أحدَ عشر عاماً مرت على استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات وفي كل ذكرى يحيي الفلسطينيون ذكراه وكأنها المرة الأولى. وإيماناً من القيادة الفلسطينية بأهمية معرفة الأجيال القادمة لما قدّمه الرئيس الشهيد أُصدِر مرسوم رئاسي بتأسيس مؤسسة ياسر عرفات العام 2007، وخلال 9 سنوات سارت المؤسّسة على درب ياسر عرفات بمساعدة المجتمع المدني ودعم الفلسطينيين من شباب ونساء وبناء متحف يخلّد ذكرى القائد. وللاطلاع على أهم مشاريع المؤسسة ومساهمتها في جمع ارث أبو عمار وحفظه للأجيال القادمة، زارت مجلة القدس مقر مؤسسة ياسر عرفات الكائن في مدينة رام الله، وأجرت مقابلة مع مدير عام المؤسسة د.أحمد صبح.

هل لك أن تطلعنا على لمحة عامة عن تأسيس مؤسسة الشهيد الرئيس ياسر عرفات وهيكليتها وأبرز أهدافها؟
تُعنى المؤسسة بحفظ الإرث الوطني للشهيد الرئيس ياسر عرفات من حيث البحث عن مقتنياته من وثائق وصور وقرارات ومراسلات وأفلام وأي ارث يستحق حفظه ونشره للعالم. تأسّست المؤسسة العام 2007 بمرسوم رئاسي، وبدأت عملها في العام  2008، أي بعد 4 سنوات على استشهاد الرئيس ياسر عرفات.
يقع مقرها المؤقت في رام الله ولها مكتب فرعي في القاهرة، وتتكون من 3 مستويات من الهياكل التنظيمية التي تدير عمل هذه المؤسسة، وهي: مجلس أمناء كبير يرأسه أمين عام جامعة الدول العربية سابقاً عمرو موسى حيثُ ترأسها للدلالة على البعد العربي الذي عمل به أبو عمار، ويضم مجلس الأمناء مئة شخصية من كافة دول العالم العربي ستون منهم من الشخصيات الفلسطينية المهمة داخل وخارج الوطن. ومجلس الإدارة الذي يتكوّن من 15 شخصاً منتخَبين من مجلس الأُمناء ويرأسه د.ناصر القدوة، ويُعنَى بالأمور السياسية والتفصيلية لعمل المؤسسة. وهناك طاقم المؤسسة الذي يعمل على البرامج والنشاطات والفعاليات. ويعقد مجلس الأُمناء جلسة واحدة سنوياً في مقر جامعة الدول العربية باعتبار أن رئيس مجلس الأُمناء كان أمين عام جامعة الدول العربية. أمّا مجلس الإدارة فيعقد أربعة اجتماعات سنوياً، ولأن خمسة من أعضاء مجلس الإدارة هم من الإخوة العرب فإن الاجتماعات تعقد خارج فلسطين وغالباً في الأردن او القاهرة ليتمكّن جميع الأعضاء من الحضور فهدف المؤسسة ليس شخصنة أبو عمار لأن قيمته معروفة ومحفوظة ولكن الهدف هو الأرشفة للقضية الفلسطينية وللأجيال القادمة تخليداً للذاكرة الوطنية الفلسطينية.

ما هي أبرز مشاريع وبرامج المؤسسة؟
كمؤسسة ياسر عرفات واستمراراً لمسيرته لدينا منح دراسية في الداخل والخارج، ولدينا أيضاً منح من خلال جامعة الدول العربية في الكلية البحرية في القاهرة، ومنح في ماليزيا، كما تدعم المؤسسة حالات نضالية وكفاءات في الجامعات الفلسطينية بتسديد أقساط بعض الطلاب.
أمّا في جانب الخدمة الاجتماعية فتقوم المؤسسة بدعم الأشخاص ذوي الإعاقة ومساعدة الشباب والمرأة ودعمهم في الجمعيات الخيرية والنوادي والمعسكرات الصيفية، وجميع النشاطات التي تهدف إلى إيجاد تأثير واحتكاك مع المجتمع المدني. واستمراراً في نهج أبو عمار الذي ما رد احداً طرق بابه ومن خلال المؤسسة نخدم الناس كأبي عمار. كما نقوم بفتح ارشيفنا للجهات ذات الاختصاص لنشر إرث ياسر عرفات والقضية الفلسطينية، ونتعاون مع مراكز ابحاث ودراسات في جامعات ومعاهد في الداخل والخارج في المؤسسة، ونسعى لنكمل الادوار مع المؤسسات الوطنية وليس لمنافستها. كما تصدر المؤسسة مجلة فصلية تسمى اوراق فلسطينية.

ما هي جائزة الشهيد ياسر عرفات؟ ولِمَن تُمنح؟
جائزة ياسر عرفات للانجاز هي جائزة سنوية تُمنَح بتاريخ محدد هو العاشر من تشرين الثاني، ليلة استشهاد أبو عمار، باحتفال مركزي في رام الله لمن تميّز شخصاً كان أم مؤسسة على مدى سنة او سنوات في خمسة مجالات مختارة وهي: المجال الوطني، والمجال الاجتماعي، والمجال الأكاديمي، والمجال الاقتصادي، والمجال الفني الثقافي، وتُمنَح الجائزة من قِبَل لجنة مستقلة مكوّنة من فئة مختارة من سياسيين وأكاديميين من المجتمع المدني والقطاع الخاص يرأسها شخص تختاره اللجنة التي تمتد مدة صلاحيتها لثلاث سنوات حيث تبحث اللجنة بالترشيحات وتدرس عن طريق استمارة محكّمة ذات معايير علمية للانتقاء، ومن شروطها انه لا يجوز لأحد ان يرشّح نفسه بل على الآخرين ان يرشحوه ويفسّروا سبب ترشيحهم له، ولا تُعطى الجائزة لمن استشهد او توفي فهناك جهات اخرى تكرّم الشهداء الأكرم منا جميعاً، لكن نحن نعطي الانجاز الملموس والانجاز الملموس هو الذي يدوم لبعده الاجتماعي وتأثيره في الناس. ومنحت هذه الجائزة على مدى السنوات التسع الماضية لمن استحقها من جهة او فرد أحدثَ فرقاً وكان مميزاً فيما يعمل. ومن أشهَر الحائزين على الجائزة الشاعر الفلسطيني العظيم سميح القاسم الذي استحق الجائزة قبيل وفاته، وهذه الجائزة بدأت تأخذ الحيز الذي تستحقه. اما مضمون الجائزة فهو مجسّم على شكل الرئيس الشهيد ياسر عرفات وشهادة مقدَّمة من مؤسسة ياسر عرفات وجائزة مالية مقدارها 25 الف دولار امريكي، وتُسلَّم الجائزة بواسطة سيادة الرئيس محمود عباس في الاحتفال.

ما هي أبرز انجازات المؤسسة؟
من اهم انجازات المؤسسة تأسيس متحف ياسر عرفات. ومن المعروف ان ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات موجود في مقر المقاطعة في رام الله، وهنا أحب ان أُؤكد انه ضريح مؤقت حتى في تصميمه حيث أُحيط ببركة ماء للدلالة على عدم الاستقرار من خلال تموج المياه، لأن هذا الضريح مؤقت إلى ان يُنقَل أبو عمار إلى مكانه الدائم في مدينة القدس وفي باحات الأقصى على وجه التحديد. وخلف الضريح تم بناء متحف ياسر عرفات الذي استغرق بناؤه سبع سنوات على المستوى الإنشائي، ونحن الآن بصدد تأثيثه وتجهيزه للعرض، وهو ويتضمن ثلاثة طوابق كبيرة، اهمها الطابق الاخير الموجود في مبنى المقاطعة القديمة، والذي تم ربطه بجسر زجاجي مع المبنى الجديد. ميزة هذا الطابق انه الطابق الذي أمضى فيه أبو عمار آخر أيامه اثناء حصار اسرائيل له، ويتكوّن الطابق من غرفة نومه الصغيرة ومكتبه وغرف مساعديه، وهذا سيمكّن المواطن من زيارة المكان الذي قضى فيه أبو عمار آخر ايامه وسيتمكن الزائر من التعرف على ظروف حياة ياسر عرفات وكيف عاشها ويرى كامل ممتلكاته واغراضه كما تركها قبل ان يغادر للعلاج. وبالتالي فهذا المتحف سيمثّل متحفاً للذاكرة ولسرد الحكاية الفلسطينية على مدى السنوات المئة الماضية منذ العام 1900 وحتى العام 2004 وسيكون المتحف شاهداً على أهم الأحداث التي حصلت في فلسطين في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، وسيتوفر ذلك من خلال الصوت والصورة والفيديو والمقتنيات والوثائق وكل ما من شأنه ان يلمس حياة الفلسطينيين مروراً بأهم الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية، ونحن نعوّل على المتحف في إبقاء الإرث الفلسطيني وقدر اسم الشخص الذي سُمِّيَ تيمُّناً به وهو الزعيم الشهيد ياسر عرفات.
وبالنسبة لتقسيم المتحف فسيكون في حقب زمنية اي ان كل قسم سيروي قصة فترة زمنية في حياة الشعب الفلسطيني منذ العام 1900 ومروراً بوعد بلفور والغزو الاستيطاني الصهيوني والمقاومة الفلسطينية ومراحل النضال الفلسطيني والنشاط السياسي الخارجي إلى فترة العودة إلى الوطن حتى العام 2004 ليتم عرض التاريخ الفلسطيني بطريقة علمية معاصرة أي بطريقة عرض المتاحف المتخصصة العالمية. ومن اقسام المتحف أيضاً مكتبة الكترونية ومواد للأبحاث وخارطة شاملة لفلسطين بجميع قراها ومدنها المهجرة، وسيتم افتتاح المتحف لاستقبال الزائرين في العام 2016 إن شاء الله.

هل تفكرون بتوسيع نشاط المؤسسة داخل فلسطين أو خارجها؟
هناك تفكير بفتح مكتبَين إضافيَين للمؤسسة في الفترات القادمة، واحد في لبنان والآخر في غزة. بالنسبة لإخواننا في لبنان فلهم دَينٌ في أعناقنا لِعلاقتنا مع لبنان كوطن ووجودِ عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين المستضافين في لبنان المنتظرين لعودتهم للوطن، لذا يدرس مجلس الإدارة الأمر. واذكر احد أعضاء مجلس الإدارة المرحوم الأستاذ العلامة هاني فحص الذي كان لبنانياً شيعياً فلسطينياً عرفاتياً حتى النخاع، وهناك عدد لا بأس به من الأعضاء من الاخوة اللبنانيين، أي أن هناك تواجداً للمؤسسة في لبنان من خلال الأعضاء، ولكن من المهم ان يكون لها وجود مادي لتبقى على احتكاك قريب طبعاً، فليس من السهل ان تقيم متاحف لياسر عرفات في كل مكان، ولكن عند وجود مكاتب فرعية للمؤسسة قد يكون هذا بحد ذاته وجوداً لياسر عرفات. كذلك نحن نفكر جدياً بأن يكون بيت الشهيد ياسر عرفات في غزة متحفاً عندما نسترد باقي المقتنيات في غزة والتي لم نستلمها حتى الآن من إخوتنا في حركة حماس. وعلينا أن لا نغفل أن اهمية ياسر عرفات ومكانته ليست في قلب الفلسطينيين فحسب، بل في أرجاء كبيرة من العالم وكل منها يحتفي بعرفات على طريقته، وأفضل احتفاء بأبي عمار هو من أرملة الشهيد او من عائلة الاسير او من عائلة الجريح ومن عائلات اللاجئين في المخيمات. ومن الأمور التي أُحبُّ ان اذكرها عن بعض الإشكالات التي واجهتنا ونحن نبحث عن مقتنيات أبو عمار هو اقتناع العديد من الناس بأن اي شيء من أبو عمار هو ملك لهم وحدهم وقد عانينا لإقناع العديد من الناس بإعطائنا ما يملكون من ابي عمار حتى نضعه في المتحف ويراه جميع محبيه فمحبة ابي عمار في قلوب الناس كانت من الأمور الأصعب في عملية تجميع مقتنياته.

إلى أي مدى أثر بك الرئيس الشهيد ياسر عرفات؟
كنتُ سفيراً ووكيلاً لوزارة الخارجية ووكيلاً لوزارة الإعلام ومبعوثاً خاصاً لأبي عمار. أبو عمار ترك فينا أثراً كبيراً وحباً لا يُحصى له كقائد ورمز وأخ ومؤّسس وأب وذلك من خلال تعامله معنا. فقد كان يسأل عن أدق تفاصيل حياتنا، ويطمئن على زوجاتنا وابنائنا، ويهتم بمعرفة همومنا ومشاكلنا، وكان له حضور يأسر المتعاملين معه، ومن يعرفونه ويعرفون جانبه الإنساني الدافئ. أبو عمار ترأّس مرحلة مهمة من حياة الشعب الفلسطيني، وتمكّن مع رفاق دربه من تحويل القضية الفلسطينية من جموع لاجئين إلى قضية سياسية موضوعة على الطاولة السياسية الدولية وتثبيت فلسطين على الخارطة السياسية، ومن ثم تثبيتها على الخارطة الجغرافية، لذلك أقول بأن إحياء ذكرى أبو عمار يكون بالاستمرار على دربه وإكمال الطريق الذي بدأه. فلو لم يتمسّك أبو عمار بالثوابت الوطنية الفلسطينية لكان لليوم يعيش بيننا، والأعمار بيد الله طبعاً، وقد كانت لدى أبو عمار قاعدة بأنك تستطيع ان تقدم بعض التنازلات في المرحلة الانتقالية، ولكن لا يمكن إعطاء اي تنازل في المرحلة النهائية بل تمسّك بالثوابت فقط، وقد دفع حياته بالدفاع عن الثوابت الوطنية، فعاش لفلسطين واستشهد لأجلها. انظر إلى من انتقده واتهمه بالفساد ماذا وجد بعد 11 سنة من وفاته.. لم يجد شيئاً! واستذكر مقولة لأبي عمار قال فيها: الثائر يخوض في الوحل ويخرج أبيضَ ناصعاً كالملك.

ما هي رسالتكم كمؤسسة للشعب الفلسطيني؟
في كل عام نختار شعاراً في الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات وهذه السنة اخترنا شعارَين لإحياء الذكرى الحادية عشرة، الأول: "وحدة وحدة وطنية"، والثاني: "عالقدس رايحين"، وهذا يعبّر عن فهمنا لما تحتاجه هذه المرحلة وهي الوحدة الوطنية التي لطالما نادى بها أبو عمار والتمسّك بالقدس وخاصة لما تعيشه من أوضاع صعبة نتيجة التهويد والاستيطان والحصار الإسرائيلي عليها.

خاص مجلة القدس العدد 321/ حوار /عدي غزاوي