البعض يظن الانتخابات في جامعة بيرزيت القريبة من رام الله مؤشرا مهما للوضع السياسي العام للجماهير، أو في أقله للمزاج الشعبي العام، والبعض لا يعطي انتخابات الجامعات جميعا قيمة مجتمعية لطبيعة الطلاب واختلاف أفكارهم وقابليتها للتغير في مرحلة بناء ذاتي وعدم استقرار، وفي جميع الأحوال فهي برأيي انتخابات مهمة يجب التصدي لها بكل شفافية، فلا نلقي بالحجارة على الآخر تحت ادعاء أنه هو السبب لوحده بمكره وخبثه، ونحن المنزهون دوما، بل يجب أن ننظر بروية للعامل الخارجي والعامل الداخلي فينا.
وإن كنت هنا لن أتعرض للعامل الخارجي ما هو في طبيعة الدعاية الخطرة التي تعتمد على فكر مقدس من 3 محاور مقدس دينيا ومقدس بالأكاذيب السياسية المستندة لما سبق، ومقدس بطريقة التفسير فتوزع الاتهامات شمالا وجنوبا.
وهنا لن أتعرض لآليات التعبئة والتحريض والاستقطاب الخطرة لدى التنظيمات الاسلاموية أو الأيديولوجية عامة، وانما سأعرض العامل الداخلي فينا نحن أي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح التي تحتاج إلى الكثير من الجهد لتجاوزها.
أقول بتبسيط شديد، وإن كان الأمر يحتاج منا الكثير من الورشات والمراجعات والنقد الذاتي، ليست المشكلة في الخطة فقط أو البرنامج السياسي (فقط) فالبرنامج السياسي مهم لحسن تسويقه، لكن حتى البرنامج الفاشل من وجهة نظر الآخر وتنظيراته، كان من الممكن تسويقه (ربما بصعوبة) ولكن ممكن ينجح، كما نجح مع الآخرين الذين يسوقون الوهم، والادعاءات مما نرى.
السبب في فشلنا الطلابي- إضافة للبرنامج- بوضوح خاصة في بيرزيت 22/4/2015 ان وضعنا العامل الخارجي جانبا، ما كان له التأثير الكبير مع جرعات الادعاء، هو بالتالي كما أرى:
1- نحن كما رددنا دائما نفتقد "إدارة (قيادة) ذات إرادة" بنائية للتنظيم، لأن الأسلوب الرخو التوفيقي المتهاون هو ما نتبعه باعتقادي (ولا أعفي نفسي من المسؤولية) وهو أسلوب لا يؤسس لتنظيم ولا التزام ولا يفيد حين الاختلاف.
2- لم يكن لدينا بناء فكري تثقيفي سياسي حركي بسيط (ما بالك بالصلب)، عوضا عن عدم قدرتنا على استثمار الانتصارات الخارجية وعكسها على الفكرة وعلى فعل المقاومة.
3-عدا عن انتهازية بعض الأشخاص المتسلقين فينا كبارا وصغارا، والكلام في هذا مجاله مكان آخر، وآليات رقابة ومحاسبة صارمة.
4-ولم ننجح في الإعلام، وهو كان من النوع الرديء الذي خسرنا كثيرا.
5-ثم تداخل (من لا حق له بالتدخل) بالجامعات، وعقلية المناطقية المذمومة حتى لدى الطلاب نتيجة عدم وجود البناء التنظيمي التثقيفي الصلب.
6- ما يمكن الإضافة له الإشارة لبعض السلوكيات المنفرة، من هذا أو ذاك أخلت وأضرت كثيرا بالصورة العامة، وافتقاد "التواصل" سواء التنظيمي أو الطلابي على قاعدة الولاء والانتماء لفلسطين كلها وسبيلها حركة فتح.
إن بعض المظاهر المرتبطة بسوء الأقوال والأفعال أو اللاأفعال، واقتصار التواصل (داخل التنظيم الصلب غير الموجود، ومع الطلبة عامة) على المناسبات هو ما يجعل الطلبة يتقززون ويبتعدون ولهم في ذلك كل الحق.
كل ذلك إضافة لدعاية الخصم التضليلية الضخمة التي تخاطب العواطف كالعادة، وتستخدم الدين اقحاما كما تستخدم حصرية المقاومة المتوقفة فيها، هذا الداء فينا ما جعلني استعجب كليا من فوزنا في الفترات السابقة بالجامعات والمعاهد! حتى قلت وكتبت علنا بضرورة الخسارة خاصة في أكثر من موقع لنبني التنظيم، وقدمت المشروع تلو الآخر لكن كانت الأمور الأخرى تأخذنا.
إن الفشل نعمة لنا كما قال الرسول في "استراتيجية البدائل" حين قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمْر الْمؤْمن إن أمْره كله خيْر، وليْس ذاك لأحد إلا للْمؤْمن، إنْ أصابتْه سراء شكر فكان خيْرا له، وإنْ أصابتْه ضراء صبر فكان خيْرا له )، وهذه بداية طيبة إن أحسنا استغلالها في البناء الصلب.
من جهة أخرى لقد أثبتت حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح أنها أم الديمقراطية والفكر المدني والدولة غير الدينية التي تنهل من نبع الحضارة العربية الإسلامية بالإسهامات الثرية من المسيحية الشرقية، فكما عقدت انتخابات النقابات والاتحادات والبلديات تستمر سنويا بانتخابات الجامعات فيما السلطة المتحكمة بشعبنا في غزة تشق النقابات ولا تجرؤ على انتخابات الجامعات بل ولا تقترب منها.
وكما تشدد الحركة دوما على ضرورة إجراء الانتخابات بالتشريعي والرئاسة تصر "حماس" على التعطيل ووضع العصي في الدواليب لأنها خاسرة بذاتها وتخشى كل الخشية أن تفقد الكرسي والمال والهيلمان و"التمكين" الذي جاءها من الله، كما تظن، بل أكثر من ذلك هي تخشي الشراكة فتريد السيطرة الأبدية على غزة والسيطرة (أو بالحد الأدنى الشراكة) في الضفة وفي المنظمة.
لقد أثبتت حركة فتح حرصا لا نظير له على الديمقراطية وعلى الحوار وعلى إيمان لا يتزعزع بالتداول فلا كسب دائما ولا خسارة دائمة، والديمقراطية ليست صندوق انتخابات لمرة واحدة، وإنما تداول وتعارض وتصارع على خدمة القضية وفلسطين أولا، وعلى خدمة الناس ما يجب أن يستقر في أذهان الناس دون استغلال للدين أو إسفاف أو تحقق من عقول الناس. 
إن حركة فتح تخسر (وإن كان كذلك هي تخسر بشرف) عندما لا تنظر جيدا أو حين تترك الرياح تسيرها، وعندما تفتقد حسن النظر سواء في القمة أو القاعدة، وعندما تعيث فيها رمال الصحراء فسادا فتعمي العيون، وهي خاسرة بتناحراتها الداخلية دون قانون ضابط، ولا يعد لها قيمة عندما تبتعد عن الناس، وعندما يحاصر الانتهازيون ثقافتها وفكرها الرحب وقيمها النبيلة فيتقوقع في ذهن البعض لتمنعه عن عقل الآخر وممارسته ذاك الآخر الانتهازي المتحكم سواء في الطلبة أو في عقول بعض القياديين، وفي جميع الأحوال فإن التغيير يبدأ دوما من عندي في نفسي (في ذات أي منا أولا)، وسنفعل إن شاء الله.