاستفادة من العوامل الموضوعية المساعدة، حيث تعاظمت عملية التحرر من الاستعمار القديم بين دول وشعوب العالم الثالث، خاصة في القارتين الآسيوية والأفريقية، وبفضل الدعم غير المحدود من الشعوب العربية والصديقة في العالم بما في ذلك في أوساط الشعب الفرنسي ونخبه الفكرية والثقافية، تمكن الشعب الجزائري العظيم من تحقيق النصر المبين على غلاة المستعمرين الفرنسيين في الثاني من تموز/يوليو 1962، أي بعد 132 عاما على وجود الاستعمار الفرنسي في البلاد. وأعلن الجنرال ديغول القبول بحق تقرير المصير للشعب الجزائري.

ثورة المليون ونصف المليون شهيد الجزائرية،كانت عنوانًا وشعاعًا ونبراسًا لكل قوى التحرر في العالم أسوة بالثورة الفيتنامية، التي لعبت دورًا مهما في هزيمة الفرنسيين قبل المستعمرين الأميركيين. وكان الشعب الفلسطيني نصيرًا قويًّا ومتلاحمًا مع أشقائه الأبطال في الجزائر الشقيق، رغم أنّهم (الفلسطينيون) كانوا يعيشون ظروف النكبة والتشرد والضياع، غير أنهم لم ينسوا للحظة دورهم بما ملكوا من قوت وأموال التبرع لمساندة أشقائهم في الجزائر خاصة والدول والشعوب العربية كافة، لأنهم اعتبروا انتصار الثورة الجزائرية انتصارا لهم ولقضيتهم وثورتهم.

ولهذا نسجت علاقة عميقة وراسخة بين الشعبين والقيادتين والثورتين الشقيقتين، وكان الحبل السري يربط بينهما في عرى وثيقة لا تنفصم. وترسّخ ذلك بعد استقلال الجزائر باحتضانها نواة الثورة الفلسطينية، وأمست الساحة الجزائرية قاعدة رئيسة من قواعد الثورة، رغم المسافات الجغرافية البعيدة الفاصلة بين البلدين والشعبين. وقدَّم الشعب والقيادة الجزائرية الدعم غير المحدود لأشقائه الفلسطينيين من مختلف فصائل الثورة. ومازالت القيادة والشعب الجزائري الشقيق يقدمون حتى الآن الدعم لمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية.

كما لم ينسَ الفلسطينيون يوما مقولة الرئيس الجزائري هواري بومدين "نحن مع فلسطين والثورة الفلسطينية ظالمة أو مظلومة"، وهو ما عكس عمق الروابط الكفاحية والأخوية بين الشعبين الشقيقين. أضف إلى أنّ الجزائر احتضنت على أرضها اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني مرات عدة، وقدمت كل أشكال الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي والمعنوي حتى يوم الدنيا هذا.

ولا يمكن لفلسطين وشعبها أن ينسى مباراة كرم القدم بين فريقي البلدين على أرض الجزائر في شباط/ فبراير من عام 2018، ووقوف الشعب الجزائري الأصيل ومشجعي فريقه الرياضي إلى جانب الفريق الفلسطيني ضد فريق بلادهم. وهي من المفارقات الاستثنائية في عالم الرياضة. وكلنا يعرف حساسية الشعب الجزائري تجاه هزيمة فريقهم أمام أي فريق، حتى لو كان فريقًا عربيا آخر. ولكنهم مع فلسطين ارتضوا وقبلوا طواعية هزيمة فريقهم أمام الفريق الفلسطيني. وهو ما يعكس حب الجزائريين لفلسطين، وتبنيهم الراسخ والأكيد لقضية العرب المركزية.

وفي الجزائر الشقيق تعلم الآلاف من الطلاب الفلسطينيين، وفتحوا الباب واسعا أمام المعلمين ورجال الأعمال الفلسطينيين من دون ضوابط وتعقيدات أهل النظام الرسمي العربي، ومنح الفلسطينيون حقوقًا متساوية مع الجزائريين، لا بل أحيانا أكثر. وغض الجزائريون النظر عن الكثير من الأخطاء والمثالب الفلسطينية حرصًا على فلسطين وشعبها وثورتها، والتزاما ووفاء تجاه أشقائهم الفلسطينيين.

في يوم إعلان ثورة الجزائر في ذكراها الـ64 يقف الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ونخبه وعلى رأسهم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقفة حب وتقدير واعتزاز بالجزائر وثورته الأبية والرائدة، وينحنون إجلالاً وإكبارًا لروح الشهداء كل الشهداء من الشعب العربي الجزائري الشقيق، ويعلنون انحيازهم غير المحدود للشعب والقيادة الجزائرية.