نشأته

ولد خليل ابراهيم الوزير فى مدينة الرملة بفلسطين فى العاشر من أكتوبر 1936م لأب رقيق الحال ودخله لا يكاد يكفي تأمين متطلبات أسرته المتوسطة العدد. كان خليل أكبر الأبناء وأكثرهم ذكاء وقد ظهر نبوغه أثناء دراسته فى السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية. وتفتحت عيناه وهو في الثانية عشرة من عمره على نكبة اللد والرملة عام 1948م.

 

رحلة الشتات والنشاط الوطني

بعد استقرار الأسرة فى مدينة غزة اكمل خليل دراسته الابتدائية والتحق بمدرسة فلسطين الثانوية عام 1951 م ليبدأ نشاطه السياسي المبكر فكان يكتب مقالاته السياسية فى مجلات الحائط المدرسية ويزورها بالصور التي كان يلتقطها لأبناء شعبه فى مخيمات اللاجئين والتي تعبر بصدق عن أحوالهم البائسة، وفى عام 1953م أصبحت مقالاته تظهر أفكاره الحماسية الأولى حول مأساة شعبه وعدالة قضيته.

جرى انتخابه رئيساً لاتحاد طلبة مدرسة فلسطين الثانوية فى غزة وقد استخدم موقعه الجديد فى توسيع علاقاته داخل المدرسة وخارجها. وكان أول نشاط علني يقوم به هو رفع الإعلام الفلسطينية فوق سارية المدرسة وسائر مدارس قطاع غزة والتي كانت تخضع آنذاك للإدارة المصرية العسكرية.

وفى عام 1955 م انهى دراسته الثانوية فى غزة وتطور نشاطه إلى كتابة المنشورات السياسية السرية وتوزيعها فى قطاع غزة. وساهم بشكل فعال فى صياغة المنطلقات الأساسية والأدبيات السياسية الأولى لحركة فتح بدءًا من عام 1957م. وفى أكتوبر 1956 م أسهم فى تأسيس مجلة "فلسطيننا" التي كانت تصدر شهرياً من بيروت ويشرف عليها توفيق حوري وقد لعبت هذه المجلة دوراً بارزاً كداعية وممرضة رئيسية لحركة فتح.

 

الاغتراب وولادة حركة فتح

عندما فتحت ابواب العمل فى منطقة الخليج العربي تعاقد خليل الوزير مع وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية عام 1956م، حيث عمل فى منطقة القنفده وقد لعب دوراً كبيراً في وضع لبنة العمل التنظيمي في السعودية قبل مرضه وعودته إلى القاهرة التي غادرها بعد ذلك للعمل فى الكويت.

التقى بالمهندس/ ياسر عرفات وتباحثا طويلاً فى الهم المشترك وسبل الخلاص من قيد الأنظمة والسعي إلى إيجاد شكل تنظيمي مناسب للتحرك المشترك العملي. كانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي عقد اجتماع تأسيس فى بيت أحد الإخوة يوسف عميره- توفيق شديد وفى هذا الاجتماع تم وضع الخطوط الأولى للعمل التنظيمي.

وفى الثالث والعشرين من سبتمبر 1963م، صدر قرار جمهوري جزائري بممارسة مكتب فلسطين لنشاطه فى خدمة قضية فلسطين بالعاصمة الجزائرية، وقد استهل خليل الوزير عمله بإصدار وثيقة تحمل عنواناً "هذا برنامجنا" وتحمل شعاري فتح "الثورة طريقنا للحرية"، "ثورة حتى النصر". وقد عمل على إصدار عدد من النشرات السياسية منها "صرخة فلسطيننا" "أخبار فلسطيننا - التي اشرفت عليها اللجنة الإعلامية" ثم أسهم في تأسيس نشرة "صوت العاصفة" ثم أسس مجلة "فلسطين المحتلة".

وفى عام 1962م عاد خليل الوزير إلى الضفة الغربية حيث تمكن من بناء تنظيم فى منطقة الخليل وبلغ عدده الأربعين عنصراً وكلف هذا التنظيم بشراء وتخزين السلاح.

كما نجحت فتح فى بناء تنظيمات قوية فى عدد من البلدان الأوروبية مثل النمسا وألمانيا ويوغوسلافيا وايطاليا قامت فى صفوف الطلاب والعمال الفلسطينيين الذين لعبوا دوراً مهماً فى الأرض المحتلة.

أما فى لبنان الذي يتواجد على أرضه ما يزيد على مائة وأربعين ألف لاجئ فلسطيني آنذاك فرغم المعاملة القاسية والقمع والاضطهاد اللبناني لهم على المستويين الاجتماعي والسياسي إلى الحد الذي كان فيه اللاجئ الفلسطيني لا ينتقل من مكان إلى آخر إلا بتصريح من الأمن اللبناني كما حدث عام 1958م بالرغم من كل ما تقدم فقد بدأت حركة فتح فى بناء تنظيمها فى لبنان وكان للعلاقات الخاصة للأخ / أبو جهاد مع عدد من الإخوة اللبنانيين بأن امكن حركة فتح من إصدار أول مجلة سياسية علنية هى "فلسطيننا نداء الحياة" في أكتوبر 1956م، والتي لعبت دوراً مركزياً ومهماً فى الدعاية والتنظيم لحركة فتح حتى نهاية عام 1964م.

وفى عام 1965 م انتقل الأخ / خليل الوزير واسرته إلى لبنان وقد حول منزله فى بيروت إلى مستودع للأسلحة والذخائر.

كان ياسر عرفات قد انتقل عام 1964 م من الكويت إلى سوريا وبصحبته عدد من قيادات وكوادر حركة فتح، كما انتقل أبو جهاد من الجزائر إلى سوريا وبرفقته مجموعة من قيادات وكوادر حركة فتح منهم: "أبو صبري، وأبو على اياد، ومنهل شديد" وقد عملت هذه القيادة على تصعيد العمل العسكري انطلاقاً من سوريا وبناء قواعد ارتكازية سرية أخرى فى الأردن ولبنان وقطاع غزة والضفة الغربية.

وكانت للعلاقات الشخصية التي بناها أبو جهاد مع القيادات السورية المتعاقبة أكبر الأثر فى دعم حركة فتح وعملياتها العسكرية.

كان بيت ابو جهاد اينما حل يتحول إلى مقر رئيسي للقيادة وعملها كما حدث فى الكويت والجزائر ولبنان وسوريا وقد استقبل بيته أول شحنه أسلحة قدمتها الجزائر ولا عجب أن أول مؤتمر حركي عام لحركة فتح عقد فى منزل ابو جهاد فى دمشق حيث حضره ثلاثون عضواً قيادياً توافدوا إليه من أغلب الأقطار التي اقيمت فيها تنظيمات سرية.

 

الانطلاق إلى آفاق العالم

لم يغب عن القائد / أبو جهاد أهمية الانطلاق إلى عالم أرحب لإعطاء الثورة الفلسطينية بعدها العالمي وشرعيتها الدولية، فمنذ عام 1962م نجح أبو جهاد فى عقد العديد من الصداقات مع ممثلي حركات التحرر فى العالم وخاصة مع الحركات الرائدة التي كانت تحظى بإعجاب وتقدير واهتمام الرأي العام العالمي مثل الجبهة الوطنية لتحرير فيتنام الجنوبية التي استطاعت بوحدتها الوطنية ان تحقق الانتصارات الكبيرة وقد فتحت هذه العلاقة للقائد ابو جهاد بوابات جديدة من العلاقات الأخرى التي لعبت دوراً مهماً فى دعم الثورة الفلسطينية ومساندتها سياسياً وإعلامياً وعسكريا، ومن خلال تواجد أبو جهاد فى الجزائر التي كانت محجاً لحركات التحرر العالمية وللشخصيات الوطنية والتقدمية فى العالم، كما نجح هذا القائد فى بناء علاقات قوية مع القوى الثورية والاشتراكية فى العالم مكنته وفتحت له ابواب الصين وكوريا الشمالية ويوغسلافيا والمانيا الديمقراطية التي أوجد اسسًا للعلاقات بينها وبين فلسطين فقد قام هذا القائد برفقة ياسر عرفات بزيارة تاريخية للصين فى الخامس عشر من مارس 1964م حيث حضرا فى اليوم التالي مهرجاناً شعبياً تضامناً مع فلسطين.

 

خليل الوزير رجل حرب

كان القائد / خليل الوزير رجل حرب من الطراز الأول فقد اعتمد العنف المسلح بشكل اساسي فى تجربته كقاعدة لا بديل عنها فى الصراع الطويل مع العدو الصهيوني.

ومن التجارب الرائدة التي لم يسبقه اليها أحد والتي جرت فى الأرض المحتلة هى تجربة تنظيم السجون والمعتقلات الصهيونية، هذا التنظيم شمل تسعة عشر سجناً ومعتقلاً صهيونياً تحت قيادة فلسطينية واحدة متسلسلة بدقة متناهية ويخضع لها أربعة آلاف معتقل موزعين على هذه السجون بانضباط حديدي إلى درجة أن السلطات الصهيونية فشلت فى تحطيم هذا التنظيم او اختراقه.

 

الاجتياح الصهيوني والرحيل إلى لبنان

اجتاح الجيش الصهيوني الجنوب اللبناني بدباباته ومدفعيته وطائراته وقواربه البحرية وقصف بيروت وقواعد المقاومة بآلاف الأطنان من التفجيرات والقنابل الفتاكة المحرمة دولياً ووجهوا بمقاومة خارقة من قبل المقاتلين الفلسطينيين الذين سجلوا بطولات اسطورية فى الصمود والتحدي إلى درجة أن القتال على المحاور كان ضارياً ومخيفاً إلى الحد الذي استعصى فيه على القوات الصهيونية التقدم ولو لشبر واحد. لأن خسائرهم كانت كبيرة.

أما القائد الجنرال / أبو جهاد فكان كالنحلة يطوف على مواقع المقاومة لاسيما المتقدمة منها غير عابئ بالموت الذي كان ينتظره فى كل موقع يزوره. لقد اعتاد هذا المحارب الشجاع أن يكون إلى جانب رجاله بل وفى مقدمتهم مؤازرًا ومشاركاً فى القتال وموجهاً تلاميذه للعمل الأصوب لأن القائد من وجهة نظره قدوة حسنة ومثل يحتذى به.

وفى الرابع من سبتمبر 1982م خطط القائد/ ابو جهاد لعملية اسر ثمانية جنود صهاينة فى منطقة يحمدون أمام غزو لبنان واحتفظ بهم فى طرابلس لإطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين واللبنانيين الخمسة آلاف من معتقل أنصار إلى جانب مائة من معتقلي الأرض المحتلة.

وفى العاشر من نوفمبر 1982م نفذ عملية اقتحام وتفجير لمقر الحاكم العسكري الصهيوني فى مدينة صور أودت بحياة ستة وسبعين ضابطاً وجندياً صهيونياً، كما كان مسئولاً عن توجيه وإدارة حرب الاستنزاف والعلميات الفلسطينية – اللبنانية المشتركة ضد قوات الغزو الصهيونية من عام 1982 م حتى عام 1984م.

عندما خرج القائد / ابو جهاد من لبنان فى نهاية اغسطس 1982 م كان على رأس الفدائيين الذين غادروا بيروت على ظهر الباخرة الإيطالية "سنتورين" التي حملتهم إلى ميناء طرطوس السوري حيث استقبلته الجماهير الفلسطينية والسورية بالحفاوة والترحيب وحملته على اعناقها، ومن ساعتها عمل على ترتيب الوضع العسكري العام للثورة الفلسطينية فى ظروف الشتات الجغرافي التي فرضتها اوضاع الخروج من بيروت واستمرار دول الطوق فى اغلاق حدودها فى وجه العمل الفدائي الفلسطيني لاسيما بعد سقوط الخيار العسكري، لم تدم اقامته فى سوريا طويلاً حيث غادر إلى تونس ومنها إلى الأردن ليقيم فيها من يناير 1985م حتى ابريل 1986م لمتابعة العمل فى الأرض المحتلة، إلا أن المضايقات الأمنية الأردنية المستمرة له والتي انتهت إلى إبلاغه بمغادرة الأردن ليستقر فى تونس ويواصل عمله بهمة ونشاط.

         

الانتفاضة الأولى في الأرض المحتلة

كان قرار القائد أبو جهاد بعد الخروج من لبنان هو العودة إلى الأرض المحتلة سيما وأنه وصل إلى قناعة تامة بأن القلعة الصهيونية لا تؤخذ إلا من الداخل، وخلال خمس سنوات متتالية وعامرة بالجهد الدءوب والعمل المعمق الصامت كان أبو جهاد قد أفلح في النهاية في تمهيد الطريق للانتفاضة.

ان الحديث عن الانتفاضة الشعبية وجنرالها ومهندسها / خليل الوزير يحتاج إلى مجلدات ضخمة. فهذا القائد ينظر إلى الانتفاضة الوطنية الكبرى فى الأرض المحتلة باعتبارها انتفاضة كل الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقواه واتجاهاته السياسية هذه الانتفاضة التي اسقطت الكثير من النظريات التخاذلية كما اسقطت اوهام البعض ورهانهم على أوراق / بيريز – رابين.

 

تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال

لقد اشترك فى التخطيط لعملية الاغتيال كل من ( دان شومرون رئيس الأركان العامة – ايهود باراك رئيس فرع العمليات العسكرية العقيد ايجال برسلو – مستشار شامير لمكافحة الإرهاب – آمنون شاحاك – قائد المخابرات العسكرية ورئيس الموساد ونائبه )

أما التنفيذ فقد تم كما قيل بعد الساعة الواحدة بدقائق من صباح يوم السادس عشر من ابريل 1988م، كان القائد/ ابو جهاد على الهاتف يرد على محادثة من احدى الدول الأوربية وقد توقف عن اكمال رسالته للقيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة حتى ينتهي الحوار ولم يكد ينهي محادثته حتى سمع صوت خلع باب منزله الذي يضم فيه والذي يقع فى ضاحية سيدي أبو سعيد بالعاصمة تونس فأدرك على الفور أن هناك أمراً جللاً قادم، سيما وأن أصوات أحذية تنهب الدرج الداخلي للمنزل وتصعد بسرعة فائقة إلى حيث مكتب أبو جهاد، لم يتراجع هذا القائد أمام القتلة الأربعة ولم يهرب ويختبئ بل واجههم وجهاً لوجه ومسدسه فى يده الذي لم يكد يطلق الرصاصة الأولى ويصيب أحدهم حتى بادره الآخرون بإطلاق زخات كثيفة من الرصاص الخاص أصاب بعضه كفه فانفجر المسدس فى يمينه ثم تناوب القتلة على الضحية فأطلقوا على رأسه وجسده أربعة وسبعين طلقة سقط الفارس وهو يتمتم بالشهادتين.

فقدنا قائداً عظيماً وبطلاً مناضلاً ثورياً عشق الشهادة فنالها كان رجلاً متواضعاً وهادئاً ومحاوراً من الطراز الأول ورجل الوحدة الوطنية وهو باختصار جياب الثورة الفلسطينية وقائد عبقري خلاق وهو بصدق قلعة الكفاح المسلحة.

نقل جثمانه الطاهر إلى دمشق الفيحاء حيث رافقه عشرات الآلاف من المودعين إلى مثواه الأخير ليواري التراب فى مقبرة الشهداء ولتطوي صفحة هذا القائد الذي يصعب تعويضه.

إعداد/ فتحية سعيد

 

القائــد الشهيد خليل ابراهيم الوزير أبو جهــــــــــاد