تحقيق: محمود عباس/  منذ التهجير حرص الفلسطينيون على ان يكونوا سفراء لقضيتهم في المحافل الدولية في مختلف الميادين وبينها مضمار الرياضة الذي كان لفلسطينيي الشتات حضور مميّز فيها. وقد حفل هذا العام بالانتصارات الرياضية التي سطرها أبطال مخيمات لبنان على الصُعد المحلية والعالمية ولا سيما في الألعاب الرياضة القتالية، فرفعوا علم فلسطين عاليًا ومثّلوا وطنهم خير تمثيل رغم كافة الصعوبات التي تعترض الواقع الفلسطيني الرياضي في لبنان.

من بداية خجولة لمشاركة فاعلة
يلفت عضو قيادة حركة "فتح" إقليم لبنان رئيس الاتحاد الفلسطيني للـ"كيك بوكس" اللواء أبو أحمد زيداني إلى أن المشاركة الفلسطينية في الألعاب القتالية العالمية تعود لأمد طويل حيث حرص اللاعبون الفلسطينيون على اثبات حضورهم وإن كانت مشاركتهم في البدايات مقتصرة على رفع العلم والتمثيل، ومشاركة لاعب أو لاعبين، ويضيف "عندما تأسّس الاتحاد العربي كنا الدولة الثانية في التأسيس بعد لبنان، وكنا حاضرين في تأسيس الاتحاد الدولي في مانشستر ببريطانيا في العام 2000 ليتشكّل اول اتحاد دولي برئاسة الغراند ماستر "وودي" والغراند ماستر "ليكرين" وهما من كبار معلمي "المواي تاي" و"التاي بوكس" في العالم، ويشكّلان مدرسة في هذه اللعبة. وبالطبع كانت لنا في السنوات الاولى مشاركات متواضعة سرعان ما تطوّرت ليتقدم عندنا ابطال، كـ"ابراهيم الزيبق"، حامل فضية، و"محمود رضوان" وهو من ابطال العالم للناشئين في "التاي بوكس" وكان قد احرز الميدلية الذهبية في العام 2007. لا شكّ أننا خلال السنوات الخمس الماضية لم نتمكّن من مواكبة "التاي بوكس" الدولي العالمي، لكننا كنا حاضرين في الميدان العربي، حيث كان لنا مشاركات في الاردن وفي المغرب وكانت لنا نتائج مشرفة، وابطالنا اليوم يرفعون العلم الفلسطيني على منصّات التتويج، واستطيع القول ان الابطال الذين شاركوا في البطولة الدولية الاخيرة في بانكوك كانوا مفخرَة فلسطين بالرغم من الامكانيات المتواضعة التي لا ترقى للمستوى المطلوب".
وعن أبرز الانجازات التي حقّقها الاتحاد يقول: "في العام 2000 شاركنا في بطولة العالم اكثر من 6 مرات، وشاركنا في ايطاليا مرتين، وفي يوغوسلافيا مرتين، الا ان الانجاز الذي حققه الاتحاد في تايلند شكّل قفزة نوعية حيث شاركنا بثلاثة ابطال واحرزنا اربع ميداليات بمشاركة 47 دولة من جميع انحاء العالم. وبعد دمج اتحادَي "الكيك بوكس" و"التاي بوكس" في السنوات الماضية شاركنا في بطولات اللُّعبتَين وكان لنا الموقع المتقدّم على المستوى العربي".
وتابع "ان تكلفة صناعة البطل توازي تكلفة صناعة فريق اللعبة الجماعية، وتطوير اللعبة يحتاج الى امكانيات. فاللاعب الفلسطيني يخرج من بين الركام ومن بين غبار المخيمات وآلام النكبة ليرفع العلم الفلسطيني معتزًّا بهذا العلم معتزًّا بهذا الانتماء، ولا شك أن أبطالنا فاجؤوا بانجازاتهم الكثيرين، وما حدث في بانكوك نال رضى الجميع من القيادة السياسية على صعيد لبنان وعلى صعيد الوطن وعلى صعيد المجلس الاعلى واللجنة الاولمبية، وقد تهافتت علينا التهاني من الجميع، وهذا يدفعنا لنكون دائمًا مخلصين في الاضاءة على هؤلاء الابطال وانجازاتهم، وسنسعى ان يعتلي ابطالنا دائمًا منصات التتويج، ولن نألوَ جهدًا بالوقوف الى جانبهم. لأن البطل الفلسطيني هو بطل بلا ملامح وبلا عنوان لأنه يمثّل فلسطين الاكبر منا جميعًا، ولهذا وقف البطل الفلسطيني في بانكوك ليتتوّج حاملاً ذهبية لفلسطين ولم يرفع صورة رئيس اتحاده او صورته الشخصية، بل كان مزيّنًا بالعلم الفلسطيني، وهذا اللاعب الذي يعدّ بمستوى الأبطال يستحق ان يتلقى كذلك التدريب الذي يتلقاه الأبطال لشهور ليكونوا مستعدين للبطولات نفسيًا وبدنيًا كما يستحق منا الوقوف الى جانبه. وبطبيعة الحال فإن صناعة البطل تحتاج الى صناعة مدرب، وقد خاض اثنان من الاخوة المدرّبين دورات وهما مدرب المنتخب لؤي كعوش والمدرب وسام زيدان اللذان توّجا بدرجة "الكرو"، بالإضافة إلى اخوين قدما من الوطن وهما وسام سدر وتامر بكر اللذان اوجه لهما التحية".

المعيقات تمنع احراز المزيد من التقدم
ينوّه اللواء زيداني إلى ان وجود بعض المعيقات يحول دون النهوض المتكامل بالمشاركة الرياضية للاتحاد، ويوضح "البطل موجود والمدرب موجود والخزان البشري، وقد تمكّنا حتى الان من تخريج الابطال من الغرف المتواضعة غير الصحية، ولكن هناك احتياجات مفتقدة رغم أنها اساسية. فبناء البطل يحتاج الى امكانيات مادية، تبدأ بالأندية المتقدّمة الصحية المجهّزة بالقاعات والصالات المناسبة، ومعدّات التدريب، والراتب الثابت الذي من شأنه توفير حياة لائقة للاعب، مرورًا ببرامج النظام الغذائي والحمية وما تحتاجه من اشراف ومتابعة من قِبَل مختصين، علاوةً على الحاجة لمقر كبير للاتحاد اسوة بباقي الاتحادات، بالإضافة إلى الرعاية المادية والمعنوية للابطال مما يؤهل البطل ويحفزه للتقدم والتطور في اللعبة، علمًا أننا كاتحاد نؤمّن تذكرة السفر للاعب والاقامة والمصروف، ونأخذ بعض الهدايا والدروع لتقديمها للوفود المشاركة التي تبادلنا الهدايا".
ويتابع "تعترضنا مشكلة اخرى وهي عدم وجود نادٍ فلسطيني للمواي تاي حيث أن لدينا مجموعة من الابطال يدربون بشكل شخصي في منازلهم او في نوادٍ لبنانية، وبسبب لجوء بعض اللاعبين للتدرب في نوادٍ لبنانية، فإن هذه النوادي عمدت إلى استثمار مهاراتهم واتخاذهم مطية لحصد البطولات، عبر بعض استقطابهم بالاغراءات المادية للعب لصالح منتخبهم، ولكننا لن نرضى أن يكون الفلسطيني بعد اليوم مطية ولن نسمح ان يكون العلم مستأجرًا او مستثمرًا لصالح أي جهة، فهذا العلم الذي دفعنا ثمن الحفاظ عليه مع القرار الوطني المستقل يجب ان يصان، فنحن اتحاد فلسطيني شرعي ولا تشرفنا المشاركة الا في الاماكن الشرعية البعيدة عن المربعات المستحدثة والقائمة على المراهنات واستخدام اللاعبين كأدوات لهذه المراهنات. وقد توجهنا برسالة الى الاتحاد اللبناني ورسالة الى الاتحاد العربي والدولي نطلب فيها الكف عن الاتصال باللاعب الفلسطيني مباشرة لأن اللاعب الفلسطيني له مرجعية ممثلة بالاتحاد الفلسطيني للعبة ولا يجوز لأي جهة الاتصال بأي لاعب الا من خلال هذه المرجعية، مع العلم أنه لا يحق للاعب المشاركة باسم منتخب غير منتخب بلاده، وهناك توافق بالاتحاد العربي على ذلك. وهنا اشير إلى أننا كاتحاد عربي كنا قد التقينا في المغرب سمو الامير محمد بن تركي رئيس شركة "بلاتينيوم فايتر" المعنية بتنظيم لقاءات احترافية، وخلال الاجتماع نوّهت لمسألة منع  منظمي الاحتراف بالاتحاد العربي اشراك أي لاعب الا من خلال الاتحادات الوطنية، فكما لا يحق لنا خطف لاعب لبناني مميّز على سبيل المثال للمشاركة تحت اسمنا كذلك لا يجوز لأي اتحاد خطف لاعب فلسطيني من خلال اغرائه بالمال للمشاركة مع ذلك الاتحاد، حتى لو شارك بجنسيته الفلسطينية ورفَعَ علم فلسطين، فبذلك يكون علم فلسطين للايجار طالما لم يشارك من خلال اتحاده،كذلك سألته عن الجهة المسؤولة عن تغطية كلفة علاج اللاعب الفلسطيني في حال تعرض لإصابة خطرة خلال مشاركته في بطولات الاحتراف، وحين أجاب بأن الأمر من مسؤولية الاتحاد الفلسطيني، أبلغتُهُ أننا كاتحاد فلسطيني لن نقبل بمشاركة أي لاعب في بطولات الاحتراف دون ضمان صحي، فتم التوافق بيننا وبين الشركة على هذه النقاط".
واضاف "هناك لقاء احترافي ستنظّمه البلاتينيوم فايتر في المملكة العربية السعودية في شهر ايار القادم وهي من سيتكفّل بتذكرة السفر والاقامة بالاضافة الى عمرة للاعبين المشاركين، وسنسعى أن نكون حاضرين بقوة في هذا اللقاء. لم نبدأ بعد بالاستعدادات اللازمة، لكننا في طور الاعداد النفسي، ودراسة الفرق واللاعبين المشاركين والاوزان المطلوبة. كذلك عقدنا عددًا من البروتوكلات الشفوية مع بعض الاتحادات العربية، أحدها  كان مع الاتحاد الليبي، وقرر الاتحاد الليبي إهداءنا حلبة قتال، لكن تكلفة شحنها الباهظة بالنسبة لنا كاتحاد أعاقت حصولنا عليها. كما عرض تزويدنا بمعدات للتدريب، وانا شخصيا طلبت إليه وضع فلسطين على خارطة المساعدات التي من شأنها أن تخدمنا في تجهيز أبطالنا، خصوصًا في ظل الأزمة المالية التي نعاني منها كفلسطينيين نتيجة الابتزاز الاسرائيلي واحتجاز اموال الضرائب. ومن هنا لا أستطيع أن أطلب إلى البطل تقديم أفضل ما لديه، دون أن نقدم له الحد الأدنى من احتياجاته، ولكن كلنا ثقة بقيادتنا وقدرتها على احتواء الأزمات، ونتمنى ان نكون في الموقع الطبيعي الذي يمكّننا من أن نكون مؤثرين لصالح أبطالنا ولصالح الرياضة الفلسطينية".
المشاركة الفلسطينية تحظى بالدعم والتأييد
من جهته يشير نائب رئيس الاتحاد الفلسطيني للتاي بوكس المدرب زياد بقاعي إلى أن أجمل ما في مشاركة الاتحاد الفلسطيني في البطولات هو الاستقبال الذي يحظى به الفريق الفلسطيني، ويتابع "عادة ما يكون استقبالنا رائعًا، ففي المغرب او حتى تايلند، عندما تبدأ مباراة اللاعب الفلسطيني تبدأ الجماهير بالهتاف لفلسطين، وعلى سبيل المثال فحين جمعت مباراة بين لاعبنا ولاعب اوزباكستاني، أخذ الجمهور الاوزبكي بالهتاف باسم فلسطين. ورفع علم فلسطين بعد الانتصارات التي كان بطلنا يصنعها،كان يسعدنا كثيرًا ويجعلنا نعتز بفلسطين في المحافل الدولية، وعندما كان يعلو النشيد الفلسطيني في ايطاليا او اوكرانيا او المغرب او تايلند كانت تقشعر أبداننا. وهنا أشدد على أنه ينبغي للجميع أن يدركوا أن الرياضة تشرّف، والفلسطيني يحتاج الى الرياضة ليعكس صورة مشرّفة عن فلسطين، فالرياضة مرآة التفاعل الحضاري والتفاعل الاجتماعي مع العالم، ولا شكّ أن لنا مشاركات مشرّفة عديدة ولكن هناك حاجة لتطوير مشاركتنا في اللعبة وذلك يحتاج للامكانيات المادية بالدرجة الأولى لضمان راتب وحوافز للاعبين، ليكون اللاعب متفرغًا لممارسة الرياضة، إضافةً إلى أننا بالكاد نستطيع تأمين تكاليف الاقامة وبعض الأمور الضرورية للمشاركة".

انجازات متعددة على المستويَين المحلي والعالمي
حول أبرز الانجازات التي حقّقها منتخب فلسطين يقول مدرب منتخب فلسطين لؤي كعوش: "أول مشاركة لي كمدرب للمنتخب الفلسطيني كانت في البطولة العربية للكيك بوكسينغ في المغرب ضمن وفد ضمّ رئيس الاتحاد ونائب رئيس الاتحاد و3 لاعبين فقط، ويومها حقّقنا انجازًا كبيرًا بتتويج فلسطين بالمركز الثالث مكرر، وحصدنا ميدالية ذهبية عن وزن 60 كغ، وفضية عن وزن 63 كغ، وبرونزية بوزن 67كغ. امّا ثاني مشاركة فكانت في بطولة العرب في التاي بوكسينغ  حيثُ أحرزنا فضية واحدة و3 برونزيات، وفي بطولة الاندية العربية في الاردن شاركنا بلاعب واحد وحصلنا على ميدالية ذهبية، وفي آخر مشاركة كانت في بطولة العالم للالعاب القتالية في تايلند شاركنا بـ3 لاعبين، وأحرزنا ذهبية في لعبةa1 وفضيتين وبرونزية في لعبة  مواي بوران".
وتابع معلّقًا على المباراة النهائية التي خاضها البطل محمد هزاع "كانت مباراة عالمية، حيث ان الجمهور ترك باقي الحلبات وتجمهر لمشاهدة محمد هزاع الذي كان اقرب للفوز بالميدالية الذهبية الا ان الحكم التايلندي الجنسية تعاطف مع مواطنه".
وأشار كعوش إلى أن فقر الامكانيات وعدم وجود مقر هي أبرز الصعوبات التي تواجهه كمدرّب، وأضاف "لو توفرت الامكانيات بحدها الادنى، عندها نستطيع شراء المعدات اللازمة ولو على دفعات".
ووجه كعوش رسالة إلى اللاعبين الذين يرضخون للاستغلال وللابتزاز المادي من بعض الاندية، مؤكّدًا أن اللاعب الفلسطيني الذي لا يتوّج تحت راية بلاده ليس فيه خيرٌ لوطنه، وختم بالقول: "بعد انتمائي للمنتخب الفلسطيني، ارتفع منسوب الوطنية بشكل كبير في داخلي، وأصبحت أفتخر برفع العلم الفلسطيني في المحافل الدولية، وأشعر بمتعة كبيرة خلال مشاركاتنا باعتبار اننا نقوم بواجب وطني".
بدوره رأى المدرب وسام زيدان أن أبرز الصعوبات التي تقف عائقًا دون تطوير مشاركة الاتحاد تكمن في المقر والامكانيات المادية، وأضاف "نتمنّى أن نتمكّن من البقاء على الخارطة الرياضية العالمية، وذلك من خلال تقديم خبراتنا للاعبين ومحاولة تأمين الامكانيات الضرورية لهم"، وختم كلامه قائلا: "لا بدّ كذلك من توجيه الشكر للواء أبو أحمد، والكابتن لؤي، والاستاذ زياد والابطال الذين بذلوا مجهودًا كبيرًا وحقّقوا انجازًا مهمًّا".

أبطال فلسطين
بدأ خالد المقدح، مواليد العام 1995، تدريبه مع الكابتن لؤي كعوش منذ العام 2010، وعن أبرز انجازاته يقول: "خلال سنوات مشاركتي الأولى لم أحقق أي انجاز، لكن الانجازات بدأت بعد التدريب على أيدي الكابتن لؤي، حيث نلت فضية في بطولة العرب في الأردن، وذهبية في بطولة الأندية العربية في الأردن، وذهبية A1 وفضية مواي بوران في البطولة الأخيرة التي خُضتُها في تايلند".
أمّا عن شعوره لحظة التتويج فيقول: "شعرتُ بسعادة لا توصف في تلك اللحظة، لقد كانت فرحتي كبيرة بأن أكون صاحب المركز الأول في البطولة، خصوصًا عندما يرتفع علم فلسطين فوق باقي الاعلام. واغتنم المناسبة لاهداء الفوز لشهداء الشعب الفلسطيني، وللأسرى في معتقلات الاحتلال ولاهلنا في الوطن وفي مخيمات الشتات".
أمّا محمد هزاع، مواليد العام 1996، فيوضح أنه شارك بكأس فلسطين عام 2013 والبطولة العربية في المغرب عام 2014 وبطولة العالم الاخيرة في تايلند، لافتًا إلى أنه بدأ بممارسة اللعبة في العام 2013، وهو حاصل على المركز الثاني في بطولة العالم للمواي بوران في تايلند، فضية مواي بوران، والمركز الثالث في البطولة العربية للكيك بوكسينغ في المغرب.
وعن أبرز الصعوبات التي تواجهه كلاعب فلسطيني يقول: "عدم التمكن من التمرين بشكل يومي، والافتقار للامكانيات اللازمة للمدرب ليتمكن من تدريبنا بشكل افضل، علاوة على  عدم القدرة على اقامة معسكرات تدريب، وقلة زيارة النوادي والاحتكاك مع الابطال من نوادي أخرى، فالاحتكاك له فائدة لا تقل عن فائدة التمرين"، وهي نقاط وافقه عليها زميله خالد المقدح.
ويضيف هزاع "ولكن كل الصعوبات والتعب يذويان أمام الفرحة العارمة التي تعتريك عندما ترفع علم فلسطين في المحافل الرياضية. واليوم أهدي فوزنا لشهدائنا في فلسطين ولأسرانا ولمخيماتنا وللوطن العربي باكمله والى اللواء ابو احمد، والكابتن لؤي".