خاص/ مجلة القدس العدد 319- حوار: وسام خليفة

منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وضعت القيادات الاسرائيلية نصب اعينها المسجد الاقصى وبدأت بالعمل على السيطرة عليه لإقامة الهيكل المزعوم بعد هدمه. وخلال الفترة الاخيرة ازدادت الجرائم الاسرائيلية بحق المسجد ومَرافِقِه من اعتداءات وتخريب وتدنيس طاولت حتى المرابطين فيه، بالاضافة الى ازدياد نسبة اقتحام المستوطنين الاسرائيليين لباحات المسجد بحماية الجنود الاسرائيليين في سعي حثيث يهدف لتقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً كما حدث في الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل. ولتسليط الضوء على الأحداث القائمة أجرت "القدس" حواراً مع مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس المحامي أحمد الرويضي لتقييم الوضع في المسجد الاقصى ومعرفة الخيارات المتاحة امام السلطة الفلسطينية لمواجهة هذا المخطّط.

كيف تصف الهجمة الإسرائيلية على المسجد الاقصى؟ ولماذا اختير برأيك هذا الوقت بالذات؟
لقد بدأت الهجمة على المسجد الأقصى المبارك مباشرة بعد احتلال القدس، فنذكرُ انه تم اقتحام المسجد في العام1969، تلا ذلك المجازر التي ارتُكِبت فيه في العام 1990 واقتحام شارون له العام 2000 والمجزرة التي ارتُكِبت خلال الانتفاضة الثانية. لكن منذ 25 شهراً تقريباً واسرائيل تحاول تطبيق التقسيم الزماني للأقصى بحيثُ يتم تخصيص فترة صباحية لدخول اليهود فقط للمسجد الأقصى المبارك ومنع المسلمين بالكامل من دخوله، وهي فترة تمتد من الساعة 7 الى الساعة 11. أمَّا التقسيم المكاني فهو تخصيص جزء من المكان في المسجد الاقصى لصلاة اليهود والهدف منه هدم المسجد الاقصى وبناء هيكل لليهود. ورغم محاولات إسرائيل تطبيق ذلك منذ زمن بعيد، إلا أنها لم تعلن هذا على مستوى رئيس حكومة اسرائيل إلا في الفترة الأخيرة، وان كانوا يعطون الضوء الاخضر للمستوطنين لاقتحام الأقصى. وبالتالي هناك ثلاثة عوامل تُنبِئ بأن الوضع صعب ومختلف عن المرات السابقة. أولاً، أن تصريحات نتنياهو العلنية بالتقسيم الزماني التي نسمعها اليوم لم تكن قائمة في السابق، فحتى في العام الماضي عندما كانت هناك إجراءات مماثلة ضد المسجد الأقصى ذهب نتنياهو الى الأردن وأعطى تعهُّداً للملك عبد الله الثاني بحضور وزير الخارجية الامريكي بعدم التغيير في الوضع القائم في المسجد الاقصى المبارك بمعنى ان تبقى الاوقاف الاسلامية المسؤولة عن المسجد الاقصى. وثانياً، تبرز محاولة حرق المسجد القبلي حيث شاهدنا الدخان يتصاعد بصورة مشابهة لما حدث في العام 1969، وهذا أمر خطير يُنذر بتقسيم مكاني في المسجد الأقصى كما حدث من تقسيم للحرم الابراهيمي بعد ارتكاب المجزرة بالمصلين فيه، ومن ثم تمّ تقسيم المسجد الابراهيمي مكانياً، وبالتالي هم يريدون الآن إما حرق المسجد الاقصى او ارتكاب مجزرة فيه ليتم من خلال ذلك الانتقال للتقسيم المكاني. أمّا ثالثاً، فقد شاهدنا منع الاوقاف الإسلامية والحراس من القيام بدورهم في المسجد الاقصى، وهذا أمر جديد لم نكن نشاهده في السابق. وهذه الاقتحامات المتكررة والاغلاق الكامل للمسجد الاقصى المبارك يدعونا هذه المرة لأن نقول ان الأمر مختلف، فالاحتلال يحاول فرض أمر واقع على الأرض وجعل التقسيم الزماني ثابتاً والخلاف الآن يصبح على التقسيم المكاني. ومن هنا فإننا نحتاج الى تحرك شعبي ودولي اكبر، والكل اصبح مهتمّاً الآن ويتابع ما يجري في المسجد الاقصى المبارك.

كيف تُقيّم حركة التصدي لهذه الهجمة من قِبَل الشبان الفلسطينيين والتنظيمات الفلسطينية؟
بدايةً كل التحية لأبناء شعبنا وخاصة المرابطين والمرابطات فهؤلاء هم من يتصدون للمشروع الاسرائيلي وهم في الحقيقة الذين منعوا نتنياهو حتى اللحظة من التقسيم الزماني والمكاني للاقصى بوجودهم الدائم في المسجد وتحديهم لكل اجراءات الاحتلال، فرغم كل هذه الاجراءات الامنية والقانونية من طرف الاحتلال وكل المحاولات لفرض الامر الواقع، واطلاقهم الرصاص على المعتصمين في المسجد الاقصى إلا أن المرابطين بقوا ثابتين ولم يمكنوهم من تحقيق شيء.
أمّا القوى الوطنية فبرأيي هي لم تقم بواجبها بشكل ملائم حتى اللحظة رغم أنها مسوؤلة عن قيادة العمل الشعبي وعن تحريك الامور ومتابعة كل ما يتعلّق بالمسجد الاقصى مع اهلنا في القدس. لذا فهذه دعوة للجميع للعمل على الوحدة الوطنية وإعادة ترتيب أوراقنا لنكون على اتم الجاهزية لمثل تلك الامور، ونحن لا شك نطالب العرب والمسلمين بالدفاع عن الأقصى ولكنه في النهاية مسجدنا وعلينا مطالبة أنفسنا أولاً.

ما هي الخطوات التي اتخذتها الفصائل لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على الأقصى وخاصة حركة "فتح" باعتبارها التنظيم الاكبر في الساحة الفلسطينية؟
كل التحركات التي تُنفَّذ الآن هي من قِبَل قيادات سياسية، وهناك تحركات من الرئيس ابو مازن تحديداً بالتنسيق مع الاردن الشقيق ومع جلالة الملك عبد الله الثاني، وكانت هناك اتصالات أُجرِيَت مع الرئيس المصري ومع جامعة الدول العربية ومع الرئيس التركي ومع منظمة التعاون الاسلامي ومع الامين العام للامم المتحدة، وأيضاً مع بابا الفاتيكان. والآن هناك أيضاً طلب مقدَّم من الخارجية الفلسطينية يدعو لاجتماع عاجل لمنظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية، بالإضافة لوجود تحركات غير مسبوقة على المستوى السياسي. ولا بدّ أن أؤكّد اننا لن نقبل لا بتقسيم زماني ولا مكاني، وبالنسبة لنا القدس هي عاصمة دولة فلسطين وبالتالي فهي معركة مفتوحة مع الاحتلال بالنسبة لحركة "فتح".
وجدير بالذكر أن إقليم حركة "فتح"في القدس ينشط بتفعيل العمل الاجتماعي والمقاومة الشعبية في القدس، وبالتالي اخواننا يقومون بترتيب بعض النشاطات المهمة جداً في المسجد الاقصى المبارك والتي بدأت في شهر رمضان، وقبل ذلك كانت هناك محاولة لربط الناس مع المسجد الاقصى المبارك بحياتهم الخاصة من خلال عقود الزواج التي تقام في الاقصى وكان ابناء "فتح" يدفعون تكاليف كتب الكتاب بما فيها احتياجات "الدبل" وغيرها وكل ذلك يصب في محاولة لربط الناس بالمسجد وليكون هناك حركة دائمة فيه، وايضاً بالمقاومة الشعبية التي تنشط للدفاع عن المسجد الاقصى، ولا بدّ ان ننوّه إلى أن ابناء حركة "فتح" هم القائمون على قيادة الحركة في داخل المسجد الاقصى وهؤلاء المرابطون معظمهم من حركة "فتح".

ما رأيك بالموقف العربي والإسلامي والدولي تجاه هذه الاعتداءات المتكرّرة على المقدسات الإسلامية وخاصة المسجد الاقصى؟
نحن نعوّل بالأكثر على أبناء شعبنا، وفي الحقيقة فإنّ أبناء شعبنا مبدعون في اختيار الطرق للدفاع عن قضيتهم وحقوقهم وهم منذ 48 عاماً يبتدعون طرقاً مختلفة. أمّا الموقف العربي، فلا يسعني للاسف إلا أن أقول أنه ضعيف جداً وخجول والتحركات العربية لا ترقى للمستوى المطلوب والمتوقَّع عندما يكون هناك هجوم على ثالث الحرمَين الشريفَين، وبالتالي فالأمور مخجلة عربياً وإسلامياً ولا تستحق الذكر باستثناء العلاقة الفلسطينية الاردنية الداعمة للمسجد الاقصى المبارك والتحركات الاردنية التي نعتز بها ونعتبرها ايجابية وتتناغم كثيراً مع متطلّباتنا، ومع ذلك نحن مستمرون بالتواصل مع كل الاطراف العربية والاسلامية لأنه وفي النهاية هذا امتداد للمقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو أنه اذا كان الوطن العربي مُقصِّراً فأين رجال الدين الذين نسمعهم في المؤتمرات التي تُعقَد باسم القدس يتحدثون بصوت عالٍ ويدافعون عن حقوق القدس وحين تحدث هجمة على القدس لا يُسمَع لهم اي صوت؟! وهذا يطرح العديد من التساؤلات ايضاً. فغياب دور بعض الاحزاب السياسية في الدفاع عن القدس وتحريك الشارع العربي والاسلامي هو نوع من التقصير أيضاً. بالطبع نحن نعرف ونقدّر ظروفهم الداخلية، ولكن في الوقت ذاته هذا شرف الأمة، وحين تتحدّث عن الأقصى تتحدّث عن اولى القبلَتين وثالث الحرمين، لذلك نحن نشدد على ضرورة التواصل مع كافه الاطراف العربية والإسلامية.

ما رأيك في ما يقوله البعض عن كون الدور الفلسطيني نفسه ضعيفاً في حماية الاقصى؟
برأيي هذه محاولة لتقليل دور المدافعين بدمائهم عن المسجد الأقصى المبارك. نحن نعلم ان هناك جدار فصل عنصري يمنع أهل الضفة الغربية وغزة من الوصول الى القدس، ونعلم ان هناك حواجز عسكرية، وبالتالي أهلنا في القدس يقومون بواجبهم برباطهم بالمسجد. ويوم الجمعة مُنعَت الصلاة على من يبلغون من العمر اقل من أربعين عاماً، لكن الناس وصلوا الى الشوارع وتظاهروا، والآن هناك مواجهات يومية مستمرة في اكثر من موقع داخل القدس منها سلوان وحي البلدة القديمة في العيسوية وجبل المكبر، وهناك إصابات بين الجنود الاسرائيليين والمواطنين، وهذا يعني أن القدس تقوم بواجبها واهلنا في القدس حين يقومون بواجبهم يقومون بذلك نيابة عن الشعب الفلسطيني كله، لكن من ناحية اخرى نحن نطالب الفصائل والقوى السياسية ان تعيد ترتيب أوراقها فيما يتعلّق بالقدس، وهذا ايضاً يشمل المجتمع المدني والقطاع الخاص حيث ان هذا الانسان الفلسطيني الموجود في الأقصى والذي يدافع عنه بحاجة الى دعم، وهنا يأتي دور الأحزاب إذ علينا الآن أن نتجاوز كل خلافاتنا الداخلية وان نجعل عنوان عملنا القدس والاقصى المبارك لأنه من غير المعقول ان يكون تركيزنا مُنصبّاً الآن على قضايا تتعلّق بمصالح ضيقة على حساب القضية الاساسية وهي القدس.

ما تعليقك على اتهام البعض السلطة بالتقصير في دعم القدس مقابل دعم الاحتلال الاستيطان بملايين الدولارات؟
اذا كنا نريد القدس ونريد الحفاظ عليها علينا إعادة ترتيب اوراقنا على عدة صُعُد. أولها إعادة ترتيب ملف القدس مما يوفّر دعماً عاجلاً وثابتاً للمقدسيين ولمؤسساتهم بما في ذلك الدعم التنموي. ثانياً، القطاع الخاص الفلسطيني الذي بإمكانه تنفيذ مشاريع داخل القدس بهدف الحفاظ على الحق الفلسطيني في القدس. ثالثاً، على القوى والفصائل الوطنية والاسلامية ومؤسسات المجتمع المدني التي رحلت أغلبها الى رام الله العودة الى القدس وتنظيم علاقتها بحيث تمثّل الشريحة الممثّلة للقدس ولا تخضع لأجهزة الدول المانحة التي تبعدها عن المدينة. واخيراً، فالإعلام أيضاً مطلوب منه النقل الدائم لما يحدث في القدس وخاصة لجهة المتابعة اليومية للأحداث لأن اسرائيل تحاول تشويه الصورة لتُظهِرَ الوفود الصهيونية التي تدخل الأقصى وكأنهم قادمون ضمن برنامج سياحة، وهنا يأتي دور الإعلام لإبراز الغاية الحقيقة من قدومهم وهي إقامة هيكلهم المزعوم، وبالتالي تقع المسؤولية الكبرى على الإعلام الذي يؤدي دور هذه الأربع مركبات، لإعادة ترتيب اوراقنا في القدس. كذلك تبرز الحاجة للدعم العربي والإسلامي، وهو ضعيف جداً، ومع ذلك نحن سنستمر في التواصل مع الحكومات العربية التي تدعم القدس حسب بياناتها السابقة وما تصرّح به هذه الدول لوسائل الاعلام وعبر صفحاتها على الانترنت عن كونها تنفّذ هذه المشاريع فنقول لهم اننا جاهزون للتعاون بإرسال الدعم المباشر للمؤسسات وربطها مباشرة معها ولا يوجد لدينا مانع،فالهدف ان تبقى هذه المؤسسات قائمة بدورها حتى تحافظ على الانسان الفلسطيني في القدس.

ما هي الخيارت المتاحة أمام السلطة في ظل هذه الظروف التي تمر بها القدس؟
اولاً بما يتعلّق بالمحكمة الجنائية الدولية هناك جرائم كهدم المنازل والاعتداء على المقدسات والاستيطان وهي تعدُّ جرائم حرب، وعندما قُدِّم ملف الاستيطان الى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية شمل هذه الجرائم وكل ما يحدث في مدينة القدس. المسألة الثانية، هي أن هناك خطاباً للسيد الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية تدرس خيارات كثيرة لإعلانها ضمن هذا الخطاب،ولا ننسى أننا دولة تحت الاحتلال وحتى لو كنا بصفة عضو مراقب فلنا حقوق دولية اي انه هناك مسؤوليات على الدول والاحتلال لا زال يفرض نفسه على ارض الواقع بحكم ما يقوم به من استيطان وهدم للمنازل وحصار لغزة ومحاولات لهدم الاقصى ومصادرة الاراضي بالكامل في القدس، وهذه المسائل كلها تُدرَس من قبل القيادة الفلسطينية لإعادة ترتيب الملف الفلسطيني بشكل كامل.