بقلم: محمود عباس
لم تكن حدود 1967 لترضيه، أو حتى تروي ظمأه، و ظمأ شوقه لفلسطين...  كان مؤمنا " بفلسطين " ومساحتها التاريخية  "من البحر الى النهر"، كان متمسكا بكل شبر من مساحتها الكاملة  (27027 كم2 )، من دون أن تنقص شبرا واحدا.
إنه " أبو عرب".. ذاك العجوز الذي اعتدت رؤيته كل صباح في أزقة المخيم، وهو ينتظر الطلاب... ليجري لهم اختبارا قبل الدخول الى المدرسة... "إنه اختبار فلسطين"... فيستوقف الطلبة سائلا إياهم عن حدود فلسطين من الشرق، من الغرب او الجنوب،  ومن يخطىء ينهال عليه بالتوبيخ...
ثم سرعان ما يسأل طالبا آخر عن مساحة فلسطين التاريخية، فمن يخطىء يكن مصيره كسالفه.
بالطبع، لم يكن هدفه التوبيخ أو التقليل من وطنية الطلاب، بل كان يرمي إلى حفر فلسطين وجغرافيتها في قلوب الطلاب، وأزهار الجيل الثالث بعد النكبة، كونه شعر مبكرا بخطورة ذوبان الهوية الفلسطينية، في زمن التخاذل العربي...
فتراه يخرج أوراقا من جعبته... موزعا إياها على المارة، ولا سيما الطلاب، وهي أوراقا تحتوي على الحد الأدنى من المعلومات التي يفترض أن يحفظها أي لاجىء فلسطيني.
"أبو عرب"... ختم حياته كما بدأها، ثائرا فلسطينيا، ومناضلا... متبعا أسلوبا نضاليا لافتا، فمن البندقية الثائرة في الأردن ولبنان، إلى الورقة والمعلومات في أزقة المخيم.
هذا المناضل الكبير كان حريصاً على ذاكرتنا التي ارادها صافية الاخلاص والانتماء لفلسطين القضية ومحط الرحال، هذا المؤمن العنيد، كان مقياس وفائه التبشير وايقاظ من به سهو ان تعب كي يعيد زراعة شتلة القضية في ضميره الممتلئ غيرة وثباتاً.
"أبو عرب"... فارقت فلسطين... لكن فلسطين لم تفارقك... إنك حقا... شهيد فلسطين.