تعيش مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أصعب مراحل ظروف الحرب الدائرة هناك ، ومخيما اليرموك وخان الشيح هما الأبرز حالياً، في بوتقة انصهار العدم، التي فـُصـِّلَت بإراداتٍ دولية وإقليمية، كون المتقاتلين من طرفي الصراع السوري يتبعان سياسة الأرض المحروقة لإنهاء بعضهما، ضمن تحقيق أهدافٍ ، يختلف كل منهما في تحقيقها وكلٌّ على حدة، وأيضاً حسب المسارات الدولية الجديدة التي يبدو أنها تضع رتوشاً نهائية ً في خارطة طريق جديدة لا يـُحمد عقباها، إن استمرت في انجرارالأمور أكثر فأكثر، نحو تقسيم ديمغرافي، تتوطـَّدُ خطواته ميدانياً على الأرض السورية، وفي خضم صراعٍ  يتنامى مع انتهاء مدة اتفاقية سايكس بيكو ، لترتسم حدود حديثة فوق أرض الوطن العربي الممزق سلفاً، ووفق اتفاقيةٍ جديدة تتسع لزيادة أعضاءٍ جدد للدول ومنها أمريكا، وروسيا بتوسيع الصلاحيات الاستعمارية  (للوطن العربي).
إن ما يجري في معظم المخيمات  ومخيم اليرموك ، هو استكمال لتدمير أساسات البنية الديمغرافية التي ستشكل حاضنا ً فيما بعد وفيما لو عاد إليه سكانه اللاجئون الفلسطينيون، كما كان يـُصـَرّح به من قبل المعنيون بالمخيمات الفلسطينية، كالأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وهاهي مجموعات داعش تحرق البيوت والمحلات التجارية العريقة في وسط المخيم بحرائق ضخمة وبواسطة القنابل والمولوتوف، وكذلك تستهدف القيادة العامة وحلفاء الحكومة السورية المتمركزة في أول المخيم، تجمعات داعش في المخيم بقصفٍ مدفعي لتكمل حرق ما تبقى من المخيم، وبجملة هجومها على المعارضة السورية، وتعود جبهة النصرة لتمتد بارتدادٍ ميدانيٍّ وعسكريٍّ، باشتباكات ٍ وقنابل ، لتحرق المحروق وكأنها طلقة الرحمة على جثة المخيم الهامدة.
ويبقى فتات المحاصرين العالقين ضمن مناطق الاشتباكات، والذين لا يطالهم الموت، فالموت يستعصي عليهم لأن موتهم بات أقسى أمام عيون أطفالهم الجياع ، حيث العجز نال منهم ما نال، تحت إجبارهم على عدم التحرك بسبب الاشتباكات والقنص اللئيم والذي لم يرحم أجساد الأطفال هناك في الآونة الأخيرة.
ونعلم أن المعارضة المسلحة من داعش والنصرة قد احتدم بينهما الصراع مجدداً في مخيم اليرموك، منذ مطلع شهر نيسان 2016، بالرغم من مهاودة الأخيرة في دخول داعش للمخيم في نيسان 2015، وهي مصرة أي المعارضة على عدم احترام كل المناشدات الدولية والانسانية، من أجل حماية السكان - في المخيمات المستهدفة - وقت النزاعات المسلحة حسب الاتفاقيات المختصة بهذا الشأن، لأنها مجموعات لا تعرف إلا سفك الدماء من أجل تمرير مخططات دولهم التي تحركهم وتستأجرهم وفق أجنداتها الاستعمارية.
كما يتم تغييب مخيم خان الشيح القريب من حدود فلسطين، والواقع في غرب ريف دمشق، وما يجري فيه، عن الإعلام والقنوات الفضائية، ولقد حذرنا مسبقاً من المصير القادم على هذا المخيم، فهو يتعرض لهجماتٍ شديدة من القصف العنيف من قبل الجيش السوري النظامي والذي يستهدف تجمعات الجيش الحر حسب التصريحات الرسمية، لكن ذلك لم يشفع لتجمعات اللاجئين الفلسطينيين هناك، والذين خنقهم الحصار، ولاحقهم الدمار، حيث بلغ عددهم قرابة العشرة آلاف فلسطيني، وقد تم تهجيرعدد منهم منذ بداية الأزمة السورية، كما تظهر أزمة تأمين المواد الأساسية الغذائية والدوائية بسبب قطع الطريق الوحيدة التي كانت تربط المخيم بالعاصمة دمشق، مما ينذر بكارثة يرموك جديد.
وتمتد وتتفاقم الأوضاع المعيشية والانسانية لتطال مخيم خان دنون ومخيم درعا والسبينة ، بعد اليرموك وخان الشيح، وهي انعكاس للأوضاع في سوريا عموما فمثلاً مادة الخبز بلغت أسوأ أحوالها من ناحية الجودة، والتي يلهث خلفها اللاجئون الفلسطينيون في طوابير يومية متعبة كما يحصل حالياً في مخيم خان دنون ، بالإضافة إلى انقطاع مادة الغاز والكهرباء ساعات تتعدى نصف النهار لتصل حوالي 16 ساعة.
وأمام هذه المشهد المريع للاجئين الفلسطينيين في سوريا ، أشاد المفوض العام للأونروا "بييركرينبول بالتحسينات التي طرأت على صعيد تسهيل سبل الوصول الإنساني من قبل الحكومة السورية، لبعض مجتمعات لاجئي فلسطين. كما دعا إلى اتخاذ إجراءات من أجل تعزيز حماية لاجئي فلسطين ومن أجل تمكين الأونروا من الوصول إلى أولئك الذين هم في حاجة للمساعدة. وقد تشجع المفوض العام بالمؤشرات التي حصل عليها بأن سبل الوصول إلى خان الشيح وقدسية ستصبح ممكنة.وأكد السيد كرينبول أيضاً على أن "الأونروا لا تزال مصممة على استئناف عمليات التوزيع المباشر داخل اليرموك عندما تسمح الظروف بذلك. وفي غضون هذا الوقت، فإنه من الأهمية بمكان أن نكون قادرين على مواصلة تقديم الدعم المنقذ للحياة للاجئي فلسطين من اليرموك والضواحي المجاورة له"..
هذه التصريحات التي يعتبرها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا لا مسؤولة، فماذا يعني أن تتحدد مواقفهم بالتمني ودعوات الأطراف المتصارعة دونما إلزام بقراراتٍ دولية، أو حتى دعواتهم بالحل حالما تسمح الظروف، لماذا لا يتم تدويل قضية اللاجئين ومناشدة الاونروا المسؤول عن لاجئي فلسطين وعملها بشكلٍ جاد، وأن تعمل بشكل سريع على المناصرة من أجل سلامتهم وحمايتهم، إلى جانب صيانة حقوقهم وكرامتهم كما صرحت على لسان مفوضها، ومن أجل إلزام قادة الدول المتناحرة على قصعة الوطن العربي، بالضغط على الدمى المتحركة على الرقعة العربية من أجل تحييد اللاجئين الفلسطينيين، أم هي الفرصة السانحة لقتل الشاة ثم سلخها.
إن خطوات تقسيم النفوذ التي تجري على قدم وساق في الدول الإقليمية والدولية، ستكون بداية النهاية لقضية اللاجئين، خاصةً في ظل الانقسام الفلسطيني الذي يضعف شكيمة الفلسطينيين، وفي ظل استشراس حركة حماس المتأسلمة وتماديها في كشف خلفيتها الأخونجية  المأجورة ،والمتبرئة  من الوطنية الفلسطينية، ومن العهود المقدسية من أجل تحريرها، ضمن الممارسات الأخيرة من قبلها وتصريحاتها الواضحة  ضد المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، تلك الخلفية التي تمعن قي قصم ظهر القضية الفلسطينية، فكل الشعب الفلسطيني واحد على امتداد الجغرافيا في العالم، وكل الخيوط  تؤدي إلى حياكة جديلة حبل المشنقة للفلسطيني الوحيد دون أي بعدٍ عربي أو إسلامي،  لذلك على الشعب الفلسطيني واللاجئين منهم أيضاً، أن يصحوا من سباتهم ويقولوا كلمتهم الفصل حول من يقودهم وأن يتخلوا عن من ينظـِّر باسم الإله أنه الحق والمقاومة، وأن يعلنوا ثورتهم الهادرة ضد كل الأجندات والأيدي العابثة بمستقبل فلسطين، من أجل تحقيق العودة إلى فلسطين وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، خوفاً من أن يكونوا ممن يعضون الأصابع بعد جفاف الصحف ورفع الأقلام.