لم يشهد التاريخ جماعة بشرية أي كانت خلفيتها الدينية او الفكرية الوضعية تحول اعيادها إلى أيام حروب واستباحة لدماء أعدائها كما المحتلون الاسرائيليون واقرانهم من الجماعات الفاشية والنازية. على مدار الحقب التاريخية كانت الجماعات المتحاربة في الاعياد توقف حروبها لايام احتراما وتقديرا للمناسبات الاجتماعية او الدينية إلا المحتلين الاسرائيليين، الذين حولوا أعيادهم واعياد الديانات الاخرى الاسلامية والمسيحية إلى مجازر ومحارق.

طبعا دوامات العنف والارهاب الاسرائيلي المنظم، لم تتوقف لا في الاعياد ولا قبلها ولا بعدها، بل باتت سلوكا حياتيا يوميا بفضل سياسات وانتهاكات وجرائم حكومات إسرائيل المتعاقبة وقطعان مستعمريها المرتبطة بمشروعها الكولونيالي، وتزداد شراستها وهمجيتها ووحشيتها في الاعياد اليهودية.

وهذا ما شهدته الاراضي الفلسطينية في شهر ايلول الماضي، ومازالت اراضي دولة فلسطين المحتلة في الرابع من حزيران عام 1967 حتى اليوم تخضع محافظاتها الشمالية (الضفة) كلها لاقتحامات واجتياحات، تركزت في البداية على اماكن العبادة وخاصة المسجد الاقصى، الذي عملت وتعمل حكومة نتنياهو على تقسيمه زمانيا ومكانيا. بتعبير اوضح الامر ليس له علاقة بعملية نابلس، التي قتل فيها الضابط الاسرائيلي وزوجته، لان جرائم جيش وشرطة واجهزة امن وقطعان المستعمرين سابقة عليها، بل جاءت العملية نتاج ردة فعل على وحشية جرائم دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.

مما يشير إلى ان حكومة اليمين المتطرف الاسرائيلية واداتها الضاربة، قطعان المستعمرين، شاءت ان تجعل من الاعياد اليهودية، التي تزامنت مع عيد الاضحى المبارك للمسلمين وعيد سبت النور للمسيحيين، اياما سوداء، اياما للدم والموت والقتل والحرق، وحرمان الاطفال والمواطنين الفلسطينيين العزل من ابسط لحظات الفرح والعيد. بدل من جعلها اياما للتسامح والتعايش والفرح وجسرا للسلام. لانها لا تؤمن بالسلام والتسوية السياسية، لا بل تعمل وفق خطة مدروسة على تصفية وتبديد اي بارقة امل للسلام.

تخطىء حكومة نتنياهو وقطعان مستعمريها، ان اعتقدت، انها قادرة على تنفيذ مخططها التصفوي للقضية الفلسطينية. نعم تستطيع إشعال فتيل الفوضى، وتستطيع ان تغتال وتحرق وتقتل الاطفال والنساء والشيوخ والمزروعات والبيوت ودور العبادة، وتستطيع تحويل الصراع السياسي الى صراع ديني، غير انها ستعض اصابعها ندما، هي واميركا وكندا وكل من لف لفها في المنطقة والعالم. لان المستقبل لن يكون لها ولا لخيارها. المستقبل إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية. ليس فقط لان القضية الفلسطينية، هي قضية عادلة، انما لان الشعب الفلسطيني وقواه السياسية الحية، لن يسمحوا للمشروع الاسرائيلي التصفوي بالمرور. وهم قادرون على إحراق الاصابع الاسرائيلية وتهديد مصالح كل من يقف خلفها ويقدم الدعم لها.

التزام الشعب والقيادة الشرعية بخيار السلام، ليس ضعفا ولا جبنا ولا خضوعا لاملاءات هذه الدولة او تلك القوة الاقليمية او الدولية، بل هو نتاج رؤية سياسية حكيمة، عمدتها تجربة العقود الماضية من الصراع العربي الاسرائيلي. وسيبقى هذا الخيار بوصلة الكفاح التحرري الوطني، لكن باساليب واشكال اخرى، عهدتها التجربة الفلسطينية في الثورة المعاصرة في حال واصلت إسرائيل إدارة الظهر للاتفاقات المبرمة معها. الوقت يمضي بسرعة نحو الانعطافة الدراماتيكية إذا ما واصلت حكومة نتنياهو وقطعان مستعمريها جرائمهم الوحشية، وإذا العالم وخاصة اميركا لم يستوعبوا الرسائل، التي ارسلها الرئيس محمود عباس لهم في خطابه التاريخي في الثلاثين من سبتمبر الماضي في الامم المتحدة. فهل تدرك القيادات الاسرائيلية، ان التاريخ لا يسير للخلف، وتتيقن ان المستقبل ليس في صالحها، وتوقف دورة الدم والموت، وتندفع نحو جادة السلام الممكن والمقبول؟