نذكر من يثرثرون بغير وعي أو حساب ان حركة حماس قامت قبل اكثر من ثماني سنوات بالانقلاب على الشرعية الفلسطينية وعلى المرجعية الوطنية الفلسطينية عندما كانت حكومة الوحدة الوطنية التي جاءت بعد اتفاق مكة برئاستها ولها فيها الحصة الأكبر. ويومها بررت خطيئتها بما اطلق عليه (الفلتان الامني) فانظروا، ونحن في السنة التاسعة من عمر الانقلاب والانقسام، هل هناك فلتان امني اكثر مما نحن فيه الآن؟ وقد اصبحت بيانات داعش وصواريخ داعش تنطلق من قطاع غزة بحيث تتخذها اسرائيل ذريعة لكل ما تفعله ضد شعبنا ومشروعنا الوطني!

وبعد اكثر من سنة على تشكيل حكومة التوافق الوطني بناء على اتفاق او اعلان مخيم الشاطئ في الثالث والعشرين من نيسان 2014، فإن كل ما تفعله حماس هو التحضير لانقلاب جديد، فهى باغتت حكومة التوافق بخطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم, واعترفت بذلك علنا بعد انتهاء حرب الواحد والخمسين يوما على لسان ابرز قياداتها بعد ان ظلت تنكر ونحن ننكر معها طيلة فترة الحرب، ويا ليت الأمر انتهى عند هذا الحد، بل انها لم تسمح لحكومة التوافق بالقيام بجزء بسيط من دورها أو إحدى صلاحياتها، مع العلم ان دور حكومة التوافق كان سيفتح الطريق امام خطوات وآليات المصالحة، ويفتح الطريق امام اعادة الاعمار وانتخابات رئاسية وتشريعية جديدة وبقية اجندة المشروع الوطني.

وعندما بادرت الشرعية الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس واللجنة التنفيذية الى اقتراح بتشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن حركة حماس تخندقت بالرفض القاطع والمعارضة النهائية، وعندما لجأت الشرعية الوطنية الفلسطينية الى اجراء تعديلات طفيفة على حكومة التوافق ريثما تحين الفرصة بتشكيل حكومة وحدة وطنية، اقامت حماس الدنيا ولم تقعدها ورفضت كل شيء.

انقلاب حماس الثاني الذي يلوح في الأفق وتتكاثر الدلائل عليه، يقوم على قطع الصلة مع الكل الوطني، وقطع الصلة مع المشروع الوطني، وإدارة الظهر لأبسط المشتركات الوطنية، والاندفاع نحو الاتصال والتفاوض من فوق الطاولة وتحتها مع إسرائيل، وهذا التواصل بين حماس وإسرائيل تعلنه حماس بعناوين كثيرة متناقضة، فهي تقول إن الاتصال مع اسرائيل من اجل تثبيت التهدئة، ومرة اخرى تقول انه من اجل الافراج عن الاسرى، ثم تقول ان التفاوض حول هدنة طويلة او حول منصة بحرية وممر مائي.. إلخ. تتعدد الروايات والحقيقة غائبة ولكن الخلاصة النهائية ان حماس تنقلب على قواعد اللعبة الوطنية بأكملها، وتشفع كل ذلك بقوانين غير شرعية تحاول فرضها وممارسات سوداء تلجأ اليها وآخرها اغلاق مراكز شركة جوال وشركة الاتصالات الفلسطينية في قطاع غزة، فما هو البديل؟

وهذا يعني ان كل جهود المصالحة، ومبادرات المصالحة، واتفاقات المصالحة، وجولات المصالحة، لا تعني لحماس شيئا وأن كل تلك المحاولات تستفيد منها حماس باثارة الجدل على ألسنة من في قلوبهم مرض، والتقاط شرط من هنا وشرط من هناك لتعزيز ترسانة العداء للمشروع الوطني، والخروج عن الاجماع الوطني، وإغراق الحالة الفلسطينية في لهيب الانهيارات الجارية في المنطقة، فهل كان احد يتخيل ان يكون داعش وانصار بيت المقدس موجودين بيننا ليس فقط على مستوى العبث الامنى الداخلي وانما على مستوى الصواريخ التي يتحمل شعبنا في قطاع غزة ردة فعلها الباهظة؟

لا يمكن الاستمرار على هذه الحال، ولا بد للكل الوطني من ان يتحمل مسؤوليته، وان يخرج من استلاب التكرار للمحاولات الفاشلة، فحماس لم تنقلب من اجل الوحدة بل من اجل انقلاب جديد.