يثار بين الحين والآخر عند النخب السياسية قراءات تجافي الحقيقة، ويشوبها الالتباس وعدم الدقة خاصة فيما يتعلق بركائز القرار الاسرائيلي, حتى ليبدو للمستمع وكأن القرار في إسرائيل، له سمات خاصة تختلف عن السمات العامة لمراكز القرار في دول العالم. مما لا شك فيه، ان قيام إسرائيل على انقاض الشعب الفلسطيني عام 1948 وفقا لمبدأ النفي والاحلال، على قاعدة طرد السكان الاصليين ثم إحلال الغزاة المستعمرين بدعم من دول الغرب الرأسمالي، ألقى بظلاله على محددات القرار في الدولة الطارئة، حيث لم يكن القرار آنذاك مستقلا تماما، بل كان خاضعا نسبيا للقوى الرأسمالية، التي لعبت دورا مركزيا في إقامة إسرائيل، وتأمين مقومات إستمرارها كنقطة إرتكاز في العالم العربي لتأمين مصالح الغرب عموما، وفي التخلص من عبء المسألة اليهودية في دول اوروبا. بتعبير آخر، كانت إسرائيل في دائرة المحوطة والتبعية لمركز القرار الرأسمالي. لكن بعد حرب حزيران عام 1967، انتقلت لمرحلة جديدة في تطورها، فأمست الشريك التابع.

مع ذلك، القرار في إسرائيل حكمته المصالح السياسية الاستراتيجية للحركة الصهيونية. لكن السياسة كما في كل الدول، لا تعمل بمعزل عن العوامل العسكرية والاقتصادية والثقافية والدينية. حيث تتكامل العوامل الخمسة لتحقيق الاهداف التكتيكية والاستراتيجية لاسرائيل ومن يقف خلفها. ولا تقتصر حدود القرار عند حدود السياسة والاقتصاد او كما يقول لينين: السياسة اقتصاد مكثف". هذا من حيث المبدأ صحيح، ولكن السياسة ايضا ثقافة، بتعبير آخر، ان دولة من الدول تستطيع تأمين مصالحها الحيوية بمدى اختراقها العقول واساليب الحياة في الدول المستهدفة. كما ان الحرب شكل آخر من اشكال السياسة، وفي إسرائيل لعب العامل الديني دورا مهما في عملية التضليل والخداع لاقامة المشروع الكولونيالي الصهيوني على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ولعل استحضار مقولة "ارض الميعاد" وغيرها من الشعارات الدينية لخير دليل على ذلك. كما ان القوى الدينية (الحريديم) تلعب الان دورا مهما في الاستعمار الاستيطاني في اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وتؤثر في صناعة القرار السياسي.

لكن لا يمكن القول، ان الامن يصبح في لحظة سياسية بعينها محددا للقرار في إسرائيل او في اي دولة من العالم. لأن الامن اولا وثانيا .. وعاشرا يعمل في خدمة الاهداف السياسية، وقرار الحرب والسلام، تحدده القوى الممسكة بمقاليد الامور. بالتأكيد الامن يؤثر في صناعة القرار، وينمحه القوة او العكس. ولكنه لا يمكن ان يكون عاملا حاسما في صناعة القرار, لأن السياسة والاقتصاد والثقافة والحرب, بالاضافة لعامل الدين، جميعها عوامل تعمل في خدمة القوة الحاكمة ايا كانت خلفيتها الفكرية السياسية.

نعم, الحرب في فكر القيادة الاستعمارية الاسرائيلية، مَّثل رافعة مهمة للقرار السياسي الاسرائيلي. وما زال عامل بناء وتعزيز القوة العسكرية الاسرائيلية، يمثل هاجسا دائما في اوساط القيادات السياسية المختلفة وبالقدر نفسه لحليف إسرائيل الاستراتيجي، الولايات المتحدة الاميركية، كي تبقى لها اليد الطولى في المنطقة، ليس فقط لردع الشعب الفلسطيني وقواه السياسية او اي دولة تفكر في رد الاعتبار لذاتها ومصالحها، وانما لتحقيق الاهداف الاستعمارية، التي ما زالت قيد التنفيذ وفق التطورات السياسية في دول المنطقة. لكن دور الحرب والمؤسسة الامنية، في مطلق الاحوال أسير العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، التي عادت تستحوذ على حيز كبير ومهم في الحياة السياسية الاسرائيلية.

إذاً ركائز القرار السياسي في إسرائيل، هي السياسة والاقتصاد والثقافة والحرب والدين. هذه العوامل الخمسة تتكامل في خدمة اصحاب المشروع الاستعماري الصهيوني. وكل عامل منها له حيزه الضروري في صناعة القرار.