خاص/ مجلة القدس العدد 319 تحقيق-وليـد درباس

اعتادت اللجان الشعبية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات منطقة صيدا أن تتحمـّل مسؤولياتها المناطـة بها "بدون أن تبغي حمـداً ولا شـكـورا" حتى في ظل الظروف الصعبة لا بـل وحتى إن اضطرهم الأمر للمخاطرة وتعريض أرواحهم للخطر. ومؤخّـراً وبالتزامن مـع تداعيات الاشتباكات المسلّحة بعين الحلوة وتقـطُّع أوصال التيار الرئيس للشبكة الكهربائية فيه، فقـد سجّلت اللجنة الشعبية سـابقة تستحق التثمين والتقديـر لجهة الوقوف على الأمر تحقيقاً لمصلحة الأهالي.
*مساعٍ وخدمات رغـم المخاطرة
خلال الأحداث الأمنية التي شهدها مخيم عين الحلوة كان لشبكة الكهرباء في المخيم حصة كبيرة من الاضرار، وحول تعاطي اللجنة الشعبية مع الموضوع في المخيم يقول مسؤول ملف المشاريع باللجنة محمود حجير أبو ليلى: "انطلاقاً مـن مسؤولياتنا تجاه أهلنا في المخيم وتعاطياً مع تعليمات مرجعياتنا في منظمة التحرير، وأيضاً بهدف الحيلولة دون دفـع الصامدين من أهلنا في المخيم  لمغادرتـه مكرَهين، أوعـزت اللجنة الشعبية لفريـق الصيانـة بالمباشرة بأعمال الصيانة المطلوبة بعـد أن تضرّرت شبكة الكهرباء فيه وانقطعت الإنارة، وبالتالي توقّفت الآبار الارتوازيـة عـن ضخ مياه الشرب التي تلبي حاجات الناس، علاوةً عـلى توقُّف بعض مولّدات الديـزل عـن عملها بتوفيـر الكهرباء لمشتركيها، وأيضاً جـرّاء تضرر التمديدات السلكية إياها، فتوجّه فريق الصيانة لاتمام المهمة وذلك رغـم ما في هذه الخطوة من مخاطرة وأقله بسبب عـدم الطمأنينة لسريان وقف اطلاق النار والتـزام كافة الأطراف بـه وبشكل تـام".
ويوضح حجير أن فريق الصيانة يتألّف من ثلاثة افـراد بمسؤولية الفني "حسين عبد الغني" الحاصل على البكالوريا الفنية "BT"، وخريج المعهـد الألماني في بغـداد العام 1978 تخصُّص كهربائيات، ورفيقَيه الفني ظافـر عكـر، والفني جاسـر زيـدان وهما من خريجي المعاهد المهنية اللبنانية، ويؤكـّد مسؤول الفريق حسين عبد الغني امتلاكهـم الخبرة الكاملة خاصةً أنه قد مضى على مزاولتهم أعمال الصيانة سنوات عديدة وخلالها شاركوا قسم الصيانة بشركة كهرباء لبنان في صيدا والجنوب بالعديد من أعمال الصيانة، منها ما هو على صعيـد المخيم ومنها ما هو على صعيـد الجنوب بزمـن قصف الطيران الإسرائيلي هناك وفـق حديث عبد الغني.
ماهيـة الشبكة الكهربائية في المخيم
يوجـد في المخيم أربعون محوّلاً كهربائياً وبمعدلات متفاوتة من القوة تتراوح ما بين "25KVA و1000KVA"، ويحصل المخيم على الإنارة من خلال ربطه بالشبكة الكهربائية بالجوار وعبـر خطَين من التوتـر العالي كل منهما بقوة 15000 فولت.
الخـط الاول: وُيعرَف وفـق التوصيفات الفنية بالشركة بالخط الأرضي، ويبدأ من نقطة عبرا بضواحي صيدا ويقطع مسافة تتراوح مابين "2 إلى 2,5 كم" مروراً بثكنة الجيش بدوار الأمريكان فمستشفى صيدا الحكومي ومنها لداخل المخيم وباتجاه الشارع التحتاني وبمسافـة كيلومتر واحد.
الخـط الثاني: وُيعرَف فنياً بالخـط الهوائي ويبدأ من نفس النقطة بعبرا مروراً بمار الياس وباتجاه منطقة النبعة وصولاً لنقطة الجيش اللبناني على تخوم المخيم ومنها إلى المخيم ومتفرعاته بالشارع الفوقاني وحتى حي حطين، ويشير عبد الغني لوجود تنسيق كامل مع شركة كهرباء لبنان، مُسجِلاً للأخيرة سُـرعـة تجاوبها بقطـع التغذية حيث توجّب عـن خط هـذا التوتر أو ذاك في المخيم لحين إجـراء التصليحات اللازمة بالتوتر.

*أضرار الاشتباكات على الشبكة الكهربائية
حول أبرز الأضرار التي طالت الشبكة الكهربائية في المخيم يقول عبد الغني: "حصلت أعطال كبيرة بخطَي التوتر العالي، ومنها بشكل خاص ما بين حي الطوارئ بمحاذاة نقطة حاجز الجيش اللبناني بالشارع الفوقاني وعلى امتـداد الشارع وصولاً حتى حي الصفصاف ومنها باتجاه حي حطين، ولجانبها أصيب بالعطب "ترانسان" أحداهما بقوة "250KVA " بحي الطوارئ والثاني بقـوة "400 KVA" بحي الصفصاف"، ويضيف "فـور تلقينا الإيعاز من اللجنة الشعبية لفصائل منظمة التحرير توجّه الفريـق وبكامـل جهوزيتـه للقيام بأعمال الصيانـة"، وضرورات الأخيـرة كانت تتطلّب من عبد الغني وبهدف الحفاظ على أرواح أفـراد فريقه وحمايتهم من رصاص القنص أو الرصاص الطائش خشية حدوث تهور ما بخرق وقف اطلاق النار، وهو ما حصل أكثر من مرة، أن يجري اتصالاته التليفونية بطرفَي الاشتباك للعلم وأخـذ الحيطة والحـذر من جهـة وأحياناً من خلال تدخل مسؤول اللجان الشعبية في صيدا "عبد الرحمن ابو صلاح" وفـق حديث عبد الغني من جهة ثانية، وبخصوص لـوازم التصليح من قطع مختلفة  "كالسلاسل، وكابلات الألمنيوم، والعوازل... الـخ" فتأمينها يتم وفـق عـبـد الغني من خلال اعتمادات اللجنة الشعبية لأصحاب المحال الكهربائية. ويُكمـل "على مـدار يومَين كاملَين ومن الساعة السابعة صباحاً وحتى الثامنة مساءً قـام فريـق الصيانـة بمواكبة ميدانية من أمين سـر اللجنة الشعبية في عين الحلوة "حسن سرحان" ومسؤول ملف المشاريع "محمود حجير" بإجـراء الاصلاحات الملحّة والضرورية لإعادة الإنارة إلى المخيم، رغـم ما في ذلك من مخاطرة كتسلُّق أعمدة التوتر والخشية من انفلات وقف إطلاق النار، ويزيـد "عمِلنا أيضاً على توفير الإنارة للأهالي المستفيدين من الترانسين اللـذين عطبا من خلال الترانسات القريبة لحين تأمين ترانسات بديلة بإيعاز من اللجنة الشعبية لمرجعياتها،" ويختـم عبد الغني بالقول: "نحـن في فريـق الصيانـة نعمل في اطار الجانب الفني بأجندة اللجنة الشعبية كمتطوعين ولا نتلقى مـن أحـد من القوى في المخيم وخلافه شيئاً سـوى من اللجنة الشعبية وهي بمثابة حوافـز مالية شهرية تشجيعية بمعدل خمسين ألف ليرة لبنانية لكل من الفني عكـر والفني زيدان، وأتلقى أنا مئة وخمسة وثلاثين ألف ليرة لبنانية بحكم مسؤولياتي واشرافي ومتابعتي شبه اليومية"، وعطفاً عليه يؤكـد أن الحافـز لا يكفي لتغطية كلفة الاتصالات التليفونية لـزوم العمل، ويزيد "ما يُبلسم جراحنا أننا بعملنا نقـدّم مساعـدة لأهلنا في المخيم وبشكل خاص للأطفال وكبار السن والمرضى المحتاجين للمراوح ولشربة الماء".

*اللجان الشعبية جندي مجهول في المخيم
يقول أمين سـر اللجان الشعبية في منطقـة صيدا عبد الرحمن أبو صلاح: "قـدَرُنا باللجان الشعبية وبحكم الانتماء ومرجعيتنا "منظمة التحرير الفلسطينية"، أن نتحمّـل المسؤوليات وإن تلقينا العتب من الحليف حيناً أو التشكيك من القريب أحياناً"، ويـشبِّه "أبو صلاح" مساعي وحراك أعضاء اللجنة الشعبية بالجنـدي المجهول، مسجّلاً استغرابـه لتغييب دور اللجان بزمن الاشتباكات المسلّحة بعين الحلوة مؤخّـراً من قِبَل أكثـر من جهة ومسؤول فلسطيني وبعضهم من منظمة التحريـر، وينـوّه لقيام مندوبي اللجان بمنطقة صيدا عموماً وبعين الحلوة خصوصاً بمهامهم وبسقف المتاح لهم، ويضيف "لقـد شاركـوا بعـدة فعاليات ونشاطات شعبية ومجتمعية وإعلامية تنضوي كلها تحـت شعارات فلسطينية وحدوية وتدعـو للحفاظ على الأمن والسلم وحسب، ولا تشهـّر أو تكيـل التهـم لهـذا الطرف وذاك. ألـم يلحـظ أحـد دور اللجان بتصليح شبكة التوتر العالي ومساهمتهم بإعادة ضخ الحياة في المخيم علاوةً على مساعيهم بتوفير مقومات لزوم عمل مولدات الديزل لتشغيل الآبار الارتوازية في المخيم؟!".
 من جهـة أخـرى يـدعـو "ابو صلاح" للتعامـل مـع اللجان "باعتبارها مؤسّسة فلسطينية جامعة تُقدّم الخدمات وفـق امكانياتها المتاحـة وبعيـداً عـن المحسوبيـات الحزبية والفصائلية والمرجعيات،  عوضاً عن عدِّها طرفاً كما يحلـو للبعض من القوى والفعاليات ووصولاً حتى بعض القواطـع"، وفق حديث "ابو صلاح"، وبخصوص الأخيـرة وما شهدته مـن حـراك أهلي مؤخّـراً وعلى "أهميته وتثمينه" يتمنّى أن يمضي بذات الوتيرة وأن يتقاطـع مع مسؤوليات ومهام اللجان الشعبية وأن يصل لخواتيم تخـدم الصالح  العام لعموم اهلنا، وحـذّر من حصرها بحدود قاطـع بعينـه، وإلا تحـوّل المخيم إلى غيتاوات وجـزر معزولـة، ويختـم بالقول: "أمـا حـانَ الوقـت لوقفـة تقييـم وإعـادة نظـر بسلم الأولويات المجتمعية لـدى قيادة المنظمة، وبما يوفّـر المقومات الماليـة لعمـل اللجان، بـدل دفعنـا للإسـتدانـة من هنـا وهناك والجيبة مخرومـة.. وفقـط بهـدف تسييـر شـؤون الناس والتخلُّص من الإحراج".
ومن باب الحرص فقـد عبّر البعض من الفعاليات الشعبية والمجتمعية بالمخيم عن تقديرهم لجهود أفراد اللجان الشعبية، ولفتوا بذات الوقت إلى ضرورة تعاطي المرجعيات الفلسطينية مع قضايا اللجنة ومتطلّبات لوازم العمل الخدماتي بمستوى من المسؤولية بـدل تركهـا فارغـة اليـد وهي مؤسسة خدماتية وعلى مستوى عالٍ من الأهمية، وهو ما لا يليق بشرعية منظمة التحرير ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني، ويحول دون آداء اللجنة لواجباتها بشكل فـوري وبحينـه، ما يجنّبهم "عتب الصديق وتَشفّي المبغض". ويسوق أحدهم أنموذج قيام الجهات المجتمعية بحركة حماس في المخيم مؤخراً ومشكـورة بحملة نظافـة بجمع النفايات بسياق "العمل الفوري وبحينه"، حيث استأجرت لـذات الغاية عـدة سيارات وشحنت بحينه النفايات إلى خارج المخيم.