بقلم اللواء سلطان ابو العينين

في غزة، حكايات وحكايات، لا دفء في شتائها، ولا برودة في صيفها، وفيها الناس يعيشون ليلهم بالظلمات، يمارسون حياتهم في العتمة، ينامون فيها، يأكلون في العتمة، يشربون فيها، يمارسون الحب والتناسل والتكاثر، وملذاتهم بكل اشكالها في العتمة، ويلدون اطفالا جميلين، وشقر لأن الجمال يرتسم خلسة في سواد الليل.

في غزة، وبسبب كثرة مصادر التيار الكهربائي "المتبرع بها" قرر التيار أن يتوقف على الحدود مع دولة الاحتلال، وعلى الحدود مع مصر، دولارات الدوحة لم تحرك ذلك التيار الملعون، الغزيون تأقلموا مع غيابه، وعيونهم ألفت العتمة، وباتوا "مخلوقات ليلية" مستأنسة بما اراد لها القدر المعتم.

في غزة أيضا، فاتورة الكهرباء تفوق الـ150 دولاراً شهرياً بدل تيار لا يتجاوز الـ 4- 6 ساعات يومياً، تدفع للآباء الشرعيين او غير الشرعيين، فوالد غزة وعشيقها المتنافرون في كل شيء، اتفقوا على أن يدفع ابناء غزة ثمن الكهرباء حتى وان لم تصلهم، فرام الله تدفع لاسرائيل ثمن وقود لتشغيل محطة التوليد، ورام الله ايضاً تأخذ من موظفي غزة بدل استهلاك كهرباء نحو 40 دولاراً شهرياً، وحماس تأخذ من العباد في غزة ثمن التيار الكهربائي كاملاً، وتحت وطأة القوة، وشركات الكهرباء تنهش ما تطاله ايديها من تلك الفواتير بحجة مستحقات سابقة.

وبالمحصلة "ثالوث" من الايدي الممدودة في جيوب اهل غزة المخروقة أصلاً، ليدفعوا فواتيرهم مرة واثنتين وثلاث، في الوقت الذي لا تشملهم الترقيات الادارية للسلطة وتتآكل فيها رواتب العاملين أمام ارتفاع الاسعار وابتكارات الضرائب.

قطر تقول ان تيارها تبرُع وتقصد منه وجه الله الكريم، وحماس تنفّذ حد الله وتأخذ ثمن ذلك التيار بتفويض رباني، والسلطة أيضا تنفذ قانون رأسماليتها وتأخذ ثمن النور، انسجاماً مع اتفاقياتها مع اسرائيل، وأهل القطاع ينصاعون لأمر الله ويدفعون حتى لا ينطبق عليهم قوله تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم".

انقسام غزة ورام الله تجلّى وتغلغل في كل شيء، ولا وحدة إلا في الانقضاض على جيوب اهل غزة، نحن متفقون، وحدة الوطن الواحد تبدأ باتفاق ضمني على تحصيل ديون الكهرباء لصالح تلك الشركات ولصالح قيادات البلاد وولاة أمر العباد.

جباة غزة أيضا تلاميذ شيوخهم واساتذتهم، فقيمة الفاتورة تتناسب عكسياً مع موالاة المواطن لولاة الامر، فإن كنت من دائرة الامير وصلك التيار بالمجان، وان كنت ابعد قليلا دفعت نسبة محدودة، وان كان لونك السياسي مختلف دفعت الثمن أضعافا مضاعفة، على مبدأ قوله تعالى "وامرهم شورى بينهم".

الاتحاد الاوروبي متبرع كريم، والانوروا خادم عزيز، ومصر أيضاً تغض الطرف عن خط رفح، لصالح الانفاق، ورام الله تدفع عن أهل غزة 30 مليون شيقل شهرياً، وأهل غزة "الطماّعين" دائمون في شكواهم وتذمرهم، يريدون كل شيء بالمجان، ألا يكفيهم أن الموت والحصار والنصر والفقر والقهر والبطالة كلها بالمجان؟ أهل غزة انانيون، لماذا تنزعج السيدة العاملة المتزوجة من خصم فاتورة كهرباء والديها واهلها، الذين ربما يكونوا في مكان آخر من راتبها؟ ولماذا ينزعج الابن من خصم فاتورة عائلته الكبيرة من ذلك الراتب؟ أليس الاهل متضامنين ومتكافلين؟.

أموال الضرائب في غزة وفواتير الخدمات والخدمات الصحية لا أحد يعلم إن كانت تذهب إلى اولياء الله الصالحين، وأظنها تُصرَف للعاملين عليها، وفي سبيل الله، وللمؤلفة قلوبهم.

وختاماً لكم الله يا أهل القطاع، وتحمّلوا سلطاتنا بكرمكم، فأنتم أكبر وأكرم منهم، لا ضير لمن يأكل رغيف خبز في اليوم أن يأكل نصف رغيف، مقابل الوحدة، وكان الله في عونكم على مصابكم الجلل، ففاتورة الكهرباء لا تدفع ثلاث مرات إلا في بلاد "الواقواق"، أو لـحُماة الانفاق.

عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" اللواء سلطان ابو العينين