خاص/ مجلة القدس العدد 319- حوار: منال خميس

في الوقت الذي يدور فيه الحديث اليوم بحرارة عن مباحثات جديدة، يحاول بها المبعوث الدولي نيكولا ميلادينوف تحريك ملف "الهدنة طويلة الأمد" بين حركة حماس وإسرائيل، وذلك خلال زيارته الأخيرة لقطاع غزة، ولقائه القيادي في حماس اسماعيل هنية، وطرحه أمامه أفكاراً استبدل فيها طرح "الهدنة الطويلة الأمد" التي رعاها وفشل فيها طوني بلير المبعوث السابق للجنة الدولية الرباعية للسلام، بـ"خطوات تحسين وضع"، تتعهّد فيها حماس بوقف التسلُّح ووقف أي هجوم على اسرائيل، مقابل أن تقوم الأخيرة بتسهيلات من جانبها، تعصف أزمات أخرى ممتدة وملفات متراكمة قد تهدد حكم حماس لقطاع غزة.


تراكم الملفات والأزمات في غزة يضع سلطة حماس على المحك
يواصل الجيش المصري ضخ كميات كبيرة من مياه البحر الأبيض المتوسط، نقلَها عبر مواسير مياه، وذلك في محاولة منه للقضاء على أنفاق حماس الممتدة، بطول 14 كيلومتراً، عبر الشريط الحدودي المصري مع غزة، بهدف تدمير أكثر من 1000 نفق، الأمر الذي حوّل الأنفاق إلى مناطق من البرك الممتدة، مما جعل قيادات حماس تصرخ وتناشد السلطات المصرية بوقف إغراق هذه الأنفاق التي تعدُّ أهم شريانٍ اقتصادي لحماس.  
ومن جهة أخرى لا تزال ملفات الاعمار، والكهرباء، والمياه، والأمن، والتعليم، ومعبر رفح، والبطالة، والضرائب، وجماعة داعش، والاشتباكات مع عناصر الجهاد الاسلامي وغير ذلك كلها عالقةً وتزداد تراكماً شيئاً فشيئاً.
 فقد تداول نشطاء في حركة الجهاد الإسلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تُظهر عدداً من كوادر الحركة بعد تعرُّضهم لضرب مبرح واعتداء من عناصر أمن حركة حماس في غزة، في أول أيام عيد الأضحى المبارك على مرأى المئات من المواطنين وسط مدينة غزة.
وأظهرت الصور، كما نشرها موقع 24، آثار اعتداءات وحشية تعرّض لها كوادر حركة الجهاد الإسلامي، وبينهم أحد الصحفيين، خلال تواجدهم في "ميدان فلسطين"، حيث استخدم أمن حماس الهراوات دون أي مبرر، بحسب ما أفاد شهود عيان.
وتسبّب الحادث بحالة من التوتر بين الحركتين في غزة، خصوصاً أنه تزامن مع اعتداء آخر تعرّض له نجل القيادي في حركة الجهاد نافذ عزام، قبل أن يتم اعتقاله في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وفي مدن ومناطق مختلفة من القطاع تعالَت أصوات الحراك الشعبي الذي يطالب حركة حماس  بصفتها المسؤولة عن ادارة القطاع بالبحث عن بدائل وحلول، لمعالجة المأزق السياسي والإنساني الحاصل هناك، حيث أن تردي الأوضاع الإنسانية في القطاع وصل إلى حد غير مسبوق من المعاناة التي لا تطاق.
كما انطلقت في الأيام الماضية مظاهرات ووقفات احتجاجية جماهيرية غاضبة، في عدد من مدن القطاع، تطالب حركة حماس، بإنهاء أزمة الكهرباء الحادة التي يعاني منها قطاع غزة منذ حوالي ثماني  سنوات.
وكانت سلطة الطاقة في غزة، أعلنت الشهر الجاري، توقُّف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل بشكل كامل بسبب نفاد كميات الوقود اللازمة لتشغيلها، وعدم توريد كميات جديدة بسبب إغلاق المعابر.
وفي تقريره الصادر في شهر أيار الماضي، قال البنك الدولي، إن اقتصاد غزة يعدُّ ضمن أسوأ الحالات في العالم، إذ سجّل أعلى معدل بطالة في العالم بنسبة 43% ترتفع لما يقارب 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عامًا.
وقال التقرير السنوي، الصادر عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، "الأونكتاد"، مطلع الشهر الجاري، إن غزة قد تصبح منطقة غير صالحة للسكن قبل العام 2020، خاصة مع تواصل الأوضاع والتطورات الاقتصادية الحالية في التراجع.
عدم ايجاد مخارج لأزماتها يضع حماس في مأزق كبير
يرى الكاتب والمحلّل السياسي محمد حجازي في حديثه للـ"قدس" ان الحديث عن أزمات حماس، ومخارجها،  له عدة مستويات.
ويوضح ذلك قائلاً: "على المستوى السياسي يدور الحديث عن هدنة طويلة الأمد بين حماس واسرائيل أعتقدُ أنّها وصلت الى طريق مسدود لأسباب عديدة، تتعلّق بإسرائيل بشكل كبير، وليس فقط بحركة حماس حيث أن الأخيرة كانت متحمّسة أكثر لاتمام هذا الموضوع، والعديد من المحلّلين، ومنهم انا، يرون ان هذا الاتفاق هو عبارة عن اوسلو مصغّر بحجم قطاع غزة، وبحجم حماس، أرادت منه حماس ان تخرج من نطاق غزة الى الخارج، عبر فتح ميناء بحري يرتبط بقبرص التركية، ودعم تركي وبعض التفاصيل الاقتصادية التي تعتقد أنها من الممكن ان تسهل بعض أمورها".
ويضيف حجازي: "هناك مخاطر عديدة لهذا الاتفاق فهو يعزل قطاع غزة عن القضية الفلسطينية، ويكرّس دولة غزة التي تمَّت صناعتها منذ اكثر من ثماني سنوات، وهو يقسِّم الشعب الفلسطيني، ويقسِّم التمثيل السياسي للفلسطينيين، وينافس منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية على الهوية الوطنية، وبالتالي هو يتضمّن العديد من المخاطر، لأن المعركة الحقيقية بيننا وبين الاحتلال في الضفة الغربية ومدينة القدس، هناك الصراع الحقيقي وليس في غزة، لذا فالمطلوب ان تكون غزة جزءاً من النضال الوطني الفلسطيني لمواجهة الاستيطان، ومواجهة حالة التهويد والتقسيم".
ويتابع:" على الجانب السياسي أوجدت حماس ارباكاً سياسياً كبيراً بالقضية عبر مفاوضاتها مع الفاشل طوني بلير، الذي لم يقدِّم شيئاً للقضية الفلسطينية أصلاً، والتسريبات الصحفية تقول ان اسرائيل رفضت كل شيء مرتبط بهذا الاتفاق، حتى ان نتنياهو قال لبلير اذهب وكأني لم التقِ بك".
ويرى حجازي أن حماس أصبحت في مأزق حقيقي، إذ إنه لا يوجد لديها أي أُفق سياسي، ولا حتى برنامج، متسائلاً "ماذا ستفعل حماس بالمرحلة القادمة؟!"، ويضيف "اعتقد أن أمورها صعبة جداً، خاصةً أن هناك أزمة داخلية على صعيد عدم قدرتها على تسديد رواتب موظفيها الأربعين ألفاً وأحياناً تقول انهم خمسون ألفاً، وهناك أيضا الجناح العسكري "كتائب القسام" الذي يتلقّى رواتب، وهذا يحتاج الى أموال ضخمة، إضافةً إلى الضرائب التي تفرضها على قطاع غزة بمختلف المجالات، وللعلم فحماس لديها جهاز ضرائبي شديد الدقة، وشديد الترابط، ولكن رغم ذلك لم تكتفِ ذاتياً من هذه الضرائب، حتى الدعم الخارجي لديها صعوبات في أمره، وأعني الدعم القطري والتركي بالذات".
لا مخرج سوى باتمام ملف المصالحة
يوضح حجازي أن "حماس هي التي تحكم قطاع غزة وهي سلطة الامر الواقع هنا، وحكومتها ما زالت تعمل في القطاع رغم تشكيل حكومة التوافق الوطني، وكل مواطن في غزة يعلم ذلك، ويعلم أن حكومة التوافق لم تتمكَّن ولم تُمكَّن من بسط سيطرتها على القطاع او ترتيب مهامها فيه". ويتابع "منذ الحرب الحرب الاخيرة وكوارث عديدة تعصف بغزة، كملف الاعمار، وتدمير البنية التحتية، وأزمة الكهرباء منذ 8 سنوات. حماس وضعتنا في ازمة، ووضعتنا أمام مشكلات خطيرة جداً. فمشكلة المياه لا حلّ لها، وكذلك الأمر بالنسبة لمشكلة الاكتظاظ السكاني، كما أن لا حلَّ لإعادة الاعمار، ولا حلَّ لقضايا التعليم، وحتى الاونروا كانت في أزمة كادت أن تعصف بها ويتأثّر عملها بشكل كبير، لسبب بسيط ان حماس تسيطر على غزة، ولكن العالم لا يريد ان يتعامل مع فصيل او مليشيا مسلّحة تسيطر على قطاع غزة، والمشكلة ان حماس تقدم نفسها على انها تمثل الفلسطينيين،  وهي عن وعي تمارس ذلك ولكنها لا تعي مخاطره، مع أنها تعرف ان العالم لن يتعامل معها، فهناك مشكلة خطيرة بينها وبين مصر، بعد سقوط مرسي، حيث أن النظام المصري الحالي معادٍ تماماً للأخوان، وهناك معركة دموية بين النظام المصري والاخوان، وهذا الموضوع عكس نفسه على حماس التي لم تراجع نفسها ازاء العلاقة مع مصر".
ويستطرد قائلاً: "حماس حتى اللحظة لم تقم بمراجعة سياسية لكل برامجها ومواقفها السابقة حتى ان بعض المحلّلين يقولون انه كلما تشتد الازمات بها، تعتقد ان افتعال معركة مع اسرائيل يمكن ان يؤدي الى انفراجة سياسية لديها، وهذا ضعف، لماذا؟ لان اسرائيل تريد ان تبقي اللعبة كما هي، فإسرائيل تقول انها تريد تحسين وضع غزة وإحداث استدارة بوضع سكان قطاع غزة، ولكن الامور تبقى كما هي، لان حماس تحكم غزة".
وعن الحلول لتلك الأزمات يقول حجازي:" الحل الوحيد امام حماس هو ان تذهب الى الرئيس ابو مازن والى السلطة الوطنية الفلسطينية، وتنهي هذه الأزمة بإتمام ملف المصالحة وتمكين حكومة التوافق من ترتيب مهامها في القطاع، واعتقد ان هذا برنامج سيكون اقل تكلفة لها من اية مواجهة مع الاحتلال".
ولم يستبعد حجازي أن تُصدِّر حماس أزمتها عبر حرب جديدة مع الاحتلال كما الحرب السابقة، ولكن بحسب رأيه الأمر يحتاج الى وقت أكثر وتسخين اكثر مؤكّداً أن "حماس لا يوجد لديها مراجعة سياسية حقيقية لجميع ما يحدث، فحتى مشكلتها مع السلفيين في غزة أخذَت مظاهر الاشتباك والاعتقال وتم إنهاؤها بالتفاهم، ولكن يبقى هذا خطراً كامناً وغير آمن في غزة يمكن ان ينفجر في وجه حماس، كما انفجر في بعض الدول العربية الأخرى".
وكان المنسّق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، قد قال في تصريحات صحفية أثناء تواجده في غزة، "إن المنظمة الدولية تبحث عن حلول عملية لحل مشاكل وأزمات قطاع غزة الإنسانية والاقتصادية". مضيفاً أن "إعادة إعمار القطاع، وتحسين الوضع الاقتصادي، يتطلّب تمكين حكومة الوفاق الفلسطينية من مسؤولياتها في القطاع، وتسلُّمها لكافة المعابر".
تدمير الأنفاق يصيب اقتصاد حماس في مقتل
أصابت الخطوة التي قام بها الجيش المصري بتدميره الانفاق الحدودية اقتصاد حركة حماس في مقتل، حيث قال مسؤولٌ في محافظة شمال سيناء في تصريحات صحفية ان حكومته مصمّمة على إغلاق كافة الأنفاق الحدودية نهائياً.
وأوضح المسؤول أن الخطوة الأخيرة تهدف إلى تدمير الأجسام الرئيسة للأنفاق حيث أن الجسم الرئيس تتفرّع منه عدة فتحات متعدّدة الأحجام وتلتقي كلّها في ذلك الجسم منه إلى قطاع غزة مباشرة مشيراً إلى أن المهربين كانوا يعيدون فتح الأنفاق مرة أخرى ويناورون بتغيير أماكن الفتحات، لكن التطور الجديد بتدمير "الجسم الرئيس النفق" يجعل إعادة تشغيل النفق مرة أخرى أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلا".
ويقوم الجيش المصري بمد أنبوب مياه كبير قطره 20 بوصة، على عمق 10 أمتار في باطن الأرض، على طول الحدود مع غزة، والأنبوب مثقوب من جهة واحدة يتم توصيله بالبحر المتوسط حيث يتم سحب المياه وتفريغها من خلال ثقوب في جسم الأنبوب في المنطقة المتاخمة للحدود حتى يتم غمر الأنفاق التي لم يتم الكشف عنها وجعل التربة غير صالحة لعمل أنفاق جديدة.