بسم الله الرحمن الرحيم

( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ). صدق الله العظيم.

يصادف اليوم 20/05/2016 الذكرى السنوية التاسعة لبدء الترجمة العملية لخطة تدمير مخيم نهر البارد، حيث تم التواطؤ الدولي والاقليمي .ففي هذا اليوم 20/05/2007 ، يوم الأحد صباحا ً قامت مجموعة تنتمي إلى مجموعات " فتح الاسلام" باقتحام موقع الجيش اللبناني على مدخلي المخيم الشمالي والشرقي، وقتل عدد من الجنود والتبشيع بأجسادهم ، وهذا ما أدى الى انفجار الوضع وبدء المعركة، لأن المجزرة شكَّلت اعلانَ حرب على الجيش . تواصل إطلاق القذائف والرصاص من جانب مجموعات " فتح الاسلام" التي تمترست داخل المخيم ، والجيش الذي أخد مواقعه حول المخيم وعلى مداخله .

وهكذا بدأت معركة السيطرة على مخيم نهر البارد، وقد تواصلت الاشتباكات ولم يكن بإمكان الاهالي التنقل بين القذائف والرصاص، وسقط حوالي اربعين شهيداً من اهالي المخيم وعشرات الجرحى . كما ان الجيش اللبناني خسر حوالي مئة وستين شهيدا ً .

إنَّ ما حدث من مأساة تمت بسابق تصميم وتخطيط من إجل إقامة إمارة في منطقة الشمال مركزها مخيم نهر البارد ، وهذا ما بات يشكل تهديدا ً خطيرا ً للقوى السياسية الفلسطينية لأن منظمة التحرير الفلسطينية كانت هي المستهدف الاول .

وبعد مرور تسعة أعوام فأننا نشير الى بعض الحقائق التي نستقيها من مجريات الاحداث والتي لم تنته حتى الان :

أولاً : إن المؤامرة التي قادتها مجموعات فتح الاسلام واستهداف السيطرة على مخيم نهر البارد في شمال لبنان، جاءت في إطار مخطط أوسع وأشمل يرمي الى تثبيث وجود تنظيم القاعدة في منطقة الشمال ، وايجاد البيئة الخاضنة لهذا الوجود ولا شك ان وعي قيادة الجيش اللبناني  لهذه المخاطر ، وكذلك وعي الفصائل الفلسطينية هو الذي فرض على الجانبين معالجة هذا الحدث الخطير بقوة وحسم .

ثانيا ً : إنَّ القوة العسكرية من إطار فصائل م.ت.ف والفصائل التي بقيت داخل المخيم ولم تنسحب ، اختارت مربعا ً خاصا ً بها وعملت على حمايته رغم القصف الشديد الذي تعرَّض له ،لكن القيادة المكلفة آنذاك رفضت الانسحاب، وابلغت قيادة الجيش بأنها مستعدة لأخذ دورها ضمن الخطة العسكرية لحماية المخيم ،الاَّ انَّ قيادة الجيش لم توافق على أي دور عسكري للفصائل حتى إنهاء المعركة .

ثالثا ً : لقد كان واضحا ً للجميع بأن هذه المجموعات المسلَّحة والمدَّربة تدريبا ً جيدا ً لم تأت للتعايش مع المجتمع القائم ، وانما جاءت لتغير الواقع في لبنان، وبناء قواعد ارتكازية في منطقة عكار، والضنية، وطرابلس بشكل عام، والهيمنة الكلية على اهالي مخيم نهر البارد وعددهم حوالي 35000 فلسطينياً واخضاعهم لسيطرة هذه المجموعات المتطرفة ، ثم خوض معركة  مذهبية على إمتداد الساحة اللبنانية، وتحويل المخيمات إلى مناطق تنطلق منها العمليات الارهابية،  وبالتالي تحويلها الى ارض محروقه.

رابعا ً إن َ تجربة مخيم نهر البارد كانت مدبَّرة ، وبعض القوى تعاطفت مع " مجموعات فتح الاسلام" من الناحية الدينية أدركوا متأخرين مخاطر المشروع الذي يتم تنفيذه ، وتخلَّى الجميع عن هذه المجموعات المتطرفة .

خامساً:إنَّ جريمة نهر البارد التي أرادوها حرباً على المخيم وعلى الجيش اللبناني، هدفت أيضاً إلى إثارة الفتنة بين اللبناني والفلسطيني ، فعندما يسقط الشهداء من الجيش اللبناني دفاعاً عن المخيم ، تقوم جماعات الطابور الخامس بتحريض اللبنانيين ضد الفلسطينيين وتوجيه التهم المختلفة ، ولولا وجود العقلاء من الطرفين اللبناني والفلسطيني لحصلت مجازر بشعة لأن هناك أُسراً فلسطينية تسكن في القرى اللبنانية المجاورة.

وهذه الظاهرة نستند إليها اليوم حتى لا تتكرر نكبة نهر البارد في باقي المخيمات ، و حتى لا ندخل في أتون الصراعات بين المخيمات ومناطق الجوار اللبناني،وعندئذ تكون الطامة الكبرى.

سادساً: إنَّ التوصل إلى أًخْذِ قرارٍ بإعادة إعمار مخيم نهر البارد في مكانه لم تكن سهلة،وانما تضمَّنت  تعقيدات وعقبات هائلة. وحتى بعد أن بدأت عملية إعادة  الإعمار فإن الدول التي أعطت وعوداً في مؤتمر فينا في 23/6/2008 بدفع (450مليون دولار لم تفِ بما وعدت به حتى الآن .وما تم إعماره حتى الآن لا يتجاوز 60% من مكوّنات المخيم .ولذلك فإنه لولا صمود واصرار أهالي مخيم نهر البارد على إعادة الإعمار ، واستجابة المخلصين لهذا المطلب لما تمت العملية ،لأن المخيم الذي يُدمَّر لا يُعاد إعماره في لبنان حسب التجارب السابقة.

سابعاً: إنَّ قسماً من أهالي مخيم نهر البارد حتى الآن لم يعودوا إلى بيوتهم ، وقسمٌ آخر يسكن مرغماً في بركسات من حديد ولا تليق بالآدميين لأنها غير صحية ، وهناك من أستأجر بيتاً في المخيم الجديد، أو خارج المخيم والايجار يصل إلى ثلاثماية دولار. والانروا  تدفع له مئة وخمسين دولاراً فقط وعليه هو تأمين ما تبقى . فكيف عندما لا يجدُ عملاً ،ولا مالاً ، والبطالة تقترب أحياناً من 40%.

لقد كانت لرعاية الانروا لأهالي نهر البارد ، رعاية كاملة من ناحية العلاج الصحي أي 100%100 ، ولكن منذ حوالي سنة توقفت الرعاية الكاملة، وأصبحت كباقي اللاجئين.

ثامناً: إنَّ أصوات العديد من الشرائح من أهالي البارد مازالت ترفع الصوت لأخذ حقوقها :فهناك فئة التجار الذين خسروا محلاتهم ومستودعاتهم،والجميع يعرف أن مخيم نهر البارد كان مشهوراً بسوقه الإقتصادية،وهناك أيضا الأبنية والبيوت التي أُصيبت أثناء المعارك في المخيم الجديد وهي غير التابعة للأنروا،وهي تحتاج إلى ترميم ،وأصحابها ينتظرون الجهات المانحة.

إنَّ ذكرى نكبة نهر البارد التاسعة تطرقُ أبوابنا، واسماعَنا جميعاً لتؤكد لنا أهمية اتخاذ الخطوات الجريئة والمسؤولة من أجل إعطاء الأولوية لأمن مخيماتنا ، والتصدي لأي محاولة عدوانية هدفها إغتيال الانسان ، وتدمير أمن المخيمات ، فالمطلوب اليوم في لبنان تجسيد الوحدة الوطنية الواضحة، وتفعيل القوات الأمنية المشتركة للقضاء على الفتنة في مهدها.

نحن على ثقة بأن شعبنا الفلسطيني في لبنان يمتلك من الوعي الوطني والسياسي ،والحرص على قضيته ومخيمه باعتباره القلعة الوطنية الصامدة بوجه مؤامرات التوطين،ومحاولات نسف حق العودة إستناداً إلى القرار 194.

ونحن نستذكر التاريخ المؤلم لنكبة أهلنا في مخيم نهر البارد فإننا لا ننسى المواكبة الحثيثة والمسؤولة من الرئيس ابو مازن لكافة القضايا، والاحتياجات، وخاصة ما تبرَّع به أهلنا والموظفون لأهالي نهر البارد وهو قرابة ستة ملايين ونصف المليون دولار.ولا ننسى دوره المميَّز  على المستوى الإقليمي والدولي والمحلي ،وايجاد حلول لكل الإشكاليات التي كانت تعترضنا.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار. والتحية لشهداء مخيم نهر البارد من الجيش والأهالي.

التحية إلى أبطالنا الأسرى الصامدين في معتقلاتهم يواجهون الجلاد بالارادة الوطنية،والقلوب المؤمنة بالنصر والحرية.

وانها لثورة حتى النصر

حركة فتح – إقليم لبنان

20/5/2016