خاص مجلة القدس العدد "316"/ تحقيق: مصطفى ابو حرب

للعام الثالث على التوالي يزور شهر رمضان المهجّرين الفلسطينيين الفلسطينيين من مخيمات سوريا فيحل عليهم ضيفاً ثقيلاً يُذكّرهم بالايام التي خلَت واضعًا إياهم امام مسؤولية تأمين وجبة افطار إلزامية يعجز الكثيرون عن تأمينها وواقع مأساوي مرير لايقوون على تحمله.

جميلة عثمان: يأتي رمضان كي ينكأ جراحنا
تحدثنا السيدة جميلة مصطفى عثمان، التي تعيش هي وابنتها وخمسة اولاد في بيت واحد، بعيداً عن والدهم الذي ما زال محاصراً في مخيم اليرموك، عن نزوحها إلى لبنان، وتقول ونظرة الاسى تملأ عينيها إن "رمضان هو شهر الرحمة والمحبة والأُلفة. فيه كنا نجتمع على مائدة واحدة عشرات من الاخوة والابناء والاقارب، لكن اليوم تفّرق شمل العائلات ولم يبقَ الا ذكريات. واليوم يأتي رمضان كي ينكأ جراحنا ويعيدنا الى العائلة التي تشتّت والى البيوت التي فُقِدت وبتنا اليوم لا نستطيع ان نؤمن قوت يومنا".
وتردف "لقد بات إفطارنا طبخة واحدة ومما تيسّر في البيت، ونحمد الله على ذلك، ونتمنّى ان لا تسوء احوالنا اكثر لأننا لا نجد من يقف الى جانبنا وكأننا من كوكب آخر، وقيادتنا الفلسطينية على كل مستوياتها لا تقدّم لنا اي شيء، لذا نناشد الرئيس والوالد ابو مازن أن يسارع للوقوف الى جانبنا لأن اوضاعنا باتت لا تُحتمَل، ونحن سمعنا بأنه قد أصدر قراراً بحسم يوم عمل على كل موظفي السلطة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا، لكننا لغاية اليوم لم نرَ اي مساعدة، وبما اننا في شهر الخير نتمنى ان يتم ارسال هذه المساعدة علّها تخفّف مما نحن فيه من ضائقة وفقر، لا سيما أن الاونروا باتت تتهرّب من تحمُّل مسؤولياتها تجاهنا، وتجلّى ذلك بقرارها الأخير بوقف بدل الايواء عنا وقيمته 100دولار، ونحن بالأصل كنا نجوع لاجل تأمين المئة دولار الاخرى لدفع ايجار البيت وهو مئتا دولار!".
وختمت كلامها وهي تحبس دمعة في عينيها: "جميع الأطفال ينتظرون رمضان، ومنذ اليوم للصيام يبدؤون بالحديث عن العيد وثيابه وألعابه، الا ان اولادنا باتوا من شدة يأسنا لا يفكرون بالعيد وكأن رمضان جاء كي يوفّر علينا من مصروف الطعام والشراب".
محيي الدين عباس: ليس لنا سند الا الله سبحانه وتعالى
أمّا محيي الدين محمد عباس، القادم من مخيم اليرموك، وهو رب اسرة من ستة افراد يكاد لا يقدر على إعالتها كونه عاطلاً من العمل، فيقول: "كنت أدعوا أهلي عندي للافطار كل يوم، او اذهب لافطر معهم، وكنا نتشارك في السهرات الرمضانية بعد اداء صلاة التراويح حتى صلاة الفجر. كانت حياتنا جميلة ومرتبة وفق طريقة تربيتنا في الحارات الشامية".
ويضيف عباس، المقيم في مخيم البداوي منذ ثلاث سنوات، "اليوم وبعد ثلاث سنوات نعيش في مرارة وقلة، إذ لا تتوفّر لنا فرص العمل ولا نستطيع ان نتحرك بحرية في ظل انتهاء الاقامات، وبصراحة كنا نعتمد بشكل كبير على بدل الايواء الذي تصرفه الاونروا لدفع ايجار البيت ولكن اليوم أصبح علينا الاستدانة لدفع الايجار ونحن مهددون بالطرد في حال لم يتوفر المال معنا، أي أن الطرقات بانتظار استقبال العديد من العائلات، فكيف لنا ان نشعر بروح شهر رمضان ونعود الى ذكرياته وايامه، وكل شيء قد تغيّر ولا احد يرحم". ويتابع بأسى "كل شيء بمصاري والمصاري ما موجودة، رمضان ما عاد يعني لنا شيئاً مثل باقي العائلات لانه لا أحد يستطيع ان يعيش معاناة النزوح وعدم القدرة على تأمين بدل الايجار وثمن الطعام وليس لنا سند  الا الله سبحانه وتعالى"، ويختم بالقول: "أتمنى لو يُسمَح لنا بالعودة الى فلسطين لعلنا نجد هناك الامان والراحة التي لم نستطع ان نعيش بظلها طيلة 67 عامًا".
ايمان بكير: وقف بدل الايواء جعل سيف الطرد من البيوت مُسلَّطًا على رقابنا
تعيش الانسة ايمان بكير مع ارملة اخيها وثلاثة اولاد في مخيم البداوي، وتوضح أنها بكل أسى من حملَة شهادة الدكتوراه في علم النفس والماجستير في علم الاجتماع ولكنها لم تجد عملاً تعتاش منه هي وعائلة اخيها.
وتضيف بأن مشهد رمضان يحلُّ عليهم ثقيلاً بسبب عدم توفر الامكانيات التي يحتاجها هذا الشهر الفضيل وتحديداً في ظل وقف الاونروا لبدل الايواء الذي جعل سيف الطرد من البيت مُسلَّطًا على رقابهم.
وبغضب شديد تجاه طريقة تعاطي الاونروا مع ملف النزوح تقول: "الاونروا لا تقدّم لنا الا القليل، وهو عبارة عن 40 الف ليرة للفرد بدل طعام في الشهر. فكيف يمكن لي ان أعتاش بمفردي حتى على أربعين الف ليرة ومنها ادفع إيجار البيت وثمن الطعام!!"، وتضيف بمرارة "إن ما يحدث معنا أمر غير جائز ويُرَاد به إذلال شعبنا الذي لم يعتد على العيش بهذه الطريقة".
ثم تردف "لقد تُركِنا وحدنا في مواجهة تعنُّت الاونروا ولا مبالاتها ولا احد يقف معنا. نحن نعتصم في مدارس الاونروا في مخيم البداوي منذ الشهرين ولا يوجد اي تجاوب من قِبَل الاونروا. ومن هنا اتوجه الى القيادة الفلسطينية من هنا من طرابلس مروراً بسعادة السفير حتى السيد الرئيس ابو مازن ان يلتفتوا الى معاناتنا وان يسارعوا الى تقديم العون لابناء شعبنا خاصة في هذا الشهر الفضيل ونحن على ابواب العيد لعل شيئًا من الفرح يدخل إلى قلوب اطفالنا".
عمر عيسى: معاناة حقيقية في غياب التقديمات الكافية للمهجّرين
يؤكّد عضو لجنة متابعة المهجرين الفلسطينيين من سوريا في مخيم نهر البارد عمر عيسى "ابو محمد" أن جميع المهجّرين من مخيمات سوريا يعيشون اليوم حالة من الارق وانعدام الراحة النفسية، لافتًا إلى أن المرتاح نسبياً بدوره أيضًا يعيش حالة من القلق مما هو قادم خاصة أن المعطيات لا تبشر بالخير.
ويضيف عيسى "هناك فقر شديد والكثير من العائلات تفطر على نوع واحد وبسيط من الطعام اذا توفّر".
ويشير عيسى الى وجود 1200 عائلة من مخيمات سوريا تقيم في مخيمَي البداوي والبارد في ظروف جد قاسية حيث ارتفاع الايجارات ووقف الاونروا لبدل الايواء انعكس سلباً على كافة المهجّرين الفلسطينيين من مخيمات سوريا وجعل الجميع يرتاب ويخاف ان يُلقى به في الطريق، لا سيما في ظل عدم وجود من يساعد في سد الثغرات لعدم قدرة أرباب الأسر على التنقُّل والعمل خارج المخيمات، مما يُحتّم على العائلات الاعتماد على تقديمات الأونروا التي لا تتجاوز اربعين الف ليرة لبنانية في الشهر بدل طعام، متسائلاً "كيف للمهجّر ان يأكل بقيمة الف ليرة في اليوم؟!".
ويُسجّل عيسى عتبه على طريقة تعاطي "م.ت.ف" مع المهجّرين الفلسطينيين، حيثُ يقول: "الجميع يقول بانها لم تقم بواجبها تجاه حالة النزوح لاهلنا من مخيمات سوريا. منذُ سنة ونصف السنة، قدّمت لنا "م.ت.ف" ما قيمتُهُ خمسون دولارًا للعائلة، ولغاية اليوم نسمع عن حسم وعن مبالغَ قد يتم صرفها في القريب ولكن كل هذا كلام يجب ان يتم تنفيذه لأن معاناة الناس كبيرة ومنظمة التحرير الفلسطينية هي المرجعية لكامل الشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات وعتبُنا على قدر احترامنا".
إذًا يتضح أن مأساة المهجّرين الفلسطينيين من مخيمات سوريا تزداد صعوبة يومًا بعد يوم والكل ينظر اليهم ولكن دون تقديم اي مساعدة لهم. فهل بات التعاطي مع ابناء شعبنا بالقطيعة وكأن الجميع نسي قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) .