خاص/ مجلة القدس- حوار /وسام خليفة

تسارعت الأحداث على الساحة السياسية الفلسطينية في الفترة الاخيرة خاصةً بعد تقديم سيادة الرئيس محمود عباس ومجموعة من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير استقالتهم من اللجنة التنفيذية بالتزامن مع الدعوة لعقد جلسة عاجلة للمجلس الوطني مما أثار أقاويل وتساؤلات عن اعتزام الرئيس الاستقالة من منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية، وسبب عقد الجلسة في هذا التوقيت. ومع اقتراب موعد عقد المؤتر السابع لحركة "فتح" في رام الله، برزت تكهُّنات عن برنامج المؤتمر وأهم ما سيُناقَش خلاله، خصوصاً في المرحلة الحرجة والدقيقة التي تمر بها القيادة والقضية الفلسطينية. وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها كان لنا لقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د.نبيل شعث.

ما صحة الخبر الذي تناولته العديد من وسائل الاعلام حول عزم الرئيس محمود عباس على الاستقالة؟

تمّت إساءة فهم موضوع استقالة الرئيس محمود عباس من اللجنة التنفيذية لـ"م.ت.ف"، فالاستقالة هدفها الاستفادة من المادة 14 التي تدعو لإيجاد لجنة تنفيذية جديدة اذا كان ثلثا اعضائها غير موجودين، وبالتالي هي طريقة لحث المجلس الوطني على الانعقاد لأن الهدف الاساسي من استقالة الرئيس ومجموعة من اعضاء اللجنة التنفيذية هو تفعيل اللجنة بشكل أكبر، وذلك من خلال العودة لشرعية المجلس الوطني. وفي الفترة الاخيرة تساءل العديد عن سبب التعجيل بانعقاد المجلس الوطني وما الذي سيتم نقاشه، لكن في الحقيقة السبب الوحيد لانعقاده هو انتخاب لجنة تنفيذية جديدة ولن تتم مناقشة اي موضوع آخر استناداً للمادة 14 لأن الهدف منها انقاذ المنظمة في حالة إصابَتِها بالضعف وفقد عدد كبير من اعضائها. بالطبع هذا لا يعني انه لن يتم التطرُّق لأمور اخرى، لكن هدف الاجتماع انتخاب لجنة تنفيذية جديدة غير فاقدة للشرعية وهدف هذا التغيير من قِبَل سيادة الرئيس هو بث روح الشباب في اللجنتين التنفيذية والمركزية التي ستقام انتخاباتها في المؤتمر السابع المقرر عقده في شهر كانون الثاني من هذا العام، فنحن نرى ما مدى سوء الوضع ونحتاج الى قيادة قادرة على مساندة الرئيس في مقارعة الاحتلال الاسرائيلي.

ما هي أبرز الملفات التي سيناقشها المؤتمر السابع؟

سيناقِش ثلاثة ملفات البناء الوطني أحدها، لكن التركيز سيكون أولاً على البرنامج التنظيمي لينبثق عنه عضوية المؤتمر وبناء عليه سيتم تشكيل لجنة مركزية ومركز ثوري جديدين، وثانياً على البرنامج السياسي الذي سيتناول كافة القضايا السياسية وكيفية البدء برؤية جديدة واضحة تتناسب مع هذه المرحلة. واللجنة التي تم تشكيلها، والتي أترأسها شخصياً، وضعَت برنامجاً سياسياً يعتمد في الاساس على مواجهة اسرائيل بالنهاية العملية لاتفاق اوسلو عن طريق المواجهة الشعبية والحراك الدولي لتغيير موازين القوى مثل محاولة عزل اسرائيل عن العالم ومقاطعتها دولياً، ومن اجل ذلك نحن بحاجة الى تنظيم الصف الوطني وايجاد آليات أنا مسؤول عن جزء منها، وهي باكتساب الدعم الدولي والاعتراف بدولة فلسطين لأن ذلك يؤسّس لواقع قانوني جديد نستطيع من خلاله  محاسبة اسرائيل ومطالبة كل دولة تعترف بنا بمقاطعة اسرائيل لما ترتكبه من جرائم بحقنا.

كيف تنظرون لما تناقلته وسائل الإعلام عن وجود مفاوضات بين اسرائيل وحماس لفك الحصار وبناء ميناء بحري جديد؟

أيّ مفاوضات تحدث خارج الشرعية الفلسطينية فهي جريمة. ليس الخطأ بفتح ميناء او مطار لغزة لأن من مسؤوليتنا فك الحصار عن أهلنا في غزة وكسر السجن الذي فرضته اسرائيل ودول عربية اخرى، ولكن اعتراضنا على مفاوضات حماس يكمن في نقطتين. الاولى لرفضنا سلخ غزة عن الكل الفلسطيني واعطاء اسرائيل فرصة لابتزازنا. أمّا النقطة الثانية فهي أنه لن ينجح اي اتفاق خارج الاجماع الفلسطيني. فإسرائيل لم تنفّذ أي التزامات تعهّدت بها امام العالم، لذا ماذا يضمن التزامها هذه المرة؟!

بلا شك نحن مع دعم غزة ولكن هذا الدعم لا يُترجَم على ارض الواقع،  ففي السنة الماضية دخل غزة مئة الف طن من الاسمنت فقط من ستة مليون طن تحتاجها، بسبب تضييق إسرائيل. نحن مع الاعمار ولكن على حماس ان لا تستغل هذه الظروف للاتفاق مع اسرائيل خارج الصف الوطني، وإلغاء غزة من الخارطة الوطنية الفلسطينية. حماس تتهمنا بأننا معنيون بحصار غزة لكن في الحقيقة نحن لا نريد سلخ غزة عن الكل الفلسطيني وجعلها كياناً مستقلاً عن فلسطين.

في هذه المرحلة نرفض التفاوض مع إسرائيل فقد أمضينا 20 عاماً في المفاوضات ولم ينتُج عنها شيء حقيقي يشجّعنا على الاستمرار، ونقطة قوتنا في اي مفاوضات قادمة هي نجاح حصارنا الدولي لاسرائيل والمقاومة الشعبية لتغيير موازين القوى مع إسرائيل ولن نذهب الى مفاوضات إلا بظروف مختلفة نكون فيها أقوى من السابق لنضع شروطنا كموعد محدّد لانسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة العام 1967 وإيقاف الاستيطان.

ما مدى صحة الاخبار التي سرت عن لقاءات سرية بين مسؤولين فلسطينيين واسرائيليين بخصوص المفاوضات؟

هناك فرق بين التكتيك والاستراتيجية، ففي يوم من الايام كانت المفاوضات استراتيجيتنا والمقاومة الشعبية تكتيكنا للضغط. أمّا الآن فأصبحت المفاوضات تكتيكاً، واعني بذلك أن صائب عريقات مثلاً عندما يلتقي نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سلفان شالوم ويقوم الأخير بإخبار عريقات بأمور تافهة وغير مهمة، فإن هذا يعطينا فرصة لنقول للعالم بأن اسرائيل غير معنية بحل وان المفاوضات عقيمة،وهكذا تصبح المفاوضات محاولة تكتيكية لاثبات ان اسرائيل سبب عرقلة ايجاد حل واضح وعادل.

أين وصلتم في الحراك السياسي والدولي لإقامة دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال وإيقاف الاستيطان؟

هناك عدة امور تجري في وقت واحد. فمن جهة ما زلنا نعمل على كسب اعتراف المزيد من الدول بالدولة الفلسطينية وهذه طبيعة عملي كمفوّض للعلاقات الدولية في حركة "فتح"، وآخرمهمة عمل لي كانت في بنما والمكسيك اللتين زرتهما للمرة الأولى وهناك خبر حصري أخص به مجلتكم، لقد أُبلِغت قبل ان نجري المقابلة بقليل أن بنما ستعترف بدولة فلسطين في شهر أيلول الحالي اثناء خطاب رئيس وزرائها امام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي يمكننا أن نرى أن مواقف الدول تتغيّر تجاهنا،وكنت قبل توجهي قد قلتُ للرئيس ليس عندي ضمانة أن اياً من البلدين سيعترف بدولتنا، فأجابني:"أنا شخصياً ذهبت الى كولومبيا ولم أنجح..فما الضرر حاول". ولكن بالطبع لا بد أن نشير إلى أن الاعتراف بفلسطين ليس مسابقة رياضية تُقاس بعدد النياشين والميداليات بل هو تثبيت لقاعدة قانونية تفيدنا في نضالنا ضد الاحتلال. فعلى سبيل المثال نستطيع رفع قضية في السويد على شركة سويدية تتعامل مع المستوطنات كونها اعترفت بنا وبدولة فلسطين واراضيها وهذا يُلزمها باحترام حقوقنا.

ومن جهة اخرى ما زلنا مستمرين بموضوع محكمة الجنايات الدولية والسعي لإيقاف الاحتلال، ومحاولة طرد اسرائيل من "الفيفا"(الاتحاد الدولي لكرة القدم)، كما اننا مستمرون بحملة مقاطعة اسرائيل دولياً ونتائج هذه الحملات باتت واضحة من خلال اعتراف اسرائيل أن حركات المقاطعة كلّفتها خسارة نحو 9 مليار دولار خلال العام الماضي.

إلى أين وصل الإعمار في غزة بعد مضي عام على العدوان الاسرائيلي؟

لا يوجد اعمار لأن اسرائيل تمنع ادخال الاسمنت بكمية كافية الى قطاع غزة. وللعلم فالمشكلة ليست مشكلة أموال، لأن الأموال موجودة، لكن ما قيمة الأموال إذا كانت إسرائيل لا تسمح بإدخال المواد الخام الاساسية مثل الاسمنت والحديد والمواد المهمة لإعادة الاعمار؟!. لذلك لن يتم إعادة اعمار غزة ما لم يتم الضغط على اسرائيل لفك حصارها ودخول المواد الاساسية للبناء.

الامر الثاني المعيق لإعادة الاعمار هو إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بما يسمح بفتح ممرات بين مصر وفلسطين لأن الممر الوحيد المتاح حالياً يتوفّر من الجانب الاسرائيلي لكن اذا سمحت مصر بفتح معبر رفح واصبح لدينا ميناء سيكون هناك بديل لإسرائيل لكن هذا الامر يحتاج الى وحدة وطنية.

ما ردكم على قول البعض إن تأخر إعمار غزة عائد للخلافات الفتحاوية الحمساوية؟

هذا كلام غير دقيق لأن المسألة مرتبطة كما أسلفت بمشكلة عدم السماح بدخول المواد الخام. ومن جهة ثانية تم دفع جزء من المساعدات للعديد من العائلات المحتاجة لكن الاستفادة منها كانت باستغلال النقود لوضع الأُسَر في فنادق او استئجار غرفة في بيت ولكنها لم تُدفَع لبناء بيت هُدِم. وقد التقيت رئيس الحكومة الفلسطينية الاخ رامي الحمد الله قبل فترة وجلس يقرأ لمدة ساعة ونصف عدة مشاريع منها المشروع القطري والكويتي والسعودي وغيرها، وبعد ان انتهى سألته كم طن اسمنت دخل الى غزة فأجابني: "100 الف"، فقلت له: وبماذا تفيد اذا كنا نحتاج اضعاف ذلك؟! وبالتالي ما يأتي من نقود يضيع في توفير امور اخرى غير الإعمار لعدم وجود ظروف تسمح بإدخال المواد، وفي الوقت نفسه غزة ليس فيها محاجر لتتم اعادة بنائها فهي ليست الخليل، لذلك يجب فتح المعابر ليتم الاعمار.