في فجر اليوم الثالث لعيد الفطر، التاسع عشر من تموز الحالي انفجرت خمسة عبوات تحت سيارات تابعة لكوادر من كتائب عز الدين القسام وكتائب بيت المقدس في وقت متزامن ودون إيقاع اية اصابات. حركة الانقلاب الحمساوية وجهت الاتهام اولا للسلطة الوطنية عموما وجهاز المخابرات خصوصا؛ ثانيا اتهمت الجماعات السلفية في قطاع غزة؛ ثالثا آخرون وجهوا الاتهام لحركة حماس نفسها. ويبدو ان الافتراض الاخير، هو الاقرب للواقع. لان التكفيريين اصدروا بيانا، اعلنوا فيه نفيهم للاتهام الحمساوي. اضف الى ان السلطة وجهاز مخابراتها، لم يلجأوا يوما لهذا الخيار منذ الانقلاب اواسط العام 2007، وليس مدرجا على جدول اعمالهم، لان خيارهم يتمثل بانتهاج خيار المصالحة الوطنية. كما ان اجهزة الانقلاب الامنية، تراجعت عن الاتهام الموجه للمخابرات.

غير ان الملفت للنظر في الاتهامات آنفة الذكر، غياب إتهام دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. ولم يكن هذا الغياب اعتباطيا او تجاهل غير مقصود، وهذا بحد ذاته، يحمل رسالة جلية لكل ذي بصيرة، واحد عناصر الحصول على شهادة "حسن السير والسلوك" الاسرائيلية.

إذاً لماذا التفجيرات الان؟ ولماذا إستهدفت العبوات الناسفة سيارات كوادر حركة الجهاد الاسلامي ايضا ؟  ولماذا توجيه الاتهام لجهاز المخابرات ثم التراجع عنه؟ وكيف استطاعت اجهزة حماس خلال ساعات الاعلان عن القبض عن المنفذين، في حين انها فشلت في الوصول لمن نفذ التفجرات الخمسة عشر في شهر تشرين الثاني 2014 حتى الان، التي طالت قيادات وكوادر حركة فتح ومنصة احياء ذكرى رحيل الزعيم ياسر عرفات؟ اين السر في ذلك؟ وما هي الرسالة او الرسائل، التي أرادت توجيهها حركة حماس للقوى والاطراف المختلفة؟

مما لا شك فيه، ان التفجيرات الاخيرة، واقتصارها على الاضرار المحدودة بالسيارات المستهدفة، كانت تحمل رسائل لاكثر من جهة فلسطينية واسرائيلية. وكان لإدراج سيارات بعض كوادر كتائب بيت المقدس، رسالة وهدف، وما رافقها "التفجيرات" من اتهامات متعددة في آن ايضا رسائل وغايات. تتجلى في، اولا نفي اي تهمة عن حركة الجهاد الاسلامي ؛ ثانيا تحييدهم عن اي اصطدام لاحق مع الجماعات التكفيرية، المنافسين الجدد، وكسبهم (الجهاد) الى جانب حماس، اذا إستدعت الضرورة قبل ان يات دورهم في التصفية؛ ثالثا الزج بالسلطة وجهاز المخابرات العامة، هدف الى التحريض عليها، وتعميق لخيار الانفصال، وفتح الافق لحملة اعتقالات جديدة ضد رجالات السلطة ومنتسبي الاجهزة الامنية الشرعية؛ رابعا كتابة شعارات وتهديدات "داعش" بجوار بعض السيارات المستهدفة، وتسليط الضوء عليها، يعني، الايذان بفتح المعركة مع الجماعات السلفية الجهادية، رغم ان حركة حماس، هي من اوجدها، وهيأ لها التربة للتمظهر في الشارع الفلسطيني (محافظات الجنوب)، إلآ انها في اللحظة السياسية الراهنة، وفي ظل وجود تعارض بين تلك الجماعات وسياسات حركة حماس، امست معنية، بفرض سيطرتها الكلية على الشارع الغزي، وعدم السماح لوجود اي صوت معارض لدردشاتها مع اسرائيل، وبالتالي، ارسال رسالة واضحة لحكومة نتنياهو واجهزتها الامنية، ان حركة الانقلاب، هي من يسيطر على الشارع، وهي القادرة على ضبط الامن في قطاع غزة. ولهذا قامت بحملة اعتقالات طالت عددا من اعضاء وكوادر تلك الجماعات، ومازالت تطارد آخرين.

وفيما يتعلق بادعاء القبض على المتهمين من الجماعات السلفية الجهادية، كما اشير آنفا، هي تدشين مرحلة من الصراع بين حماس وتلك الجماعات. وطالما لدى اجهزة حماس الامنية هذه القدرة على اكتشاف الفاعلين للتفجيرات، لماذا لم تكتشف حتى الان، الفاعلين السابقين، الذين إستخدموا ذات الاسلوب في تزامن التفجيرات، وعدم تعريض اصحابها او المواطنين للضرر؟ هل هو عجز ام قرار سياسي لحكومة ظل حماس، وقوى الانفصال المتنفذة على الارض؟ بالتأكيد هو القرار السياسي لقيادة الانقلاب الحمساوية، لانها تدفع نحو التحالف الضمني مع إسرائيل من خلال تجسيد الهدنة الطويلة لقاء تكريس الامارة، وبناء الجسر العائم، وضرب المشروع الوطني.