قال "نير بركات" المتسمي رئيس بلدية القدس من قبل الاحتلال الصهيوني: (الأراضي التي تعتقدون أنها للفلسطينيين وأنها بنيت عليها المستوطنات هي كلها أراضي لليهود، سكنها اليهود منذ أكثر من 3 آلاف عام! وحتى المدن العربية كلها سميت على أسماء اليهود موجودة من زمن التوراة، واليهود لهم الحق في العيش في عمان وفي دمشق وفي بيروت والقدس.)![1]

وقال موغلا بالتزوير التوراتي بطغيان القوة وسطوة الخرافات والأساطير، وفي ترداد نغمة اليمين الإسرائيلي التوراتي المتطرف الحاكم ب(إسرائيل) اليوم بالرواية المصطنعة: (لن تكون القدس جزءاً من المفاوضات وإنما ستبقى عاصمة لدولة (إسرائيل) موحدة غير مقسمة وستبقى قلب وروح "الشعب" اليهودي)!

إن طغيان الخرافات والأساطير في عقل اليمين الإسرائيلي الطاغي بدأت تخلّ بالمشروع الصهيوني ذاته، الذي قام لتمكين اليهود "الناجين" من المذبحة الألمانية والأوربية ضدهم على حساب وطننا وبلادنا فلسطين بشكل غريب ومدعاة للتساؤل!

إذ تُكافأ الضحية نتيجة الإرهاب الأوربي بنقل ذات الأوربيين من ديانة أخرى (اليهودية) لبلاد أخرى لا صلة للواهب والموهوب (الممنوح) بها لا اليوم، ولا من آلاف السنوات، وكما حصل بداية من صفقة إعلان بلفور الانتهازية كما وصفها الحفيد روتشيلد بالقول عن الإعلان "قطعة خيالية من الانتهازية"[2].

مع كل التنظير المختلف الذي بدا ما قبل الصهيونية، إلى فترة توافق الصهيونية مع العقل الاستعماري الغربي ليتم الحوار حول اختيار "وطن" لليهود الأوربيين والروس كانت "الخيارات"! متعددة بين: الأرجنتين وكينيا وأوغندا وليبيا وسيناء وفلسطين،[3] إذ لم يكن للفكر التوراتي التاريخي المزوّر الذي يدعي ملكية فلسطين أية أفضلية على غيره، وإنما كانت الفكرة الغربية هي التخلص من يهود القارة الأوربية من جهة ولأسباب دينية،[4] وإنشاء دولة عازلة للنهضة العربية أو الإسلامية التي كانت آنذاك تمثل العدو الأول للحضارة الغربية ذات العقلية العنصرية البيضاء التي صنعت الاستعمار الغربي.[5]

سقطت مع المسيرة مقولات (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) منذ البداية كما يشهد المفكر الإسرائيلي من القرن الماضي (آحاد هاعام) وغيره،[6] وسقطت عبر المسيرة ادعاءات أن سكان هذه الأرض هم الإسرائيليين ولم يكونوا الكنعانيين (قبيلة بني كُنانة=الكُنانيين=الكنعانيين العرب) على الرغم من ثبات الأمر اليوم إن القبيلتين عربيتين، وبني إسرائيل القبيلة العربية اليمنية التي لا صلة لهم بها انتهت من على مسرح التاريخ منذ زمن بعيد كما انقرض قوم نوح ولوط وهود وثمود وعاد.[7]

استعمار كولونيالي عنصري إحلالي

إن احتلال فلسطين واستعمارها لن يُفهم على حقيقته إلا في إطار استعماري كولونيالي عنصري إحلالي ابتغى احتلال بلادنا،أرضنا، لأسباب استعمارية بحته لينتقل الفكر الحاكم في الكيان اليوم من ترداد نغمة الملجأ من (الكارثة والبطولة) لشعب بلا أرض، إلى نغمة الأحقية التاريخية الموهومة لتبرير استمرار احتلاله ولتثبيت مشروعيته أمام ناخبيه، وهي النغمة التي لا تساوي شيئا أمام سطوة الحجر (علم الآثار) وأمام حقيقة علم الأجناس (الانثربويولوجيا) وأمام علم المنطق والتاريخ الموثق والأبحاث الحديثة.[8]

المذكور"بركات" ومن خلفه "نتنياهو" واليمين الأسطوري المتطرف لا يعلم أن كتبة التوراة القدماء من الكهنة هم عرب من قبيلة بني إسرائيل العربية اليمنية المنقرضة، والعبرية من لغات جنوب الجزيرة العربية، فلا شأن له هو الغربي بالعرب من القبيلة المنقرضة مطلقاً لا قومياً ولا جينياً ولا وراثياً، والديانة لا تورّث أي حق تاريخي، ولا تورث نسلاً مما يدعيه.

مسرح الأحداث البعيد ولا علاقة لهم به اليوم

وله ولا مثاله في اليمين الصهيوني والمتحالف مع فكر المسيحية الصهيونية نقول أن الأسماء للأماكن والقبائل الواردة في التوراة هي كلها بمكان آخر، أي ليست في فلسطين أي باليمن القديم، وعندما نقلتها القبائل العربية كأسماء لمنطقتنا نقلتها بصيغتها العربية التي لم تستطع التوراة أن تنكرها أبدا.

فهي أي المدن والقرى والأماكن المذكورة بالتوراة سواء تلك التي باليمن أو بالشام هي عربية قح، ومن فمك أدينك فالتوراة تؤكد ذلك بالأسماء العربية الواردة فيها.

وهو (أي نير بركات المتسمي رئيس بلدية القدس عن الاحتلال) الغريب القادم من خارج فلسطين كما شأن معلمه "نتنياهو" لا شأن له بالجغرافيا التي تخصنا أي بفلسطين كما لا شأن له بادعاء وراثة تاريخ قبيلة يمنية عربية منقرضة أبدا هناك في اليمن القديم.

يقول عالم الآثار الإسرائيلي "إسرائيل فنكلستاين" و"نيل أشر سبيلبرغ" في كتابهما: "التوراة مكشوفة على حقيقتها"، فقط كمثال ومثله الآلاف: (هناك الكثير من التناقضات بين الاكتشافات الأثرية والقصص التوراتية ، مما يمنع القول بان الكتاب المقدس العبري يزودنا بوصف دقيق تماماً لما حدث في الحقيقة و(الواقع)، ويؤكد على هذا التناقض مرة أخرى بكتابه صـ51 إذ يقول (سنرى كم من قصص وروايات الكتاب المقدس العبري هو من نتاج آمال ومخاوف وطموحات مملكة يهودا ..)، ومشيراً بوضوح (لتركيب قصص لا وجود لها)، ومشيراً أن (المكتشفات الأثرية تتناقض تماماً مع شهادة الكتاب المقدس) ويضيف صــ39 إن بعض العلماء يرى (إن هذا التاريخ تم تأليفه أثناء فترة النفي في محاولة للحفاظ على تاريخ و ثقافة وحضارة وهوية الأمة المقهورة بعد كارثة دمار أورشليم ....)...الخ.

ولمزيد من الحقائق مراجعة كتب وأبحاث المفكر والباحث فاضل الربيعي في أسفاره العشرين الضخمة، وبالبداية كتابه الضخم فلسطين المتخيلة أرض التوراة في اليمن القديم، وكتب فرج الله صالح ديب، وكمال الصليبي، وزياد منى، وجواد علي، وأيضا إسهامات وكتب الباحث أحمد الدبش، بل يمكن العودة لدراسة اليهودي الهنغاري عن أصل يهود اليوم من روسيا وشرق أوربا "أرثر كوستلر"، وكتب الإسرائيلي "شلومو ساند" حول أسطورة "أرض" (إسرائيل)، وأكذوبة أو خرافة "الشعب" اليهودي، وكذلك مراجعة "ايلان بابيه" حول التطهير العرقي في فلسطين ما قبل وبعد النكبة في العام 1948.

وعلينا الرجوع إلى أبحاث علماء الآثار أمثال: "إسرائيل فنكلستاين" و"زئيف هرتزوغ" التي تكذب مزاعم الممالك/الإمارات السليمانية-الداوودية في فلسطين والمنطقة العربية بين مصر والشام والعراق، كما الحال أيضا مع "نيل أشر سبيلبرغ" و"كاتلين كينون"، والتي تدحض بجاحة الادعاء بوجود المملكة الداوودية-السليمانية في بلادنا والجوار، بادعاء من قبل كل تيار اليمين الخرافي رغم عدم الصلة التي نؤكدها بين إسرائيليي اليوم وبين القدماء من جهة، ورغم فساد جغرافيا التوراة في الدلالة على المواقع الحقيقية لأحداث التوراة التي لا صلة قومية لهم بها البتة.

تنقية كتبنا وأنفسنا

ما نريد قوله بوضوح أن أكاذيب "نير بركات" وتلفيقات "نتنياهو" المتكررة واليمين الديني الصهيوني لا تجد لها موضعاً أمام العلم الحديث، ولا أمام المراجعات التاريخية، ويثبت فسادها أمام الحق وأمام علم الآثار، والعلوم الإنسانية الأخرى، ما يجرد الرواية التاريخية التوراتية من تاريخيتها وجغرافيتها المصنوع مطابقتها جدلا على فلسطين اليوم[9] ليوجب تنقية أنفسنا وكتبنا نحن أولا قبل المحتلين من آثام اعتماد تلك الروايات الفاسدة في كتبنا حتى اليوم.

إن الاحتلال الصهيوني لفلسطين جاء لأهداف إمبراطورية استعمارية اقتصادية وسياسية بحتة، بل كان دليلاً على بُغض الأوربيين لليهود امتداداً لاحتقارهم في أوروبا طوال قرون وهو ما يوصم به "بلفور" ذاته الكاره لهم والمتطير من هجرتهم من روسيا إلى بريطانيا وأوربا،[10] فلا صلة دينية أو تاريخية ولا يحزنون لأولئك الغربيين من اليهود الذين حلّوا في بلادنا لاغتصابها، وما يجعل التعامل معهم واردا مما هو مرتبط فقط بقرار التقسيم-رغم جوره وظلمه- عام 1947 حيث أن كل ما يذكرونه من تاريخ قبله مجرد أساطير وكذب في كذب، ومن القرار 181 فقط تكون البداية فلا ننخدع بترهات أساطير التوراة والمؤسطرين القدماء والجدد. [11]

إذ (يجب أن تفقد القضية الفلسطينية طابع الصراع الديني وأن تأخذ طابعها الحقيقي والقابل للحلّ وهي أنها قضية احتلال).[12] وعليه وجب على الأمة العربية والإسلامية إلا تنجرف مع أكاذيب وتهويمات "بركات"، أو خدع "نتنياهو" سواء الدينية الأسطورية أو السياسية الانتهازية عبر الغزل المتكرر مع العرب باعتباره معهم في جبهة واحدة ضد العدو المشترك أي إيران كما يردد، وهو بالحقيقة يفتت الجبهة من حول القضية الفلسطينية ويدمر مبادرة السلام العربية بقبلبها من الخلف إلى الأمام، ويمهد للتمدد إلى عمان وبيروت والرياض وكل عواصم العرب.