قطاع غزة الـ 362 كيلو مترا مربعا، ذلك الشريط الضيق المختنق بأهله بين الماء والصحراء، التي تتوقع الجهات المعنية أن يزيد عدد سكانه عن اثنين ونصف مليون في السنوات الخمس القادمة, والذي هو الوليد النموذجي للنكبة حيث كان لواء غزة في فلسطين التاريخية هو أكبر لواء مساحة في فلسطين، لأن النقب كله جزء منه وكان يتمدد حتى العريش أيام الأتراك، وكانت حدوده في قرار التقسيم أكبر منها حاليا بعشرة أضعاف.
قطاع غزة الذي يعيش حياته منذ سنوات طويلة خاصة في سنوات الانقسام، حياة معلقة، كما يقول صديقي العزيز الروائي عاطف أبو سيف، حياة معلقة بين احتمالين الانتحار أو الانفجار، عودة المصالحة والوئام مع المصير والمسار الفلسطيني أو استمرار الانقسام تدهورا الى الإنفصال، قطاع غزة تصفه آخر تقارير البنك الدولي بأنه على وشك الانهيار، حيث أعلى نسبة بطالة في العالم، وهو يأكل من خبزه المر، ويشرب من ماء البحر الذي يكون احيانا ملوثا، وما زالت ستون الف عائلة في حالة لجوء طارئ في مدارس وكالة الغوث، وفيه اعلى نسبة من الفقر وأعلى نسبة من التعليم وأعلى نسبة من الضرائب وخاصة الإضافية التي هي خارج الدستور"النظام السياسي" وخارج القانون, وخارج الأخلاق والمعايير الوطنية والانسانية والسياسية، واخص بالذكر قانون التكافل الاجتماعي الذي اشتكى منه الكل الوطني.
قطاع غزة على امتداد السنوات الأخيرة من الانقسام ينتظر المصالحة فلا تأتي، وينتظر رفع الحصار فلا يتحقق، وينتظر إعادة الإعمار فيحل مزيدا من الدمار، فبعض المباني التي كانت واقفة على مضض انهارت في الشتاء الأخير، والبحر نفسه انضم الى قائمة اعداء غزة، فقد هاجت امواجه كأنها وحوش خرافية واصبحت تلتهم جثث الغزيين الهاربين الى المجهول، وقطاع غزة الذي تعرض لثلاثة حروب منذ نهاية الفين وثمانية الى صيف الفين واربعة عشر لا يتوقف موته بالقطاعي مثل الموت خنقا برمال الانفاق، أو بانفجار ما تبقى من قذائف الحروب السابقة أو بسبب الفلتان الأمني والوضع الصحي البائس وشموع العتمة حين تكون ازمة الكهرباء في ذروتها ومخرجات الجريمة العادية...الخ.
قطاع غزة الذي كان احد اهم بوابات العالم القديم، حيث وجد اسم غزة مئات المرات في حفائر مأرب السبئية ووادي المسيلة في حضر موت، كما أن غزة سجل باسمها لعنة توراتية في مراثي اشعيا وإرميا" محرومة انت من عين الرب يا غزة" وهذه اللعنة لها اسباب موضوعية، حيث فشل موسى وقومه من الدخول اليها حين خروجهم من مصر" على حسب اساطير التوراة" وعندما وصلوا قرية إفران في العريش أرسلوا دورية استطلاع فكتبت تقريرا من اربع وعشرين صفحة_ كما يقول المؤرخون وكانت نتيجة التقرير مكثفة جدا" إن فيها قوما جبارين، لن ندخلها ما داموا فيها" كما بين لنا القرآن الكريم.
قطاع غزة يطلب حلا: حلا لمشكلة البطالة، ولمياه الشرب، ولجبال الأنقاض والركام وإعادة الإعمار ورفع الحصار، وحياة كريمة فيها أمل تحت سقف نظام سياسي وطني وشرعي، والخروج من حالة الطوارئ، وتمكين الناس من شرب مياه صالحة للشرب وصالحة لطهو طعامهم، وصالحة بالحد الأدنى لغسل وجوههم في الصباح والوضوء للصلاة فهل هذا ممكن؟؟؟ ولهذا كله فان قطاع غزة يحتاج الى تغيير النظرة والتوجه, وتفعيل التنظيم وتجديد الشرعيات عبر الانتخابات وإعطاء الحق للحلم بالمستقبل، ووضع حد لهذا الاستهتار والفلتان والصراخ, هذا ما تحتاجه غزة, وآه وألف آه يا غزة.