لا تتوقّف مهام الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بحـدود استهدافه القطاع النسوي فحسب، بل وباتت برامجه، بحكـم المشاركة في تحمُّـل المسؤوليات، تطال باقي قطاعات الشعب الفلسطيني وفي مقدّمهم الشرائح الفتيـة بهـدف مساندتهم في مواجهـة متطلبات الحياة خاصةً أن جملة من المعوقات في لبنان تحول دون تمكنهم من الحصول على فرص العمل، وتحرمهم الحياة الكريمة.
تشير منسّقة الاتحاد مع اليونيسف "نجاح عبـدو" إلى أن "الواقع الذي يفرض معوقات على الفئة الفتية، ولا سيما فئة الشباب، يدفع الاتحاد للتواصل مع العديد من جهات الدعـم والمهتمين بالشأن الفلسطيني وفي مقدّمهم منظمة الأمم المتحدة للطفولـة "اليونيسف"، لإقامة الدورات ذات الصلة كحال الدورات التدريبية التي ننظّمها حالياً في منطقتَي صيدا وصور وتستغرق شهـراً من الـزمـن، وتستهدف (94) متدرباً من الشبان والشابات الذين تتراوح أعمارهم مابين 18 و28  عاماً، وتتنوّع مؤهلاتهم ما بين طلاب ثانويات ومعاهـد مهنية وجامعيين بتخصصات متنوعة وخريجي جامعات، كما أن بينهم 18 متدرّباً من الفلسطينيين المهجّرين من سوريا".
وتضيف "هذه الدورات يقدّمها مدربون ذوو اختصاص، وتتضمن مواضيع عديدة ومنها على سبيل الذكـر (مهارة التواصل، والاستماع، وكيفية تأسيس المشروع الصغير، وفض النزاعات، ودفتر تسجيل القيود اليومية في المؤسسات التجارية...الخ) وتتواءم مواضيعها مع برامج رديفة للاتحاد ومنها "برامج القروض"، وذلك بهدف التمكين الاقتصادي من جهة، وتمكين الطلاب من استكمال علومهم الجامعية أو المهنية من جهة أخـرى، لا بـل واقراضهم لتأسيس المشاريع الصغيرة لتمكينهم من التطلُّع إلى المستقبل دون وجـل أو مهابة".
هذا وقد واكبت رئيسة فرع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان "آمنة سليمان" كافة الدورات ورعت افتتاحها وتحدّثت عن أهميتها ودور اليونيسف بمساندة الفلسطينيين وماهية سير الدورات ونجاعتها.

مهارة في التقديم وكفاءة بتحفيز المتدرّبين
يرى المدرّب "وفيق هـواري" أن الجهـد الذي يبذُلـه اتحاد المرأة تجاه فئة الشباب في المخيمات مهم جـداً وذو جدوى، خاصة أنه يرى بهذه الفئة المدخل الأهـم لإحداث التغيير المنشود، ولـذا وبأوقات معينة، كحال الدورات الحالية، يجري التركيز على التدريب على مهارة توجيه السلوكيات السائدة في المجتمع، وأهمية ذلك تعود برأيه "للكـم الكبير من الفئات الاجتماعية التي يتكوّن منها المجتمع من جهة، وبسبب التنوع بالافكار وما يرافقها من تكوين للتصورات واطلاق الاحكام، إذ ان بعض الفئات لديها صورة نمطيـة عـن الآخـرين، وأخرى تنحـو إلى تعميم الأحكام المسبقة على سواهـا"، وعطفاً عليه يُشير الاعلامي هـواري إلى "أن الفلسطينيين يعيشون في لبنان في مجتمعات منغلقة، ما يتسبّب بوجود علاقة ملتبسة مع الآخرين وعلى أكثر من مستوى وصعيد محلي ومع الجوار أيضاً وغالباً ما تكون غير ناجحـة، لأنه من شـروط النجاح تقبـُّل الآخـر لهـذه العلاقـة"، وينوه إلى أن البرنامج التدريبي للاتحاد يهدف لتوعية المتدرب ودفعه ليكتشف نفسـه بنفسـه وأن يعترف لذاتـه بأنـه مختلف عن غيره والآخـر مختلفٌ عنه، والاقتناع بأن الاختلاف شيء طبيعي وظاهرة عادية، ويجب تقبُّلها وحينها يُمكن انجاح عملية التواصل مـع الآخـر وبنـاء عـلاقات ناجحـة".
من جهة أخـرى وبخصوص تدريبه مادة "فض النزاعات" يقول المدرب وفيق هواري: "النزاع شيء طبيعي ويرافـق الانسان بحياتـه اليومية، ففي الصباح مثـلاً يعيش حالة نـزاع ذاتي حول ماذا يرتـدي وأي لـون يختار.. البنطال البني او الكحلي؟ وكثيراً ما تشهـد الأسـواق أشكالاً عديدة ومتنوعـة من النزاع ومنها على سبيل الذكـر المفاصلة بالأسعار بين البائع والشـاري، ما يعني ان المجتمع مليء بالنزاعات"، والمهـم برأي هواري هو "كيـف نُـديـر هـذا النـزاع بطريقـة لا عنفيـة"، وعطفاً عليـه يقول: "شهـد لبنان العام 1975 حرباً أهلية وكان الفلسطينيون جزءاً منها"، ويضيف "ما زلنا بهذه الحرب، ولحينه ما زال هناك أطرافٌ تحاول استخـدام الفلسطينيين كوقود لهذه الحرب"، ويؤكـد أنه من المفيد أن يتعرف الشبّان والشابّات من خلال التدريب على ماهيـة النـزاع، وتصنيفاته، وانواعه،  ودرجاته وآليات تهذيبه، بما في ذلك البحث عـن الحلول التي تؤمـن أقصى ما يمكن من المصالح لكل الفرقاء ما يحـول حينها دون اللجـوء لاستخـدام العنف لفض النـزاع، وبالسياق اياه يميّز بين هـذا الشكل والنزاع مـع مـن سلبنـا أرضنـا ووطننـا ولا يعني هـذا وفق حديثه "أن نكون مسالمين جـداً... ولنـا الحـق باستخـدام كـل الوسائـل لنصل إلى حقنا"، وينهي الاعلامي اللبناني هـواري حديثه بالإشارة إلى أن المشاركين ركّـزوا خلال حلقات النقاش على مهام ودور الإعلام باعتباره قنـاة تواصل مباشـر مؤثـّر في تقديم الآخـر والإضاءة عليه، ومنه بشكل خاص الاعلام العربي وتحديداً في لبنان تجاه الفلسطينيين وتصويره مخيم عين الحلوة تحديداً الذي يعيش فيه ما يزيد عن السبعين الف نسمة وكأنـه "بؤرة أمنيـة" وحسب، الأمر الذي يُشكّل هاجساً للفلسطينيين الذين يتطلّعـون لامكانيـة كسـر هـذه الصورة النمطيـة.
أمّا المدرب الأستاذ "نـزيـه شمـا" فيرد التفاعـل الايجابي الذي أبـداه المتدربون تجاه مواد الدورات عموماً وتقبُّلهم بشكل خاص لمادة "كيف تؤسس مشروعاً صغيراً " لارتباطـه بحاجاتهم وتطلعهم لتحويل تخصصاتهم لبرامج عمل ومشاريع ناجحة في المستقبل، معلّقاً  "المشاريع التي قدمها المتدربون بالاستناد للمعلومات والمعارف التدريبية الخاصة بذلك وبصفـة تمارين تؤكـد على ذلك"، ومن جهة أخـرى يتوقف المدرب شما حيال موضوع "كيفية تسجيل القيود اليومية بالمؤسسات التجارية" ويؤكـد أنه وبالرغـم من صعوبة المادة من جهة وكون ما قُدِّمَ للمتدربين بمثابة لمحة مبسطة وسريعة من جهة ثانية، فقـد لاقـت المادة الاستحسان وأثارت حالة من الفضول والتحفيز بأوساطهم أيضاً، وبالاستناد لفحوى حلقات النقاش أضاء المتدربون وفق حديث الأستاذ شما على حاجاتهم لمادة تلحـظ "كيفية تعبئة السيرة الذاتية" من جهة، و"كيفية التحضير لمقتبلة العمل"، و"سبل الحصول على فرص العمل".

كفاءات واستعـداد لاستشراق المستقبل
يعرب الفلسطيني محمـد رحيـل، وهو خريـج معهـد سبلين المهني للأونـروا، تخصص صفائح معدنيـة، عن رغبته في المشاركة بالـدورات وحلقات التدريب التي تقيمها المؤسسات ويتم منح الشهادات فيها، ويقول: "للأسـف أبحث منذ عام عن عمل، وقد التحقت بهذه الدورة لهدفين الأول لأنها ستساعدني بتعزيز فرص قبولي بإحـدى شركات العمل فشهادة الدورة مصدرها اليونيسف وهي شهادة مميـزة، وثانياً بهدف الحصول على مهارات تفيدني بالحياة اليومية"، ويضيف "تعرفنا على العديد من الأمور، واستفدنا كثيراً من النقاش بحيث أصبح لدينا خبرة والمام بمهارة التواصل الايجابي والقدرة على توفير المعطيات للآخـر لمساعدتـه على التغيير، واكتشفنا صحة هذا الكلام بنسبة 100%"، ويختـم بتوجيـه الشكـر للاتحاد والقيّمين على هـذا التدريـب.
 من جهتها لا تحبّذ الفلسطينية نـادرة سـرحـان، وهي طالبة بالجامعة اللبنانية الدوليـة، تخصص صحافـة وإعـلام، ان يكون لديها نقص بحقـل من حقول المعرفـة، ولـذا انتسبت إلى الـدورة، وعطفاً عليـه والحديث لسرحان "بانتسابي للدورة اكتسبتُ معارف ومهارات لم أكـن أعرفها من قبـل، وصرتُ أكثر درايـة بالتواصل مـع الآخـرين واحترام رأيهم بغض النظـر عـن انتماء الشخص لأي طائفـة أوي دين أو طريقة تفكيره، لأن علي أن احترمه كإنسـان"، وتضيف "الـدورة مفيدة لأي شخص، وبحكـم دراستي في الإعلام ستُفيدني بكيفية التواصل والانفتاح على أوسـع قطاع من الشرائح الاجتماعية وعلى اختلاف تصنيفاتها ومراتبها".
من جهة أخـرى تشير سرحان إلى أنه بات بالامكان بالاعتماد على معلومات الدورة تأسيس مشروع، حيث تقول: "يمكننا الانطلاق بمشروع من أي شيء، ليس بالضرورة أن يكون مشروعًا ضخـماً، فأنا مثلاً يمكنني القيام بمشروع من خـلال الإبـداع وتحويل الفكرة لعمل ملموس"، وتختـم بالقول: "الـدورة أضاءت على أشياء كثيرة، وقد كان المدربون على قـدرة عاليـة من المعرفـة، وتمكّنوا من ايصال الأفكار لنا بمهارة".

خاص مجلة القدس العدد 321 -تحقيق: وليـد درباس