تابعت في اليومين الأخيرين حكاية الفلسطينية العجوز يسرى النجار التي وافاها أجلها على الجانب المصري من معبر رفح الذي فتح لعودة العالقين من الفلسطينيين على الجانب المصري لمدة ثلاثة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، وقامت فضائية الجزيرة مباشر وفضائية القدس بتغطية واسعة لهذا الحدث المؤلم، واستوقفني وأدهشني هذا الوعي السياسي العميق الذي تحدث به ذوو العجوز الفقيدة يسرى النجار، وعي يتراجع أمامه وعي العديد من المسؤولين في بلادنا الذين يتصدون للقضايا العامة الشائكة، والكثير منهم يميل في حديثه حيث تريد له الرياح والأهواء والحسابات الشخصية ان يميل.
ابن العجوز المتوفاه يسرى النجار، شكر الجيش المصري على المعبر الذي انتبه لحالة والدته، وحاول اسعافها، وأخذها الى المستشفى بينما المحيطون بها لم يأخذوا بالهم منها، وحدث نزيف في المخ بسبب الحرارة الشديدة، وانتقلت روحها الى باريها، هذا على صعيد حادث الوفاة، بينما على الصعيد السياسي طالب الابن السلطة الوطنية بأن تتسلم المعبر كي يصار الى فتحه بشكل طبيعي، ونفس المنطق بل نفس الكلمات تقريبا قالتها احدى قريبات المتوفاة، شعور بالحزن، ووصف لحالة وضع الناس في غزة الذين يعانون من الحصار، ومطالبة بأن تتفق الاطراف على وقف الانقسام لإنهاء هذه المعاناة، ورغم الجهود المضنية التي بذلها المذيعان من الجزيرة وفضائية القدس للحصول على كلام آخر فإنهما لم ينجحا، وهذا كلام الواعي والمنضبط سياسيا ووطنيا الى حد الاعتزاز سمعناه خلال عملية دفن يسرى النجار في مقبرة العائلة في رفح.
بعض السياسيين الذين علقوا على الحادث سقطوا بشكل مباشر في الاختبار الوطني والسياسي، فيحيى العبادسة عضو كتلة حماس البرلمانية قال: لو الرأي له فسوف يغلق المعبر مع مصر نهائيا، والبحث عن بديل، لعله يقصد المنصة المائية التي اقترحها الإسرائيليون في مفاوضاتهم مع حماس بين قبرص وغزة تحت اشراف اسرائيلي مباشر ورقابة اوروبية، وما قاله " ريفلين" حول قبوله المفاوضات مع حماس، وهو تأكيد على ما يجري فعليا على الأرض وتنكره حماس مرة وتؤكده مرة اخرى، لأن حماس تمارس في السياسة ما هو ليس حقا لها، فليس كل فصيل له الحق في فتح مفاوضات مع اسرائيل على رأسه، وإذا جارينا حماس فسوف تعود بنا الى فلسفة "روابط القرى" حيث كل مختار قرية صغيرة يفتح خطاً مع ضابط الاحتلال لتدبير بعض الأمور التافهة، وهو النموذج الذي سقط تحت اقدام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فأين ثوابت الشعب الفلسطيني يا حماس؟ أم انكم تحللون الحرام وتحرمون الحلال وتمارسون الخيانة كأنها وجهة نظر تفصيلية؟
يجب أن نخرج من حالة التمويه السياسي التي نعيش تحت سقفها منذ فترة، حتى جهود المصالحة يجب ان تتوقف على الطريقة القديمة الفاشلة، فقد ثبت أن دردشات " حماس مع اسرائيل كانت أكثر قبولا وجدية من اتفاقاتها مع الشرعية الوطنية، انظروا الى الناس وعودوا اليهم، لم يختبر قطاع غزة الا ونجح في الاختبار، وآخر من نجح في الاختبار هو عائلة المرحومة يسرى النجار الذين لم يستطع أحد ان يأخذ منهم كلمة واحدة ضد قضيتهم، فلهم العزاء في فقيدتهم ولهم الفخر الوطني بوعيهم وثوابتهم.