خاص مجلة القدس العدد 326 ايار 2016
تستمرُّ القيادة الفلسطينية والشعبية في سعيها من أجل عزل إسرائيل دولياً رداً على الجرائم الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. ورغم تغيُّر موقف وسياسات العديد من دول العالم تجاه اسرائيل والضغط عليها لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم الشرعية إلّا ان اسرائيل ماضيةٌ بالاستيطان والتوحُّش ووضع حكومات يمينية متطرّفة تستهدف كل ما هو فلسطيني بالموت وترفضُ أي حلول من شأنها أن توجد دولة فلسطينية ذات حدود وسيادة. وانطلاقاً من ذلك، أجرت مجلة "القدس" حواراً مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مفوّض العلاقات الدولية د.نبيل شعث للحديث عن آخر المساعي الفلسطينية لعزل إسرائيل وأهم التطورات في الملفات السياسية الفلسطينية.

إلى أين وصلت المساعي الفلسطينية في عزلِ إسرائيل؟
هذا الأمر يدخلُ في إطار ما يُسمّى العمل الخارجي الذي لا يقتصر على السياسة بل يشمل أيضاً العلاقات مع الجماهير ومع مؤسسات وأحزاب متضامنة معنا. فما نقومُ به هو دور غير رسمي لاستقطاب الشعوب، حيثُ أن عملنا الرئيس في مفوضية العلاقات الدولية هو بناء العلاقات السياسية والجماهيرية والشعبية مع الدول، ونحن مستمرون في كشف جرائم إسرائيل، وعازمون على إكمال المسير لأن هذه الجرائم لم تتوقّف. فالاحتلال قائم والاستيطان يزداد، وهناك سرقة لأرض ولمال الفلسطينيين واعتداء مستمرٌ على القدس والمقدسات الدينية، إضافةً إلى استمرار اعتقال أبناء شعبنا والتنكيل بهم في سجون الاحتلال، وحصار غزة.
نعم نحن حصلنا على جزءٍ كبيرٍ من اعترافات دول العالم بنا كدولة فلسطين، وما بقي من الدول لا أمل به مثل الولايات المتحدة الامريكية وتابعيها من كندا واستراليا وجزر المحيط الهادئ (الباسيفيك)، وهؤلاء ليس هناك من داعٍ لإضاعة الوقت معهم، ولكن بقيت بعض الدول في اوروبا التي لم تعترف بالدولة، واعتقد انها تنتظر الاعتراف الفرنسي الذي بعد أن وُعِدنا به بات الفرنسيون يتجنّبونه بحجة انهم لا يريدون ازعاج الإسرائيليين حتى يلتحق الاسرائيليون بالمبادرة الفرنسية الداعية لاقامة مؤتمر للسلام، وهذا أمرٌ غير واقعي، كون الإسرائيليين يرفضون المبادرة الفرنسية أو أي مبادرة دولية أو حلٍّ سياسي يُفضي لوجود دولة فلسطينية، وهم سعداء جداً بالوضع الراهن، فهو يساعدهم على سرقة الارض والاستمرار في جرائمهم، وهذا كافٍ بالنسبة لهم. لذلك هدفنا الأساس لم يعد كالفترات السابقة الحصول على اعترافات، بل الأولوية الآن لمواجهة إسرائيل في الخارج، وتشجيع مقاطعة البضائع الاسرائيلية في العالم، مع الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع التحدث عن المقاطعة الكاملة لاسرائيل لأنها لم تعلن رسمياً انتهاء الاتفاقات مع اسرائيل، ولكن نحن كحركة "فتح" ندعم المقاطعة في العالم، ونطالب كل دول العالم بمقاطعة اسرائيل. وقد استنكرتُ شخصياً تصريحات الرئيس الفرنسي التي تقول بأن الذين يطالبون بمقاطعة اسرائيل هم مجرمون عنصريون ولا ساميّون، إذ هل كانت فرنسا ضد الإسلام عندما قاطعت ايران وروسيا ومصر وسوريا والسودان والعراق في فترات مختلفة؟ ولماذا لم يتم اتهامها بما وصف؟ ولماذا فقط عندما نطلب الضغط على إسرائيل ومعاقبة هذه الدولة العنصرية الفاجرة التي تتحدّى كل الاعراف الدولية يُقال لا يجوز مقاطعة الشعب اليهودي وتجويعه؟! الواضح أنَّ اوروبا ما زالت بحاجة لهزّة حقيقية بما يتعلّق بإسرائيل، ونحن ما زلنا بحاجة الى عمل اساسي وهو التأثير الحقيقي على دول اوروبا ليفهموا حقيقة اسرائيل الأبرتهايدية الاستيطانية العنصرية لبلادنا، والعمل ما زال مستمراً لفضح اسرائيل في العالم ومعاقبتها على ما تفعله بأطفالنا وشبابنا ونسائنا وشيوخنا وقدسنا وبغزة، وهذه المواجهة تأخذ اشكالاً عديدةً منها الجماهيري والسياسي. وسأضرب لك مثالاً على أمرٍ حدثَ منذ فترة يتعلّق بقبرص الصديق العزيز القديم الداعم للشعب الفلسطيني. فمنذُ فترة اتجهت قبرص والحكومة اليونانية فجأةً للتحالف مع إسرائيل، والرئيس اليوناني الذي كان في يوم من الأيام يعتمرُ حطة ابو عمار ويهتِفُ من أجل فلسطين، أتى إلى اسرائيل بطائرة إسرائيلية، وانتقل هو ونتنياهو من تل أبيب الى قبرص، حيثُ وقّع نتنياهو والرئيسان اليوناني والقبرصي تفاهماً لتحالف إسرائيلي يوناني قبرصي، ونُشِرت مقالات في قبرص واليونان عن ان اسرائيل ضحية وان الفلسطينيين هم المجرمون والعرب هم المتعصّبون ولا يقبلون بوجود إسرائيل، وهم من يخرِّجون داعش والعنف، لذلك كتبتُ مقالةً للرد انتشرت في كل العالم، وتُرجِمت الى اليونانية، ونُشِرت خلال يوم واحد في أهم ثلاث صُحف في اليونان، عنونتُها (فلسطين قبرص واليونان) حيثُ عاتبتُهم فيها، وذكّرتهم بمواقفنا كفلسطينيين معهم في وجه الاحتلال التركي، وصراعهم ضد البريطانيين، ونتيجة هذه المقالة استدعاني الرئيس اليوناني، واعتذر عمّا بدرَ منهم، واستجابوا لطلبات بخصوص 1000 لاجئ من لبنان وسوريا والعراق كانوا بدون إقامة وحق في العمل وبدون وثائق سفر لمساعدتهم للحصول على الأوراق اللازمة، وعُرِض علينا عقدُ اجتماعٍ فلسطيني قبرصي يوناني، وأكّدوا  التزامهم تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وما اقصده هنا أنّ العمل ليس فقط دبلوماسياً بل أحياناً عليك قرصُ مَن تحب من أصدقائك للمحافظة عليهم وايقاظهم من الوقوع في أخطاء بحقّك.
وفي المحصلة علاقاتنا جديّة بدول الاتحاد السوفياتي وآسيا وافريقيا وخصوصاً مع جنوب افريقيا، ولكننا نواجه صعوبات في جنوب أمريكا، فعلى سبيل المثال أصدقاؤنا في البرازيل تم اقصاؤهم من مراكزهم، وهناك ردة يمينية تعصِف بجنوب امريكا، ولكننا ما زلنا مستمرين في الحفاظ على علاقاتنا.

كيف تنظرون إلى تعيين "ليبرمان" كوزير دفاعٍ وتمكين اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية؟
نتنياهو يقودُ أسوأ حكومة يمينية متعصّبة فاشية في تاريخ إسرائيل، وجلبُه لليبرمان يؤكّد ذلك، للتأكُّد من أن كل اليمين يدعمهُ في ذلك، وكان لديه بديلان ليمكُنَ وضعَه إما ليبرمان او هيرتسوك من حزب العمل، طبعًا هو لـمَّح باستمالته لهيرتسوك، والذي يعدُّ أقل يمينيةً من ليبرمان للضغط على ليبرمان للتحالف معه بدون شروط كبيرة. وباختصار، هذه حكومة لا تريد اتفاقًا ولا سلامًا، هي فقط قائمة على الابتزاز، كما فعل نتنياهو مع الرئيس الفرنسي من ابتزاز عندما قال له اذا أردتم ان نوافق على إقامة مؤتمر دولي للسلام نفّذوا شروطنا، فاستجابوا لعدد من الشروط، مثل مطالبة رئيس الوزراء الفرنسي بالطلب من الدول العربية جميعاً الاعتراف بإسرائيل أولاً، مع العلم أن المبادرة العربية تقول إنّ الدول العربية ستعترف بإسرائيل عندما تنسحب من أراضينا، وعندما تقوم دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وتتحقّق عودة اللاجئين، فكيف يريدون من العرب أن يعترفوا بإسرائيل على أساس مبادرة لم تُعرَف معالـمُها بعد ولا المخرجات المنتظَرة منها؟ ومن الأمور الـمُستفزة أيضاً قول نتنياهو إنه سيذهب الى رام الله ليطالب الرئيس ابو مازن بوقف الارهاب!! إضافةً إلى حوار نتنياهو مع الرئيس السيسي حول مبادرة للسلام لينهي نتنياهو قوله بطلب قصر الأمر على لقاء ثلاثي مصري فلسطيني إسرائيلي في باريس والغاء المؤتمر الدولي، فنتنياهو يتلاعب ويستغل الوضع العربي الصعب وانشغال اوروبا وروسيا بأمُورهم وانشغال الأمريكان بمشاكلهم ومشاكل الشرق الاوسط، ولا يريد مؤتمراً دولياً يضغط على اسرائيل، ولذلك هو يسعى لتقوية الجناح اليميني المتطرّف في اسرائيل بضمِّ كل اقطابه الى الحكومة الإسرائيلية. وبالتالي هذه اسرائيل التي نواجهها، ولا أمل الآن أن تعود الى مفاوضات جادة، وهذا واضح من خلال شروط نتنياهو لمقابلة الرئيس ابو مازن، وهي ان يتنازل عن كل شروطه اي ان لا يطالب بوقف الاستيطان، ولا بالشرعية الدولية، ولا بحماية الفلسطينيين، ولا بدولة فلسطينية، أي أنَّه يريد من الرئيس ابو مازن ان يقابله بدون  شيء يحمله للدفاع عن شعبه. وبالتأكيد إن وجود ليبرمان واليمينيين ينذر بمزيد من التطرف والقتل ومزيد من الاستيطان وحصار شعبنا في غزة.

ما هي توقاعتك بالنسبة للمبادرة الفرنسية الداعية لمؤتمر للسلام؟
برأيي لا بدّ أولاً من عقد لقاء بين الرئيس ابو مازن والرئيس هولاند لتوضيح عدة أمور. أولها ما قاله رئيس الوزراء الفرنسي في القدس عند قدومه حيثُ شنّ هجوماً على قرار اليونيسكو بحماية المسجد الاقصى وهجوماً على وزير خارجيته الذي وافق على ذلك، بحجة أنّ إسرائيل لها الحق أيضاً فيه بما أن هيكلها المزعوم وجوده يقع في نفس المنطقة، فهو يقول انه لا يجوز الاعتراف بالمسجد الاقصى بدون الاعتراف بالهيكل المزعوم، وهذا موقف خطير يقف فيه امام جميع العالم مِن الذين صادقوا على القرار. هل يفعل كل ذلك ليغازل اسرئيل لتوافق على عقد المؤتمر؟ لماذا؟ انا أفهم أن كل هذا هو ابتزاز اسرائيلي، وهي محاولة لجر اسرائيل لمؤتمر للسلام، لكن هل يجب ان توافق اسرائيل على حساب مصالحنا؟ هم يريدون ان يعترف العرب بإسرائيل، وأن يكفَّ الفلسطينيون عن الارهاب حسب وصفهم، وأن يُقسَّم الاقصى الى اقصى وهيكل، وأن لا يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. نحن عندما قبلنا المبادرة الفرنسية فعلنا ذلك لأننا ملَلنا من أمريكا كراعٍ للسلام وهم أقرب إلينا من الأمريكان، ولكن يجب أن لا يخضعوا للابتزاز الإسرائيلي ليُعقَد المؤتمر، وأعتقدُ أنه على الرئيس أن يخبر هولاند بأننا نفّذنا ما طُلِبَ إلينا من موافقات عربية وعالمية، لأننا وثِقنا بكم ويجب عليكم ألّا تُضعِفوا موقِفَكم بالتنازلات، خاصةً أن التنازلات تُدفَع على حسابنا كفلسطينيين، ويجب أن تفهم فرنسا أن اسرائيل لا تأتي بالملاطفة بل بالضغط عليها، وهذا قانون العالم الضغط على القوي ليرضخ، فلولا العقوبات على ايران لما رضخت، ولولا العقوبات على روسيا بالشأن المتعلّق بأوكرانيا لما ذهبت لتتفق وتحل الموضوع، الضغط هو الوسيلة الناجحة ويجب على إسرائيل ان تفهم من خلال دول العالم بأنها اذا لم ترضخ للمطالب الدولية والفلسطينية العادلة فإنها ستُحاسَب من قِبَل الجميع، وليس بمزيد من الكرم والمنح والتدليل فالمشكلة ليست سوء تفاهم كما تعتقد بعض الدول بل المشكلة تعنُّت اسرائيل تجاه الحل.
وقد زارني صديق سياسي فرنسي وقلتُ له بما أن لديكم مبادرة أين العصا؟ فأجاب اي عصا، قلت العصا التي ستضرب بها اسرائيل اذا لم ترضخ لعقد المؤتمر. هل تعتقد ان اسرائيل ستقتنع بدون الضغط عليها؟ والعصا في هذه الحالة أمران. الأول هو تهديدها بالاعتراف بدولة فلسطينية من قِبَلكم، ومن قِبَل دول اوروبية اذا لم يرضخوا، والامر الثاني هو المقاطعة، اي أنكم لا تستطيعون ايقاف المقاطعة اذا لم تمتثِل اسرائيل وتحضر، فمن غير الضغط لن يوجد حل.
وبحسب الواقع الحالي ليس عندي توقّعات كبيرة للمؤتمر وما سيخرج عنه من نتائج مالم تتغيّر سياسة فرنسا واوروبا وتبدأ بالضغط على اسرائيل، ومع ذلك ليس خطأً ان يُعقدَ المؤتمر لنشرح وجهة نظرنا كفلسطينيين ونؤكّد عدالة قضيتنا.

ما صحة الخبر الذي تناقلَتهُ بعض وسائل الإعلام عن وجود نيّة لعقد اجتماع بين الرئيس ابو مازن والرئيس المصري ونتنياهو؟
كانت هذه محاولةً اسرائيليةً بالادعاء بأن هيرتسوك قادم ويعدُّ عرّاب السلام في اسرائيل كما يسوّق لنفسه، وأرادت مصر أن تشجعه بالإعلان عن أنها مستعدة لتستضيف قمة ثلاثية، ولكن بعد 24 ساعة نتنياهو أعلن بأنه سيُعيّن ليبرمان كوزير دفاع، ما أدّى الى غضب المصريين واستيائهم وسحبهم للمبادرة.

كيف ترى تصريحات الزهار الأخيرة والتي قرأها البعض كتشكيك بنضالات الشعب الفلسطيني وتاريخ الرئيس الشهيد ياسر عرفات؟
بلا شك هي تصريحات مسيئة جدًا، ودائمًا تصريحاته تحاول نسفَ ما توصّلنا إليه مع قيادته الشرعية والتي تتمثّل بخالد مشعل وموسى ابو مرزوق واسماعيل هنية، وهم من يتفقون معنا، بينما هو يمثّل جناحاً آخر، وتصريحاته تمثّل وقفاً للمصالحة وهذا خطأ كبير جدًا، لأنه لا أمل لنا بدون المصالحة، ومن الصعب جداً علينا مواجهة أعدائنا بدون وحدة، فنحن عاجزون عن تسيير عمل مجلس تشريعي أو مجلس وطني أو حكومة فعّالة لأن غزة منفصلة عنا، ومن هنا أدعو حماس الى ان تدع هذه التكتيكات الضارة وتعمل للوصول الى التوافق بأسرع وقت ممكن.

أين وصل ملف المصالحة بعد آخر اجتماع بين "فتح" و"حماس" في قطر؟
المشكلة تتمثّل للآن في موضوع الموظفين في قطاع غزة. فحماس تتحدّث عن 70 الف موظف يجب ان يتم تأمين رواتبهم وكل مستحقاتهم، وان يُضَموا للخدمة المدنية، وهذا عددٌ تضاعف مرة ونصف عن آخر مرة جلسنا فيها لحل الملف. ففي البداية كان 20 ألفاً والآن وصل إلى 70 ألفاً، ولحل هذا الملف هناك اجتماع في جنيف لدراسة الملف لمدة 3 أيام يجمع القيادات الفتحاوية والحمساوية لمناقشة الملف، وهناك تعهُّدات من سويسرا وقطر بالمساعدة اذا كان الموضوع يتعلّق بالنقود ليتم عملُ تسويات مع من يقولون بأنهم موظفين، وهي تستطيع استيعاب 20 الف موظف ولكن ليس 70 الفاً، فالموضوع ليس مقتصراً على راتب، بل يتضمّن التزامات اخرى حسب قانون الخدمة المدنية، فالسلطة متكفّلة بهم وبعائلاتهم، وهناك تأمين صحي لهم وتوابع اخرى كبيرة جدًا تتعدّى موضوع الراتب.