افتتاحية مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-
بقلم: رفعت شناعة
أثبت الجانب الإسرائيلي عملياً وخاصة بعد إغتيال إسحق رابين أنه ليس معنياً بايجاد حل للقضية الفلسطينية، وليس في حساباته، لا في الماضي ولا الآن، ولا مستقبلاً الانصياع لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالموضوع الفلسطيني، فهي قد مارست القرصنة القانونية والسياسية على الامم المتحدة وفرضت عليها العام 1947-1948 الاعتراف بها دولة على أراضي الشعب الفلسطيني التاريخية، ثم أقفلت الباب بوجه مجلس الأمن على أي قرار ينصف الشعب الفلسطيني، ويقضي بمنحه الحق في إقامة دولته المستقلة، وعودة اللاجئين إلى أراضيهم التي شُرّدوا منها العام 1948، علماً أن قرار الامم المتحدة الذي نصَّ على الاعتراف بالكيان الإسرائيلي كان مشروطاً بموافقته على إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم إستناداً للقرار 194. وللأسف فان الكيان الصهيوني أخذ ما يريد، وارتكب المجازر بحق الفلسطينيين، ونكَّل بهم، وشردهم في كل بقاع الارض، ورفض السماح بتطبيق قرار عودة اللاجئين متجاهلاً المؤسسات والهيئات الدولية، ومازالت تعيش سعيدة على حساب آلام، ومعاناة، ومصائب، وتشرّد الشعب الفلسطيني. وقمة الظلم والجريمة السياسية والقانونية تبرز في تخلي العالم عن حقوقنا، وعدم ممارسة أية قوة قانونية على الكيان العنصري تحت بند الفصل السابع أو غيره كما تفعل ما باقي دول العالم. هذا السلوك العنصري المتعجرف من قبل الكيان الاسرائيلي إجتاح من خلال الدعم الاستعماري الصهيوني كافة المؤسسات والهيئات الدولية وعرّتها أمام شعوب العالم لتؤكد يوماً بعد يوم عجز المجتمع الدولي أمام الارادة الصهيونية التي تخاطب العالم من برج العنصرية، والاستعلاء، والاستقواء، والاستهتار، والتحدي. وأمام هذه السطوة سطوة الباطل الصهيوني إنهارت الرباعية، وغابت عن الأنظار لأنها عجزت عن أخذ القرار المناسب والمتناسب مع قرارات الشرعية الدولية التي تعترف جميعها بحل الدولتين، وتطبيق قرار عودة اللاجئين، واعتبار القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وأيضاً إعتبار الاستيطان في الاراضي المحتلة العام 1967 غير شرعي ويجب إزالته.
كما أنّ كيري وأوباما قبله تلقيا الصفعات على مرأى ومسمع العالم بأسره عندما كان نتنياهو يمارس العربدة عليهما، ويرفض رفضاً كاملاً حتى تنفيذ ما اتفق عليه هو شخصياً مع الإدارة الاميركية حول مسلسل المفاوضات، وخاصة الحلقة الأخيرة عندما رفض الافراج عن الدفعة الأخيرة من أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، وعجزت أميركا بكل هيبتها أن تفرض القرار على نتنياهو الذي يقود الآن أسوأ حكومة عنصرية متطرفة. ويومها أبلغ سيادة الرئيس أبو مازن الولايات المتحدة التي كانت هي الوسيط الدولي – غير النزيه، والمنحاز دائماً للاحتلال الإسرائيلي العنصري – أبلغها وأبلغ العالم بأسره أنه لن يعود إلى المفاوضات بالصيغة السابقة، وان أية مفاوضات قادمة يجب أن تكون برعاية دولية وليس أميركية بعد أن أثبتت عجزها وانحيازها مراراً، كما أنّ هذه المفاوضات إذا حصلت فيجب أن تكون مرجعيتها قرارات الشرعية الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية، وخاصة وقف الاستيطان، والافراج عن الأسرى، والاتفاق على زوال الاحتلال في إطار جدول زمني يتم إقراره بوضوح. كما أكد الرئيس أبو مازن بأننا لن نعود إلى المفاوضات الثنائية التي يريدها العدو الإسرائيلي كي يستفرد بالجانب الفلسطيني، ويحوِّلها إلى مفاوضات عبثية، مستمراً في إستيطان ما تبقى من الارض، وخاصة منطقة الأغوار بعد أن استعمر حوالي 60% من المناطق المحتلة.
في السنوات الأخيرة أختارت الأطراف الدولية صاحبة القرار موقف المتفرّج والمنحاز لصالح العدو الإسرائيلي، وأصبحت تراقب ما يجري على أرض الواقع من مجازر، ومن جرائم الحرق والاحراق كما جرى للطفل محمد حسين أبو خضير، ولأسرة الدوابشة حيث استُشهد الأب، والأم، والطفل الصغير، وبقي الطفل الأكبر علي يعاني لشهور طويلة من الحروق التي أصابته.
والظلم الدولي طال أهلنا في قطاع غزة حيث الحصار الاسرائيلي المدمّر على كل الأصعدة، وخاصة الإعمار، والماء، والكهرباء، والغذاء، وترافق ذلك مع شنّ العدوان الاول والثاني والثالث وسقوط آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى، وتدمير عشرات آلاف البيوت. من الواضح أنّ هناك ضوءاً أخضر للاحتلال الإسرائيلي بكل مكوناته، الجيش، والاجهزة الامنية، والمستوطنون ليمارسوا ما يحلو لهم من حرب شعواء على أبناء شعبنا في الضفة وقطاع غزة، قتلاً، وتدميراً، واعتقالاً، واعدامات ميدانية، وحصاراً إقتصادياً، واعتداء على المقدسات، واقامة المزيد من المستعمرات دون أن يكون هناك رادع، وانما هناك المزيد من القوانين والتشريعات الجديدة التي يدرسها الكنيست، والحكومة، ومنها قرار إعدام الأسرى، وقرار الحكم على الأطفال رماة الحجارة بالسجن لمدة عشرين سنة. وهذا الكيان العنصري المتمرد على العالم، والمستأسد على الشعب الفلسطيني يمارس عملية تصفية القضية الفلسطينية، وإبادة العدد الاكبر من أبناء الشعب الفلسطيني من أجل تركيع القيادة الفلسطينية، وخاصة قيادة حركة فتح صاحبة القرار المستقبل. أمام هذا الواقع ماهو المطلوب فلسطينياً؟.
أ – إن الانقسام الذي أعقب الانقلاب في غزة في 14/6/2007 هو العائق الحقيقي والأكبر أمام تطور المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي، فالإنقسام أصبح سيفاً مسلَّطاً على رقبة الشعب الفلسطيني، ومدمِّراً لكافة الجهود المبذولة لتوحيد الساحة الفلسطينية، ونحن ومن موقع المسؤولية والأُخوَّة نطالب قيادة حركة حماس إجراء مراجعة جريئة لمواقفها وسلوكها في قطاع غزة، والاعلان فوراً عن الموافقة على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والبدء عملياً بالتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية، والمجلس الوطني.
إنَّ التصنيفات العشوائية في الساحة الفلسطينية وتوجيه الاتهامات والتخوين قضايا ناتجة عن احقاد دفينة، وعن توجيهات غير وطنية خاصة عندما تطال قيادة م.ت.ف وقيادة حركة فتح تحديداً. والافضل من هذه التصنيفات العبثية والموبوءة هو الاعلان فوراً من كل الاطراف عن الالتزام بتنفيذ مضمون اتفاق القاهرة العام 2011 الذي وقَّع عليه الجميع دون استثناء. وهذه المصالحة ستقود الى توحيد الصف الفلسطيني بوجه الاحتلال، والاتفاق على إستراتيجية عسكرية وسياسية مهمتها الاولى التخلص من الاحتلال، ورسم معالم المستقبل، وخاصة موضوع مقاومة الاحتلال والاساليب والادوات التي يجب اعتمادها استناداً الى الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال. وأيضاً في مثل هذه الحالة سيتم فتح الباب أمام تنفيذ قرارات المجلس المركزي العام الماضي وخاصة موضوع وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، ورفض الصيغة الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها في باريس، والتي تربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الاسرائيلي.
ولمزيد من الوضوح فإن غياب المصالحة، وتكريس الانقسام لأهداف سياسية إقليمية هو العائق الحقيقي امام تنفيذ قرارات المجلس المركزي لأن تنفيذ القرارات هو معركة صعبة، ولها تداعياتُها على المجتمع الفلسطيني، لأن الحركة اليومية للشعب الفلسطيني في الوطن بعد وقف التنسيق الأمني ستصاب بالشلل، ولأنَّ الاحتلال وحده سيكون صاحب القرار في الدخول والخروج، وفي التنقل، والعلاج، والتصدير والاستيراد، بمعنى أوضح إذا لم يكن هناك وحدة وطنية وتفاهم سياسي كامل على كل المستجدات، وكيفية التعاطي معها بموقف موحَّد، فإن الاحتلال سيستثمر غياب التنسيق الامني ليمارس خطته لتمزيق الساحة الفلسطينية، والمراهنة على تركيبات جديدة لها مصلحة في التعامل مع الاحتلال، وبالتالي إغراق الضفة الغربية بالصراعات الحزبية والعشائرية، والجهوية، وإثارة الفتنة وتزويد اصحابها بأسلحة وامكانيات لتدمير البنية التحتية للسلطة الوطنية.
الوحدة الوطنية ضرورية لأنه يجب ان يكون هناك تصوُّر موحَّد حول وضع السلطة الوطنية، وفي حال تمَّ حلُّها ما هي البدائل، وما هو دور م.ت.ف في مثل هذه الحالة؟ وما هو  شكل المقاومة التي سنعتمدها، وما هي الاساليب والوسائل التي يجب الاتفاق عليها حتى نستطيع تحقيق اهدافنا الوطنية؟ وفي الوقت نفسه من هي القيادة العسكرية الموحَّدة التي ستقود مقاومة الاحتلال؟ هذه اسئلة مشروعة تبحث عن أجوبة، لأن عدم الاجابة عليها بشكل واضح سيدمِّر الساحة الفلسطينية.
ج- نحن نؤمن بأن المشروع الوطني الفلسطيني هو الأساس في مقاومة الاحتلال، والقرار الوطني المستقل هو الضمانة لعدم الانحراف والانجرار الى مسارات دولية أو إقليمية لا تخدم جوهر القضية والمصالح العليا للشعب الفسطيني. وهذا يفترض إعادة النظر في تحالفات الفصائل مع القوى الأخرى مع بقاء تكريس الانقسام. والتطورات والاحداث تؤكد للجميع بأن الدول الاقليمية لها مصالحها الخاصة والعليا، وهي لا تضحي بها من اجل الشعب الفلسطيني. وهذا واضح من خلال عقد بعض الدول اتفاقات تطبيع مع الكيان الصهيوني عسكرية، وامنية، واقتصادية، وسياسية على حساب الشعب الفلسطيني، وهذا ما قامت به تركيا الدولة الاسلامية حيث عمَّقت ووطَّدت علاقاتها مع الدولة التي تحتل ارضنا، والتي تعتدي على شعبنا، وعلى مقدساتنا، وتقتل أطفالنا، وتتنكر لحقوقنا، فأين الاسلام في كل ذلك ؟؟!!
آن الاوان أن يعود الجميع الى المشروع الوطني الفلسطيني، وأن نجسِّد الوحدة الوطنية، وأن نتمسك بالقرار الفلسطيني المستقل، والخيار الوطني الحر.
التواطؤ على حقوق الشعب الفلسطيني الذي شاهدنا فصوله المأساوية في زمن الرمز ياسر عرفات عندما حوصر في المقاطعة، وتم اغتياله بالسّم، وتوقف يومها كل الأصدقاء والأقرباء عن دعم الرمز ياسر عرفات، وأكثر من ذلك توقف الجميع دون استثناء عن الاتصال به بناء على طلب أميركي اسرائيلي ومجرد أن قال العدو الاسرائيلي أن ياسر عرفات لم يعد شريكاً في عملية السلام التزم الجميع بتلبية الرغبة الاسرائيلية. واليوم يعود المشهد نفسه إلى الواجهة. فنتنياهو الارهابي الصهيوني قالها علناً، إن أبو مازن لم يعد شريكاً في عملية السلام، وهذا ضوء أخضر لكل الأطراف الحاقدة على الرئيس أبو مازن دولياً وإقليمياً وعربياً وفلسطينياً أن يستلَّ الجميع سيوفهم وخناجرهم للتخلُّص من هذا القائد الذي أحسن قيادة شعبه أحسن قيادة رغم الأمواج المتلاطمة في بحر العداء، والأحقاد والإصرار على تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء مسيرة العمل الوطني الفلسطيني، والدخول في مشاريع إقليمية من صناعة أميركية هدفها تقويض الثوابت الوطنية، وتكريس المشروع الصهيوني في المنطقة. الذين خوَّنوا سابقاً الرمز ياسر عرفات هم أنفسهم اليوم يخوِّنون الرئيس أبو مازن، من أجل قتله جسدياً أو سياسياً، لإنهاء عصر الوطنية الفلسطينية الذي حمل لواءه الرئيس أبو مازن الثابت على الثوابت الوطنية.