مجلة القدس العدد 328 تموز 2016

تحقيق: نادرة سرحان

جميعنا نحلم بوطنٍ يجمعنا تحت سقفه نصنعُ في حضرته أمجاداً، ونبني على أرضه القلاع. فالوطن هو حيث التاريخ والانتماء والهويّة، هو جنةٌ ولكن إن سلمت من أيدي العدو، وإذا لم تسلَم يغدو أبناؤه مشرّدين في بقاع الأرض. وعلى هذا الحال هو الشعب الفلسطيني الذي هُجِّر من أرضه قسرا،ً وحُوصِر تحت مُسمّى لاجئ، فأصبحَ حلمه العثور على ملاذٍ في غير وطنه يجد فيه ولو شيئاً بسيطاً من رغد العيش، ولكنّه كان لا يلبثُ أن يصطدمَ بالواقع، ويتذكَّر بأنّه ليس سوى لاجئ يعيش على أرض ليست بأرضه، لا يحق له أن يشتكي أو يستغيث، وإنّما عليه التكيُّف مع ظروف معيشته حتى وإن كانت مزرية. هذا هو حال اللاجئ الفلسطيني في لبنان وخاصةً في منطقة البركسات في عين الحلوة حيثُ أصبح العيش في منزلٍ يتمتّع بأبسط مقومات السّكن أشبه بأُمنية مستحيلة!

وبالعودة إلى تاريخ البركسات فهي منطقة تعيش فيها أكثر من 930 عائلةً لبنانية وفلسطينية مع غالبية فلسطينية تقارب 70%. وهذه المنطقة كانت أرضاً تابعةً لقوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية مخصَّصةً لاصطبلات الخيل، ثُمَّ أصبحت لاحقاً تخضع للانتداب الفرنسي إلى أن استقرَّ فيها لبنانيون بعد زلزال العام 1956، ومن ثُمَّ سكنها فلسطينيون بعد أحداث العام 1969، وازدادوا بكثرة بعد العام 1982 إلى غاية الآن. وعلى الرغم من أنَّ سكان منطقة البركسات فلسطينيون معظمهم من أراضي الـ1967 إلا أنّهم لا يستفيدون من خدمات الأونروا في جميع المجالات باعتبارها منطقة تابعة للدولة اللبنانية وخارج نطاق عمل وكالة الأونروا اذ تعتبرها خارج الأرض القانونية للمخيم. لذلك يضيع سكان هذه المنطقة بين فلان وعلان منتظرين مصيرهم تحت سقوف منازلهم الآيلة للسقوط على رؤوسهم في أي لحظة، ولا يعلمُ الفرد متى يأتي أجله وينطمر تحت الأنقاض.

 

العناية الإلهية تنقذ عائلة محمد عيسى

محمد عيسى لاجئ فلسطيني يعيش في منطقة البركسات مع عائلته المكوّنة من زوجته وأبنائه الأربعة. كان عيسى يعي مُسبقاً بأنَّ منزله آيل للسقوط، ولكنّه لم يتصوّر يوماً أن يسقط سقف منزله على ابنه الرضيع. ففي منتصف ليل الاثنين 30/5/2016 سقط سقف منزل عيسى بدون سابق إنذار أثناء تواجد العائلة داخله، ولحسن الحظ وبفضل العناية الإلهية لم يتأذَ أفراد المنزل بالرغم من أن إمكانية تأذيهم كانت واردة بشكل كبير ما استدعى تدخُّل اللجنة الشعبية للمنطقة واعدين عيسى بإعادة ترميم منزله.

 

منازل أشبه بالكهوف.. وأخرى يتآكلها الصدأ

عندما ترى منزل أحمد حمادة يُخيَّل إليك أنه منزل كباقي المنازل تنقصه بعض الترميمات، ولكنّك ما أن تدخل إليه حتى تجدَ نفسك قد دخلت كهفاً تحت الأرض لا نور فيه ولا هواء يوصلك الى منزل أحمد.

وعن حالة منزله يقول حمادة: "أعيشُ أنا وزوجتي وبناتي الأربع في هذا المنزل المكوّن من غرفتين فقط بمساحة قليلة وضيّقة، لا نستطيع أن نتحمّل فيه حرارة الصيف ولا حتى الرطوبة العالية، فعند انقطاع الكهرباء يكاد يغشى علينا من شدة الحرارة، وإذا متنا هنا لا أظنُّ أن أحداً سيسأل عنا".

ويضيف "منزلي ليس له نوافذ، وغرف البيت مكشوفة على الخارج، حتى بيت الخلاء ليس له باب، ولا يوجد عندي مجرى للصرف الصحي، الآن بناتي صغيرات، ولكن عندما يكبرن ماذا سأفعل؟ هل سيبقى منزلي مكشوفاً؟! لا سيما أنني لا أملكُ المال الكافي لأجري تعديلات على المنزل، فما أجنيه لا يكفي الطعام حتى. وأين هو دور اللجان من مساعدتي كما تساعد غيري، أم أنّ الواسطة هي التي تلعب دوراً؟".

ولكن لحسين موسى تجربة أخرى مع منزله، يرويها قائلاً: "منذ ولادتي ونحن نستأجرُ هذا المنزل بإيجار لا بأس به، وأسكن فيه مع والدتي وأخي منذ ما يقارب خمسةً وعشرين عاماً، ولكن ليت هذا المنزل يستحق الإيجار الذي ندفعه. ففي الصيف النار تكوينا بسبب ألواح الزينكو التي تعدُّ المكوّن الأساسي للمنزل. أمّا في الشتاء ففي حين يلتزم الناس منازلهم لكي لا يتبلّلوا بالمياه، نغرق نحن في الماء حتى ونحن داخل المنزل بسبب تسرب المياه من ألواح الزينكو. فمنزلنا لا تتوافر فيه أدنى مقومات العيش، وقد حاولنا الانتقال الى منزل آخر، ولكنَّنا وجدنا أنفسنا ننتقل (من تحت الدلفة لتحت المزراب)، لذلك عدنا الى منزلنا بعد فترة قصيرة".

 

اللجنة الشعبية لمنطقة البركسات: نفتقدُ لكافة المقومات

بسؤاله عن الخدمات التي تقدّمها اللجنة الشعبية في منطقة البركسات لأهالي المنطقة والجهات التي تموّل هذه الخدمات، قال أمين سر اللجنة الشعبية في منطقة البركسات محمد سلطان: "منطقة البركسات منطقة محايدة، فهي لا تتبع للمخيم ولا للدولة اللبنانية من حيث الخدمات، لذلك تسعى اللجنة الشعبية الى مساعدة البيوت التي تحتاج الى ترميم، ولكن على قدر استطاعتنا بما بين ايدينا وبما يُقدَّم لنا من تمويل، فنحن نفتقد للتمويل اللازم ما يؤدي، للأسف، لتقصيرنا بحق بعض المنازل. فعلى سبيل المثال المموِّل الأول للجنة الشعبية في البركسات هو برنامج الأمم المتحدة الانمائي "UNDP" والذي قامَ بمشاريع إنمائية من قبل (ماء، كهرباء، بنى تحتية)، وما يجب أن نوضحه هو أنَّ مهمتنا نحن تقتصر على رصد الاحتياجات ودراسة البيوت التي تحتاج لترميم، من دون أن نتسلّم الأموال بأيدينا، فهذه المهام يقوم بها مقاولون لبنانيون مخوَّلون من قِبَل البرنامج، أيضاً هناك مؤسّسات تخصِّص المشروع الذي تودُّ العمل به لفئة معيّنة، كتخصيص ترميم بيوت لمن لديهم حالات إعاقة او ما شابه، لذلك عملُنا محدَّد بعض الشيء، وهناك شرائح تطالها المساعدات وشرائح لا تطالها.كذلك بعض الفصائل حاولت استمالة الـ"UNDP" لخدمة مشاريع داخل المخيم تصبُّ في صالحها، وإبعاده عن البركسات، وهذا الشيء خاطئ، كون تقديم الخدمات للمخيّم يقع على عاتق الأونروا وضمن مسؤولياتها".

وأضاف سلطان: "منطقتُنا تفتقر لكافة المقومات الخدماتية، وأحمِّل الأونروا كافة المسؤولية تجاه هذا التقصير، فجميع أهالي المنطقة مسجّلون لدى الأونروا، ولكن هل الأونروا تُعنى فقط بالبشر؟ وماذا عن الحجر؟ وإذا كانت هذه قاعدتهم، لماذا يتكفّلون بمنطقة حطين، والطوارئ أو حتى بستان القدس مع أنّها مناطق خارج إطار الأونروا أيضاً؟! ولكن الأونروا تفعل هذا إنطلاقاً من منظور سياسي باعتبار أنَّ البركسات تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتحديد حركة "فتح" وأنّها هي المسؤولة عن تقديم الخدمات، ونحن لا ننكر الخدمات التي تقدِّمها الحركة، ولكنها ليست بالشكل المطلوب أيضاً، ونحن نحمّلها مسؤولية التقاعس في الضغط على الأونروا. كذلك نحن نواجه مشكلة بأنَّ بعض الأشخاص يريدون ترميم بيوتهم الزينكو مع أنَّهم مسافرون منذ زمن طويل ولا يعيشون فيها".

ويختم سلطان حديثه قائلاً: "لا بدَّ من التأكيد على أنَّ عملنا يبعد كل البعد عن السياسة، فمهما اختلفت انتماءاتنا السياسية كأبناء شعب واحد، إلّا أننا نضع السياسة جانباً حين يتعلَّق الأمر بالحالة الاجتماعية والشأن العام، لأنَّ ما يهمنا كلجنة شعبية هو مصلحة الأهالي على اختلاف انتماءاتهم السياسية. وحالياً هناك مشروع لإعادة ترميم البيوت نقوم بدراسته وسيتم تنفيذه قريباً".

ليس هناك أسوأ من أن يقعَ الإنسان بين نارَين، نار لجوء أنهكت قواه طوال هذه المدة ولا تزال، ونار منزل لا يدري متى توقيت هبوطه، وما أن يحاول الهرب من إحداهما حتى تلاحقه الأخرى. فإلى متى ستبقى منطقة البركسات محرومةً من خدمات الأونروا ومُدرَجَةً تحت المناطق التابعة للدولة اللبنانية؟ وإلى متى سيبقى مصيرُ أكثر من 900 عائلة معلَّقاً بالمؤسّسات المانحة؟