جاء في دراسة أعدها الباحث يوئيل غوجانسكي أن دول مجلس التعاون الخليجي مستقرة مقارنة بالدول العربية الأخرى، ولكن مع هذا، فإن الأنظمة السياسية والاقتصادية في هذه الدول تعيش حالة من الضغط الداخلي بسبب قيام جهات لا يستهان بها من المواطنين بتحدي النخبة الحاكمة.

وقال أيضا إن دولا مثل العربية السعودية، البحرين، قطر، الكويت وسلطنة عُمان مرت في تجارب من هذا القبيل، عندما قامت جهات معارضة بالاحتجاج، ولكن أغلب هذه التحركات لم تتمكن من استقطاب المؤيدين، وبقيت تُمثل جهات ضيقة من المواطنين، لافتا إلى أن الأنظمة الحاكمة في هذه الدول وعبر انتهاج إستراتيجيات بقاء داخلية وخارجية تمكنت من المحافظة على الاستقرار، على حد قوله.

ولاحظ الباحث أن تأثير العامل الديني في المنطقة ليس جديدا، ولكن تصرفات المشيخات والإمارات والمملكات في الآونة الأخيرة تقطع الشك باليقين بأنها تخشى جدا من التهديدات القادمة من اتجاه الإسلام السياسي، الذي بات يُشكل خطرا كبيرا على حكمهم، وأشار إلى المحاكمة التي جرت في الإمارات العربية المتحدة ضد خلية الإخوان المسلمين في مصر، والذين قاموا بتدريب عناصر محلية لقلب نظام الحكم، كما لفت إلى أن حل البرلمان الكويتي في شهر كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، جاء على خلفية سيطرة الإسلام السياسي عليه، هذا، خلافا لقطر، التي لا تُقاد من حركة الإخوان المسلمين، ولكنها تؤيد هذه الحركة من ناحية المبادئ، مشيرا إلى أن قطر تستضيف على أراضيها منذ الستينيات من القرن الماضي، الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يُعتبر السلطة العليا في حركة الإخوان المسلمين.

وشددت الدراسة، التي نشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، على أن إجراء مقارنة بين ما حدث في الدول العربية التي عمت فيها الاحتجاجات وتم قلب نظام الحكم فيها وبين الوضع في دول الخليج يعمل لصالح الحكام الخليجيين، الذين يقدرون على إقناع مواطنيهم بأنْ يُواصلوا الحفاظ على الاتفاق غير المكتوب بين الأنظمة وبينهم، وبحسبه، فإن النظام الحاكم يقوم بدعم جميع الخدمات، ومقابل ذلك يمتنع المواطنون عن المشاركة في أي عملية سياسية، ولكن الدراسة استدركت قائلة إنه إذا نجح نظام الحكم الجديد في كل من مصر وتونس في المستقبل القريب، فإن ذلك سيعود سلبا على أنظمة الحكم في الخليج، التي ستُتهم بأنها تُعارض الديمقراطية، كما أن هذه الدول وعدت بإجراء الكثير من الإصلاحات، ولكنها لم تُنفذ إلا النزر اليسير، وبالتالي، فإنه في المرة القادمة، تشير الدلائل، إلى أن التعهدات لن تكون كافية، وعندها يتحتم على نظم الحكم وضع خريطة طريق لتحقيق الإصلاحات السياسية، وليس الاكتفاء بذر الرماد في عيون المواطنين، على حد قول الباحث.

وبحسبه، فإن الخطر الأكبر الذي يُشكله الإسلام السياسي على أنظمة الحكم كامن في أنه يقترح طريقة أخرى وبديلة لمبنى الأنظمة الحاكمة الحالية، والتي بموجبها تمنح حرية سياسية إلى جانب شرعنة الدين، أي أن العلاقة الوطيدة التي يقترحها عن طريق التوازن بين الإسلام والدولة، يجعله متنافسا قويا للأنظمة الحاكمة، بكلمات أخرى، قال الباحث، إن المبدأ الديني في الإسلام السياسي، وبما أن حركات كثيرة نجحت في الوصول إلى سدة الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية شاركت فيها، كما جرى في تونس ومصر، فإنه عمليا يُشكل بديلا جماهيريا مقبولا على المواطنين. وزاد أنه على الرغم من أن الحكام الذين وصلوا إلى السلطة عبر الإسلام السياسي انتهجوا حتى الآن سياسة براغماتية، فإن هذا الأمر لا يعني بأي حالٍ من الأحوال، أنْ يستمروا في نفس السياسة، وبالتالي فإنه من المحتمل جدا أنْ توصل الدول الخليجية انتهاج نفس السياسة التي انتهجتها منذ بداية ما يُسمى بالربيع العربي في محاولة لكبح جماح الاحتجاجات، ومنع الجهات المعارضة من رفع رأسها، لتثبيت الأمن والاستقرار، وبموازاة ذلك، مواصلة التعاون والتنسيق والدعم للحركات الإسلامية في الدول العربية الأخرى، وعلى سبيل الذكر.

وأضافت الدراسة، أن السعودية تقوم بدعم مصر ماديا، وبموازاة ذلك تعمل على إبعاد الإخوان المسلمين مــن الائتلاف السوري المعارض، كما أنها تُقدــم المعونات للأردن، التي هـي الأخرى تقوم بمكافحــة حـركـة الإخـوان المسلمين على أراضيها.

مع ذلك، قال الباحث إن دعوة الإمارات العربية المتحدة دول الخليج إلى إعلان الحرب على حركة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي تقوم فيه قطر بعدم الحركة والحركات المرتبطة بها، تؤجج الصراعات بين هذه الدول، وتدفع إلى تصدعات في الموقف الموحد لهذه الدول من الأنظمة التي عارضت القذافي وتُعارض اليوم الرئيس السوري، د. بشار الأسد، وبرأي المحلل الإسرائيلي فإن خلافات من هذا القبيل ستؤدي بطبيعة الحال إلى صعوبة اتخاذ موقف موحد ضد العدو المشترك، وأكبر دليل على ذلك، الصعوبات التي تُواجهها أمريكا في تأسيس جبهة سنية موحدة، كما أنه على الرغم من الدعم العام التي قدمته دول الخليج للمعارضة السورية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي مختلفة في ما بينها مَن تدعم من أطياف المعارضة السورية، على حد قوله. وقال أيضا إن دول الخليج غير مرتاحة من نجاح الإخوان المسلمين، فالسعودية تُريد إسقاط الرئيس الأسد بهدف إضعاف إيران، ولكنها من الناحية الأخرى، تخشى من ارتفاع شعبية الإخوان في سورية، الأمر الذي قد يؤدي إلى سيطرة الإخوان على عدة دول عربية، وهو الأمر الذي ترفضه السعودية، نظرا للخلاف الجوهري بين الإخوان والوهابيين في السعودية، على حد قوله.

وأشارت الدراسة أيضا إلى أن الدول الخليجية قامت بخطوات استباقية لمنع الإسلام السياسي من التغلغل أكثر في الدول عن طريق الاعتقالات، والتدخل في الجهاز القضائي ومنع مؤسسات المجتمع المدني من العمل، ولكن الباحث الإسرائيلي يرجح أن هذه الخطوات لن تُسعف الأنظمة الحاكمة في الخليج، ذلك أن موجة الاحتجاجات التي عمت منطقة الشرق الأوسط لم تعط فقط لسكان هذه الدول أملا في إحداث التغييرات السياسية، بل أكثر من ذلك، الاحتجاجات في الوطن العربي جعلت من مهمة النخبة الحاكمة تصوير المعارضة بأنها عدو الشعب.

ورأى البحث أنه حتى ولو تمكنت الدول الخليجية من تشكيل جبهة موحدة ضد حركة الإخوان المسلمين، فإن هذا الأمر لا يمنح هذه الدول حصانة، ولن تتمكن من منع ازدياد شعبية الحركة في الدول الخليجية، وخلص إلى القول إنه في حال نجاح الأنظمة الإسلامية الحاكمة بتطوير البلاد العربية التي يحكمونها، فإنه عندها سيكون الأمر مغايرا جدا، بحيث سيكون البديل أمام السكان حذو حذو هذه الدول، لافتا إلى أنه من ناحية الأنظمة الحاكمة في الخليج، سيكون من الأفضل لها أنْ تتبنى ناظم الحكم الديمقراطي العلماني على نظام حكم يُسيطر عليه الإسلام السياسي، ذلك لأن تأثير الإسلام السياسي في نموذج من هذا القبيل سيكون ضئيلا للغاية، على حد تعبيره.