تحقيق: وليد درباس

تقتضي أجندةُ "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" – فرع لبنان إلى جانب حفاظها على الذاكرة الفلسطينية، من خلال إحياء المناسبات والتنشئة الوطنية، التعاطي مع حاجات المجتمع الأهلي المتنوِّعة في المخيَّمات الفلسطينية، لناحية تعزيز القدرات الذاتية لمختلف الفئات المجتمعية، وفي مقدَّمها شريحتا النساء والأطفال، ولا سيما عبر برنامج "الطفولة المبكرة".

تعزيزٌ لقدرات الأطفال ومهارات الأهالي
يُعدُّ برنامج "الطفولة المبكرة" أحدَ أبرز البرامج التي يُنفِّذها الاتحاد تعزيزًا لقدرات الأطفال والمهارات الأبوية. وفي هذا السياق تقول مُنسِّقة المشاريع في "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" - فرع لبنان نجاح عبـده: "كعضوات في اتحاد المرأة، وتحديدًا العاملات في أُطُر ومؤسَّسات المجتمع الأهلي التابعة أيضًا للاتحاد، فإنَّنا على تواصل وتعايش شبه يومي مع حيثيات الواقـع الحياتي لأهلنا في المخيَّمات، وعادةً ما تلفتُ انتباهَنا تصرفات الأهل وهُم يؤدون مسؤولياتهم، وخاصّةَ الأُمّهات، تجاه أطفالهن وهُم ينمون ويكبرون ويشتدُّ عودهم، إذ إنَّ القدرات التربوية والإنمائية عادةً ما تكون في أوساط الكثيرين من الأهالي، وتحديدًا الأُمّهات، دون الطموح والإلمام بقواعـد وأصول التربية الحديثة، وهي مشكلةٌ تطال تداعياتها الأطفال، لذا نحاول الحدِّ منها. بدورها تَطَّلِعُ الجهات المعنية على الاستبيانات وتقارير المؤسّسات المجتمعية للاتحاد، وترفعها لمسؤولة الفـرع عضو الأمانة العامة للاتحاد آمنة سليمان التي تجري اتصالاتها مع مختلف المؤسّسات والجمعيات الدولية لإطلاعها ودعوتها لتبني قضايا وحاجات أهلنا الإنسانية ومساندتهم".
وتضيف عبده: "نعمل بدعم وتمويل من منظمة "اليونيسيف" وبالشراكة مع "مؤسسة التعاون" ومتابعتها، بصفتها راعية برنامج "الطفولة المبكرة"، على تنفيذ البرنامج، ونتوخَّى من خلال أجندته هدفين هُما: التخفيف من الضغوطات النفسية على الأطفال وتدعيمهم نفسيًّا واجتماعيًّا، وتعزيز علاقات التواصل والتعاون عبر تنفيذ نشاطات التشبيك المشتركة مع المؤسَّسات الأهلية الفلسطينية في المنطقة".
وفي عرضها لأجندة البرنامج، تُشير عبده أولاً إلى النشاط التشبيكي الذي تُنفِّذه رياض الأطفال التابعة للاتحاد بالشراكة مع رياض الأطفال في كلٍّ من: (جمعية النجدة الاجتماعية، مؤسّسة غسان كنفاني، مؤسّسة بيت أطفال الصمود، مؤسّسة أبو جهاد الوزير لذوي الاحتياجات الخاصّة، جمعية نبع، روضة الأقصى، روضة النّور، روضة الخالصة، روضة بسمـة طفل، روضة نهر البارد -قطاع س) ومتطوِّعين من مؤسّسة الحق باللعب اللبنانية. وتوضح أنَّه نشاط ترفيهي بعنوان "من حقي أن أفـرح"،  ويتضمَّن فقـراتٍ متنوّعةً ومنها: (عرض مسرح دمى، عـزف موسيقى، أغاني للأطفال، تطيير أعـلام، رسـم حـر، تعبير إيمائي بالدمى، سباق التناسب، إلـخ)، ويستهدف ما بين 299 إلى 387 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 3 إلى 5 سنوات، بينهم 106 أطفالٍ من رياض الاتحاد، حيثُ نُفِّذت هذه الأنشطة في صالتَي النغم وجار القمر شمال لبنان، وفي قاعة الشهيد عمر عبدالكريم في مخيّم البرج الشمالي في صور. وإلى جانب ذلك، نظَّم اتحاد المرأة عدّة رحلاتٍ ترفيهيَّةٍ شملت منتجعاتٍ ومطاعمَ ومنتزهاتٍ وحدائقَ في بيروت وبحمدون وصيدا وطرابلس والقاسمية وجنوب لبنان، واستهدفت نحو 769 طفلاً وطفلةً من روضات: "الهدى" و"السلام" في بيروت، و"هدى زيدان" في مخيَّم المية ومية بضواحي مدينة صيدا، و"الكرامة في مخيَّم البرج الشمالي، و"القدس" في منطقة صور، وروضة قطاع س في مخيَّم نهر البارد، إضافةً إلى نحو 578 أمّاً.
ويتضمَّن برنامج "الطفولة المبكرة" تنفيـذ حملاتِ توعيةٍ بهدف إفادة الأطفال وتعزيز قدرات الأُمَّهات، وعطفًا عليه يُنفِّذ اتحاد المرأة وَفْـقَ حديث المنسِّقة نجاح عبـده ورش توعية حول العناية الغذائية المتوازنة بالطفل عبر روضات "هدى زيدان" في مخيَّم المية ومية، و"السلام" في مخيَّم صبرا ببيروت، و"الكرامة" في مخيَّم البرج الشمالي، بالإضافة لورشات أخرى متعلّقة بالمهارات الأبوية عبر روضات: "طيور العودة" في وادي الزينة في إقليم الخروب، و"القدس" في تجمُّع المعشوق في مدينة صور، و"الهـدى" في مخيَّم برج البراجنة في بيروت.

مدرِّبات البرنامج ذوات تخصُّص وخبرة
تتحلَّى العاملات في حملات "الطفولة المبكرة"، وخاصّةً الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بخاصيّات إنسانيّة متميّزة، أبرزها الصّبر وسعة الصدر والإنصات للمشاركين والتفاني في العطاء، وقبل ذلك كلّه فهن أيضًا ذوات تخصُّص وخبرة. وتشير أخصائية التّغذيـة حنيـن أبو العينين إلى أنَّ الانطباع الأول لدى المجتمع عن مهمة أخصائي التغذية يقتصر على مسألة المساعدة على كسب أو خسارة الوزن، مشيرةً إلى أنَّ مهمّة أخصائي التغذية عمليًّا تتعلَّق بالعناية الغذائية بالأشخاص المصابين بأمراض مزمنة كمرضى السكري، والضغط، والكلى، وارتفاع الدهنيات، إلى جانب العناية الغذائية بالأطفال وبالمرأة الحامل والمرضعة، والمصابين بنقص التغذية، إلخ.
وتضيف: "مهمة أخصائي التغذية تحديد النظام الغذائي الذي يناسـب كلَّ حالة بما يضمن تأمين الحاجات الغذائية من دون أيِّ تأثير سلبي على الأشخاص".
وتعملُ أبو العينين، التي تحمل دبلومًا في التربية، في مجال حملات التوعية على اختلافها منذ سبع سنوات مع عدّة جهات، بينها اتحاد المرأة، حيثُ أنَّها تشارك في ورشِ وندواتِ توعية للأمهات عبر دُور رياض الأطفال في المخيَّمات، حول العناية الغذائية بالأطفال من سن 3 وحتى 5 سنوات. وفي هذا الصدد تقول: "نسعى عبر الندوات لتوعية وتنبيه الأُمّهات لضرورة وأهمية تناول الأطفال وجبة الفطور، وماهية (الزوادة) التي يجب أن تُحضِّرها الأُم لسدِّ حاجة الطفل في الروضة، وكيفيّة حماية الطفل من الإصابة بنقص الحديد والكالسيوم خاصةً أنَّ الأطفال في هذه السِّن عُرضةٌ للإصابة بذلك، وكيفيّة حماية الطفل من مشكلة تسوس الأسنان، وهي الأكثر شيوعًا في أوساطهم، ومسـاعـدة الأمهات ليتعرَّفـن على الاحتياجات الغذائية للأطفال، وغيرها".
وتردف أبو العينين: "لمست ارتياحًا واهتمامًا لدى الأُمَّهات في ورشات العمل، فقد كنَّ متحمّسات، والكثيرات سألن واستفسرن وحاولن التعرُّف على الطرق الأفضل لتشجيع الأطفال على تناول الطعام، وأعتقـدُ أنَّهن بتن أكثر إدراكًا واعترافًا بأهميّة العناية الغذائية في حياة الطفل، وأيضًا بدور أخصائي التغذية والرجوع إليه حين الحاجة".
هذا وقد أدارت الأخصائية التربوية صابرين أبو العينين ورشةً توعويةً عن التربية السوية للأطفال وعلاقتها بالعمل التربوي الاعتيادي، تمحورت حول "الروتين"، باعتباره سلوكًا تربويًّا يوميًّا، يتَّبعه الأهل مع الأطفال بما يتناسب ونموّهم التدريجي، وعلاقـة ذلك بالقواعـد والنُّظم التربوية الإيجابية ذات السلوكيات المتدرجة في النمو والتطور. ولأهميّة التفاصيل التربوية الصغيرة في سلوكيات وحياة الأطفال والأسرة أيضًا، كانت أبو العينين تتوقَّف بين التفصيل التربوي والآخر بهدف التنبيه ولفت النظر لأهميَّتها وتأثيرها على قدرة الأبوين على الوصول للمستوى الأفضل في التعاطي مع الأطفال، ومنها ضرورة تشكيل الوالدين قدوةً حسنةً، والتمتُّع بمستوى جيِّدٍ من الثِّقة بالنفس والاطّلاع، والتمسُّك بالقواعد التي تُوضَع والتنبُّه من عدم ترك الطفل للتصرف بحسب مزاجه مع أهمية الإنصات للطفل والاستماع لنصح الآخرين، وإشعار الطفل بالمحبَّة والتودُّد إليه.
وتلفت صابرين أبو العينين، التي تحمل بدوها دبلومًا في التربية، إلى أنَّ الثواب والتشجيع على الفعل الجيِّد له مفاعيله الإيجابية على الأطفال ممَّا يحتّم ضرورة عدم إغفال الأبوين لذلك. وتضيف: "على الأهل التحلّي بالثبات وعدم ممارسة الازدواجية في اتخاذ وتطبيق التعليمات، ومن المهم أيضًا أن يضع الأهل أنفسهم مكان الطفل عند وضعهم النظام، ويجب الابتعاد عن العقاب واستبداله بالتوعية والإرشاد، وعلينا ألّا ننسى أنَّ الطفل يكتسب ويتعلَّم كيف يتصرَّف في العلاقات من خلال ما يراه".

المشاركات يشكرن الاتحاد لـدوره واهتمامه
حظيت ورشة العمل الخاصة بالتربية السوية للأطفال بإعجاب وشكر الأمهات والحضور، حيثُ أبدت كُلٌّ من: إيفـا الأزهر، وفريهان الخالدي، وأم علي، وأخريات، تقديرهن للجهود التي يبذلها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والأخوات عمومًا، خاصةً اللواتي يُشرفن على تنظيم وتقديم الورش. وعطفًا على ورش الطفولة المبكرة، نوَّهت الحاضرات إلى إنَّ الورش قدَّمت لهن المعلومات الجديدة، والتي ساهمت في تصحيح ما يملكنه من أساليب وأفكار سـواء أكان في مجال العناية الغذائية بالطفل والتعاطي معه من ناحية، أم على مستوى التعاطي التربوي مع الأطفال من ناحية أخرى، ولكنَّهن رأين بـ"الأوضاع الحياتية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في المخيَّمات" عائقًا في وجه تطبيق عددٍ من الأمور وخاصة في الشقِّ التربوي.