ذكر المركز الإعلامي الإسرائيلي "كيوبرس" أن "معهد القدس للدراسات الاسرائيلية" عقد في آذار 2015 مؤتمراً دراسياً بعنوان "الصراع على جبل الهيكل" حضره نحو مئة خبير وباحث ورجل دين وسياسي. وخلصت الدراسات والبحوث والمناقشات إلى إمكان تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود الذين يعتقدون ان المسجد بني فوق أنقاض الهيكل. وقال البروفيسور يتسحاق رايتر إن هناك ثلاثة حلول لمشكلة المسجد الأقصى، الأول هوالتقسيم الزماني، أي أن يأتي اليهود للصلاة في المسجد في أوقات معلومة، والثاني هو التقسيم المكاني، أي يتم توسيع مساحة المسجد ثم تقسيمه بين الطرفين، والثالث هو الشراكة، أي أن يكون المسجد مفتوحاً في جميع الأوقات للمسلمين واليهود معاً. والمعروف أن فكرة إعادة بناء هيكل سليمان ظهرت، أول مرة، فور سقوط القدس في أيدي الجيش الاسرائيلي في حزيران 1967، عندما نفخ الحاخام شلومو غورين في البوق احتفالاً بالنصر وإيذاناً ببدء عملية إعادة البناء. ومنذ ذلك الوقت لا يكف المستوطنون الاسرائيليون عن اقتحام المسجد في كل مناسبة متوعدين بتدمير المسجد وبناء هيكلهم في مكانه. واليوم ثمة عدد من المنظمات اليهودية المتطرفة التي تنتظر الأحوال الملائمة لتنفيذ خططها في شأن المسجد، وهي ترفع شعار " جبل الهيكل بأيدينا" وهي العبارة التي راح مردخاي غور يصرخ بها عندما احتل الجيش الاسرائيلي القدس. وهذا الشعار يحرض اليهود المتطرفين بالقول: إن الهيكل بأيدينا، فلماذا يبقى مسجداً للمسلمين؟ ومن بين هذه المنظمات "أمناء جبل الهيكل" التي أسسها غيرشون سلمون في سنة 1967، "وجمعية حراس الهيكل" وحركة " حي وقيوم" والتي أسسها في سنة 1990 يهودا عتسيون، وجماعة "ريفافا" التي أسسها دافيد عبري... الخ.
وكان يهودا عتسيون حُكم بالسجن في سنة 1984 بتهمة التخطيط  لنسف قبة الصخرة. وخطط الضابط في سلاح الهندسة مناحيم ليفني لنسف المسجد في سنة 1985. وفي 29/7/2001 قام نحو ثلاثين عضواً من جماعة أمناء جبل الهيكل بإحضار حجر الأساس للهيكل، وأجروا عليه طقوساً دينية، ثم نقلوه  إلى مكان سري. وهناك جمعيات تعمل على صنع كل ما يتعلق بزينة الهيكل المنتظر، وحياكة حتى ملابس الكهنة، وإعداد الأواني والكؤوس والأدوات الطقسية الأخرى.

الهيكل والعلم والتاريخ
تهدف الحفريات الاسرائيلية إلى إيجاد رابط بين فلسطين ونصوص العهد القديم. وفي هذا السياق حوَّل الصهيونيون علم الآثار من علم إنساني يهدف إلى الوصول إلى الحقائق العلمية، إلى علم سياسي. وبهذا المعنى فالتوراة التي كانت دائماً ركيزة حركة استكشاف فلسطين ليست تاريخاً تحول الى أسطورة، بل خيال تحول إلى تاريخ. وتقول التوراة في سفر صموئيل الثاني وفي سفر الملوك الأول إن داود أقام مملكة تمتد بين الفرات والنيل وأورثها ابنه سليمان الذي بنى هيكلاً في مدينة داود (أي في أورشليم التي هي القدس). لكن بعد نحو 180 سنة من الاستكشاف الآثاري، وبعد 67 سنة على احتلال القدس الغربية، ثم 48 سنة على احتلال القدس الشرقية تبين حتى لعلماء الآثار الإسرائيليين أن أي وجود لإمبراطورية داود وسليمان غير وارد على الإطلاق. وكان الاسرائيليون يزعمون أن حائط البراق ( أو حائط المبكى بحسب المصطلح اليهودي) هو جزء من " مدينة داود المحصنة"، وظهر أن هذا الحائط لا يعود الى الحقبة المفترضة لوجود  داود بل إلى الحقبة الهلنستية وحتى "الرمانة العاجية" التي روَّج الاسرائيليون أنها الأثر الوحيد الباقي من هيكل سليمان تبين أنها لا تعود إلى ذلك الزمن (ألف سنة قبل الميلاد) بل إلى العصر البرونزي، أي أقدم بكثير من الزمن المفترض لسليمان.
مهما يكن الأمر فإن هيكل سليمان نفسه أسطورة، بل خرافة سارية. وموقع الهيكل هو نفسه موقع المسجد الأقصى في الحرم القدسي بحسب الزعم اليهودي، وهو أهم موقع مقدس لدى اليهود، ويسمونه "جبل البيت"، ويعتقدون أن سليمان بن داود شيد الهيكل الأول في سنة 1004 ق.م. ثم حطمه نبوخذ نصر البابلي سنة 587 ق.م.، ثم بنى هيرودوس الأدومي الهيكل الثاني قرابة سنة 18 ق. م. واستمر العمل فيه حتى سنة 64 بعد الميلاد، فهدمه تيطوس الروماني سنة 70 ميلادية، وأزال هوريان الروماني آثاره بالكامل سنة 135 ميلادية. وتقول الحكاية التوارتية إن سليمان استخدم 30 ألف بنّاء من صيدا وصور، و80 ألفاً لقطع الحجارة، و70 ألفاً لنقلها، و3300 وكيل، أي نحو 184 ألف شخص وصرف في بناء الهيكل سبع سنين، واحتفل عند إتمام البناء بإحراق 22 ألف بقرة و 120 ألفاً من الغنم. ومع ذلك فإن التوراة نفسها تقول إن أبعاد هذا الهيكل هي 31 متراً طولاً و 10.5 أمتار عرضاً و 15 متراً ارتفاعاً (القياس التوراتي بالذراع)، أي أنه مجرد شقة كبيرة لا تزيد مساحتها على 355 متراً مربعاً.
بدأت الحفريات الإسرائيلية للبحث عن هيكل سليمان في سنة 1968، وحفرت السلطات الإسرائيلية نفقاً طوله 488 متراً لهذه الغاية هو نفق الحشمونائيم، وكانوا يرددون دائماً إن غايتهم هو إعادة بناء الهيكل الثالث، هو ما يعني تدمير المسجد الأقصى لبناء الهيكل في مكانه لكن المعضلة التي واجهت الآثاريين الاسرئيليين هي عدم وجود أي خشبة أو أداة أو حجر من شأنها أن تبرهن عن وجود هذا الهيكل في هذا المكان بالتحديد. وكان استكشاف فلسطين بدأ مع إدوار روبنسون وتلميذه عالي سميث في سنة 1838، وكان همه مطابقة التوراة على الجغرافيا، فبدأ رحلته من بئر السبع وهو يحمل خريطة فلسطين بيد والتوراة بيد، فجعل نابلس هي شكيم، والخليل حبرون، وأم قيس لاخيش، وتل المتسلم مجدو ... وهكذا وفي سنة 1866 أُسس "صندوق استكشاف فلسطين" الذي أرسل تشارلز وارين ليبدأ حفرياته في القدس.

خلاصة علم الآثار
عملت كاثلين كينون في التل الجنوبي الشرقي لمدينة القدس المعروف باسم " مدينة داود" بين 1961 و 1967، ثم جاء الاسرائيلي بنيامين ما زار للبحث عن آثار هذه المدينة بين 1968 و 1978، ثم اشتغل نحمان أبيجاد من 1969 حتى 1983، وبعده يغئيل شيلوح من 1978 حتى 1985، ومات الأربعة وتبين من نتائج حفرياتهم أن لا وجود لمدينة داود.
يقول زئيف هيرتسوغ، وهو أهم عالم آثار في إسرائيل " إن اليهود لم يكونوا في مصر قط، ولم يتيهوا في الصحراء، ولم يفتحوا الأرض (أي فلسطين) في حملة عسكرية، ولم يورثوها لأسباطهم الاثني عشر، ولعل الأصعب تقبلاً هو أن مملكة داود وسليمان الموحدة التي تصفها التوراة بأنها كانت قوة إقليمية، لم تكن في أحسن الأحوال أكثر من مملكة قبلية صغيرة". وكثيراً ما يردد علماء آثار اسرائيليون مرموقون من عيار يسرائيل فنلكشتاين ونيل سيلبرمان ونداف نئمان أن قصص التوراة، بما في ذلك قصة هيكل سليمان، مجرد حكايات خرافية.

المسجد في خطر
إن بعض الجماعات الدينية اليهودية المتطرفة (الحريديم) تمنع اليهود (ما عدا الكاهن الأكبر) من زيارة جبل الهيكل (أو المسجد الأقصى) قبل تطهيره برماد بقرة حمراء مقدسة، والمقصود إليه هو عدم وطء المكان بالأرجل لأنه "قدس الأقداس" حيث يوجد "تابوت العهد"، ولأن مكان الهيكل غير محدد تماماً. أما شعيرة البقرة الحمراء فهي تعني قيام كاهن من سبط لاوي بذبح بقرة حمراء لعيب فيها، ونثر دمها في المكان سبع مرات، ثم إحراقها وخلط رمادها في ماء طاهر وينثر ذلك كله في المكان بغصن من شجرة زوفا.
لا يتوقف الأمر عند حدود الخرافة على الإطلاق ففي إسرائيل عشرات المجموعات والجمعيات التي تعمل، بجدية، على الاستيلاء على المسجد الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان في مكانه. وربما يكون تقسيم المسجد بين المسلين واليهود، كما حدث في المسجد الابراهيمي في الخليل سابقة للسلطات الاسرائيلية كي تقول: دعونا نقتسم المسجد كي لا يُقدم المتطرفون على هدمه! ولا عجب إذا ما أقدم أحد المتطرفين اليهود، في يوم من الأيام، على نسفه. وهنا ستروِّج السلطات الإسرائيلية أن هذا المتطرف هو شخص مجنون، تماماً مثلما ادّعت أن اليهودي الاسترالي دنيس روهين الذي أحرق المسجد في سنة 1969 هو شخص مجنون. وفي تلك الحالة سيُعاد بناء المسجد على قاعدة جديدة هي اقتسامه بين المسلمين واليهود، أو يبقى ركاماً تتلى عليه صلوات اليهود، وفي جنباته صلوات المسلمين.