خاص مجلة "القدس" العدد 326 تحقيق: مـحمد مطاوع

طُلّاب الإعلام في لبنان وخرِّيجوه من أبناء شعبِنا اختاروا مهنَة المتاعب... فكيفَ إن كانت هذه المهنة واحدةً منَ المَهَن الممنوعة على الفلسطيني في لبنان؟ وكيفَ إن كانت مهنة الإعلام بشكلٍ عام تُعاني منَ المحسوبيّات وأزمات مالية تعجُّ بها المؤسّسات الإعلامية؟

وفي حين اختار بعض الطلاب والخرِّيجين، ومنهم غير الموهوبين، الإعلام كتخصُّص، للخروج عن المألوف، أو لأنهُ تخصُّصٌ أدبي لا يحتاج لدراسة، وربما "يجلبُ الشهرة!"، فإن بعض الخريجين انصرفوا عن مزاولة المهنة قبلَ أن يصطدموا بالصعوبات، فاستسلموا في بداية الطريق، وهؤلاء مهنةُ الإعلام قد تستثنيهم، فهي مهنة الموهوبين وحاملي الهَم والشغف سواء أبقوا في كواليس العمل الإعلامي أم اكتسبوا صيتاً بينَ الناس في ظل تنوُّع مجالات الإعلام.

وفي هذا السياق التقت مجلة "القدس" اثنين من طلاب الإعلام الفلسطينيين في لبنان، وثلاثةً منَ الخرِّيجين الذين رووا قصص نجاح يُحتذَى بها.

الطلاب وفرص العمل

تتحدَّث طالبة الإعلام ت.ع. من مخيم الرشيدية عن حقوق الفلسطينيين المهدورة، وعن منعهم من مزاولة أكثر من 72 مهنة منها الإعلام. وتقول: "حينَ أتخرَّج من قسم الإعلام سأُسافر بحثاً عن بلدٍ يُمكِّنُني من مزاولة المهنة. وإن بقيتُ في لبنان سأُقارع من أجل الحصول على حقوقنا... فكيفَ نعمل هنا، ونحنُ ممنوعون؟!".

أمَّا ن.س. من مخيم عين الحلوة، فتقول إنَّها اختارت دراسةَ الإعلام لأنَّها تُريد صقل موهبتها، وهي لن تستلم بعدَ التخرُّج لأنَّ "الشاطر يُثبت نفسه ولو تَعِب". وهَمُّ الفلسطيني وأوضاعه في المخيمات سيبقى هاجسها كصحافية.

ويتفق مَن التقيناهم من طلاب إعلام، أنَّ الواسطة إن تحكَّمت بفرص العمل، فهي لن تدوم، وأنَّ البقاء للأفضل.

شغف واختيار وإبحار عكس التيار

شغفُ طلاب الإعلام الذين التقيناهم، وجدناه أيضاً لدى الخرِّيجين الشباب، الصحافيين محمد لباني، ورويدا الصفدي، وبديع الهابط الّذينَ خرجوا من مخيمات فلسطينية إلى الجامعات اللبنانية، وتخصّصوا وعملوا في الإعلام. وقصُّوا لمجلة "القدس" عن قصص نجاحهم التي وإن كانت بسيطة بعينِ البعض، فإنها قد تُشكِّل حافزاً للطلاب والخرِّيجين الجُدُد في لبنان.

لُباني... بينَ الكواليس والظهور

الخبرة والتخصُّص معاً

قبلَ عشرِ سنوات، اختارَ محمد لُباني دراسةَ الإعلام، عكس أبناء جيله من الشباب الفلسطيني في حينها، حيثُ كان التوجُّه لدراسةِ التخصُّصات العلمية. ثمَّ أُتيحَت لِمُحمَّد فرصة لم يكن يتوقعها، وهي العمل في قناة "العربية" كُمعِدِّ برامج وهوَ في السنة الثانية في الجامعة، ليتدرَّج في عمله ويصبح مراسلاً رياضياً. ويقول: "من الصعب على خرِّيج الإعلام الفلسطيني في لبنان، أن يبرز على إحدى الشاشات اللبنانية، التي تُعاني من التحزيب والطائفية، فيبقى مكان الإعلامي الفلسطيني في الكواليس، بينَ الإعداد والانتاج. وعن نفسي، فقد توجهتُ لقناةٍ عربية غير محلية، وحظيتُ بفرصة الظهور على شاشتها."

يُضيفُ محمَّد أنهُ اختارَ الإعلام الرياضي، باعتباره يُحب الرياضة، لِذا ينصحَ خرِّيجي وطلاب الإعلام الفلسطينيين، بالتوجه لكافة مجالات الإعلام وألّا ينحصروا بالسياسَة.

وعن بدايته المهنية، بالتزامُن مع دراسته، يرى أنَّ الخبرة ضرورية، لكنها لا تلغي أهمية الشهادة الجامعية، فهناك وسائل إعلامية لا تقبَل إلا خرِّيجي القِسم.

ويرى لُباني في وجود قنوات تلفزيونية فلسطينية في لبنان فرصةً أتَت لخرِّيجي الإعلام الفلسطينيين على طبقٍ من ذهَب، مُتمنّياً ألّا تغرق هذه القنوات بانتماءاتٍ حزبية، وأن تُتيح الفرصة للموهوبين.

رويدا الصفدي: أينما كنتُ... أنا من فلسطين الـمُحتلَّة

تعملُ رويدا الصفدي حالياً مُراسلةً في برنامج أخبار الصباح عبرَ شاشة تلفزيون المستقبل، وتحرص على تكريس صورة متوازنة عن اللاجئ الفلسطيني في لبنان، من خلال تغطية أخبار المخيمات الفلسطينية وأوضاع اللاجئين، والإضاءة على الجوانب الايجابية من حياتهم من احتفالات وفعاليات ثقافية، باعتباره شعباً مكافحاً ومحبًّاً للحياة.

تبدأ رويدا بقصِّ تجربتها، منذُ كانت طالبة في مدارس الأونروا، حيثُ كانت تعشق الإعلام، إلى أن قرأت نصَّاً باللغة العربية أمامَ الطلاب، فقالت لها الـمُدرِّسة في حينها: "أرى أمامي مذيعة أخبار". فزادَ إصرارها على التخصُّص بالإعلام، إلى أن وصلت إلى المرحلة الجامعية، واختارتهُ، على الرغم من مُعارضة الأهل... "فهي فلسطينية، ولن تجدَ فرصة عمل في لبنان!".

تقولُ رويدا: "لم أُفكِّر بالتخلِّي عن حلمي بسبب جنسيتي بل على العكس تماماً، تمسّكتُ بما أُريد خصوصاً أني من بلدٍ يحملُ قضيَّة." وتُضيفُ "نحن نعلم أنه هناك الكثير من المهن التي لا يُسمَح للفلسطيني مزاولتها، لكن هذا لا يعني أنهُ علينا أن ندفعَ ضريبَة لجوئنا بالتخلّي عمّا نُحب أن نكون عليه في المستقبل! مَن يريد أن يدرس الطب فليدرس، ومن يريد أن يكون محاميّاً لِمَ لا؟! ومَن يريد أن يكون إعلامياً فمجالات الإعلام كثيرة".

وتختم رويدا: "نحنُ فدائيون نُناضلُ لاسترجاع وطننا الذي سُلِب منا وكلٌّ منا يكافح على طريقته... وأنا أينما حللتُ، وفي أي مكان سأصل إليه في مهنتي، سأبقى أقول دوماً: أنا من فلسطين الـمُحتلَّة وفخورة بانتمائي".

بديع الهابط وبطاقةُ الصحافي الفلسطيني

عن الفارق بينَ أن تكون صحافياً فلسطينياً في لبنان، أو في بلدك الأُم فلسطين، يقول الصحافي بديع الهابط: "لو كنتُ في فلسطين كنتُ على الأقل أحملُ بطاقة صحفي من وزارة الإعلام، ولَدَي نقابة تُدافع عني وتحميني. كما كنتُ أستطيع التدرُّج في الوظيفة طبقاً لامكانياتي، وأن أحصل على الضمان الصحي وتعويض نهاية الخدمة، وقبلَ كل شيء أحظى بشرف مقارعة الاحتلال الإسرائيلي بالكاميرا والقلَم."

بديع الذي يُعرِّف عن نفسه بالقول: "أنا لاجئ فلسطيني من قرية كويكات قضاء عكا، الأجمل من كل عواصم العالم"، يتحدّث عن تجربته بالتخصُّص في الإعلام، فيقول: "اخترتُ الإعلام ايماناً مني بأنهُ أكثر من مهنة، هوَ رسالة أردتُ من خلالِها نقل الصورة الحقيقية لأُمتنا العربية وشعبنا الفلسطيني، والتي يُراد تشويهها وتزوير تاريخها وهويتها الثقافية". ويُضيف: "صادفَ اختياري للإعلام مع أحداث الانتفاضة الثانية والتعتيم الإعلامي الذي فرضَتهُ إدارة بوش على حصار الرئيس الرمز ياسر عرفات في المقاطعة، ومن هنا بدأَ إصراري".

ويؤكِّد: "لم يكن قراري بدراسة الإعلام مُغامرةً لأنني أردتُ اثبات الذات، وعدم الاستسلام لمحاولة كسر إرادة الشاب الفلسطيني بمنعه من العمل أو فرض ما لا يُريد عليه".

ويقول الهابط: "الإعلامي الفلسطيني في لبنان يُمكنهُ الاندماج في الجو الإعلامي اللبناني، وهذا ليس بجديد، فقد أثبتَ الفلسطيني ذلك منذُ زمن، وليسَ ناجي العلي وتجربته الغنية في صحيفة السفير ببعيدة، وغيره العشرات من الإعلاميين حتى خارج لبنان".

التحدّيات وتدريب الكوادر

يتوزع طلابُ الإعلام الفلسطينيون على الجامعات اللبنانية الخاصة وأبرزها: (بيروت العربية، واللبنانية الدولية، وجامعة الجنان،...). البعضُ منهُم يعملُ بعدَ التخرُّج باختصاصات بعيدة من الإعلام، والبعض يتّجه لإعلام التصوير والمونتاج، وآخرون كمحرّرين في مواقع الكترونية، وقسم منهم في الإعلام الحركي. ويتّجه البعض إلى التلفزيون، فيتصيَّدون فرصاً ذهبية في قنوات فلسطينية في لبنان، وأُخرى تضطرُّهم للسفر خارجاً، ولكن الفرص في وسائل الإعلام اللبنانية تبقى نادرة جداً.

ومن هذا المنطلق، عرضَت العديد من أوراق العمل التي أعدّها إعلاميون فلسطينيون لواقع الإعلام الفلسطيني في لبنان والتحدّيات التي تواجهه، وعلى رأسها رفع مستوى التدريب الإعلامي لدى الشباب والشابات منَ الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان، ودعم الطلاب الذين يدرسونَ الإعلام، وتشجيع الانفتاح والتواصل مع وسائل الإعلام.

من جهته شدَّدَ نقيب الصحفيين الفلسطينيين السابق د.عبدالناصر النجّار على أهمية التدريب لصقل مهارات خرِّيجي الإعلام، لما يواجهونه من عقبات تحول دونَ انخراطهم في سوق العمل الإعلامي، مُعلّلاً ذلك بقلة الخبرة. وأعربَ النجَّار عن أمله بتأسيس مركز وطني لتدريب الخرِّيجين الإعلاميين القادرين على الانخراط في سوق العمل الإعلامي. (مركز تدريبي في فلسطين.. هل تُطرَح فكرة موازية لذلك في لبنان؟).

نواةُ الإعلام الفلسطيني

بين قصصِ النجاح والمثابرة، لا بُدَّ من تسليط الضوء على صورة "الإعلام الفلسطيني في لبنان" وتحدياته وأهميته، مع ضرورة أن تُفتَح أبواب القانون والمؤسّسات في لبنان للفلسطيني لا لتقول لهُ: "أهلاً وسهلاً"، بل على الأقل لئلا يُمنَع من ممارسة حقوقه ومهنته وشغفه. فأي إعلامي فلسطيني هوَ نواة كلمَة (لا) بوجهِ الإسرائيلي وبوجه الفتنة، هوَ الرافض للكره والاستسلام وهوَ الابداع. وهوَ شقيق الإعلامي اللبناني والعربي، وينفتح على الجميع من أجلِ قولِ الحقيقة. وسواء أكانوا مصوّرين ومخرجين ومذيعين وكُتّاباً مستقلين أو منخرطين بالعمل الحزبي أو عاملين في مؤسسات إعلامية لبنانية وعربية، أو طلاباً وخرِّيجي قسمٍ أو من غير الـمُتخصّصين، فإن الإعلاميين الفلسطينيين الشباب هم نواةٌ لمستقبل إعلامي جديد للفلسطينيين.