شكَّل الانقسام الذي بدأ في حزيران العام 2007 جرحاً عميقاً ونازفاً في الجسم الفلسطيني، وسمَّم الأجواء الوطنية، وأدخل العلاقات الفلسطينية الداخلية في أزمات حادة ما زلنا جميعاً ندفع الثمن، في الوقت الذي يصعِّد فيه الاحتلال الاسرائيلي من عدوانه، واستيطانه، وممارسة الابادة البشرية بكل ما في الكلمة من معنى. لقد قررت قيادة حركة فتح إنطلاقاً من حرصها الوطني على القضية الفلسطينية أن تتجاوز كافة التداعيات المؤلمة للإنقسام، وأن تعضَّ على الجراح، وأصرَّت على تلبية الرغبة الجماهرية والفصائلية في الإنخراط بجدية في الحوار مع حركة حماس، من أجل لملمة الاوضاع الفلسطينية، وبلسمة الجراح النازفة. وعندما تم التوصل إلى أول أتفاق في 15/10/2011 بإشراف الجانب المصري أصرَّ الرئيس أبو مازن على تكليف الأخ عزام الأحمد للذهاب إلى القاهرة والتوقيع على الاتفاق رغم الضغوطات التي مارسها الرئيس الاميركي وبعض الدول العربية على الرئيس من أجل عدم التوقيع على الاتفاق، لأنَّ التوقيع يتعارض مع الرغبات الأميركية والاسرائيلية ويشكل تحدياً لهما لأنهما يسعيان إلى تدمير الوحدة الوطنية، واشعال الفتنة الداخلية.
واستمرت حركة فتح في تقديم التنازلات بعد التنازلات لصالح حركة حماس من أجل إنجاح الحوار، والتوصل إلى حلول ومعالجات جذرية، وإعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني، وكانت جلسات الحوار تلقى الدعمَ والمباركة من كافة الفصائل الفلسطينية. كل ما تم التوصل اليه كان يُعرض على القيادات الأولى في الفصائل بما في ذلك تشكيل اللجان المعنية بتحقيق المصالحة الفعلية على الارض وخاصة اللجنة المجتمعية، ولجنة الحريات، ولجنة الانتخابات وغيرها، وكان يتم التوقيع من قبل الجميع على هذه الوثائق في احتفال علني وتغطية إعلامية.
وكان آخر هذه الاحتفالات في مخيم الشاطئ منتصف العام الماضي، وهو الامر الذي أثار حفيظة وغضب الكيان الصهيوني، وردَّ على المصالحة بعدوان على الضفة الغربية، تم توسَّع العدوان ليطال قطاع غزة بكامله مستهدفاً المدنيين والاطفال ،والاحياء السكنية ،ومستخدماً الأسلحة المحرَّمة دولياً، واستمرَّ العدوان لمدة واحد وخمسين يوماً ،ومازال القطاع بمعظم احيائه مدَّمراً .
إذاً ما تم التوصل اليه سابقاً من اتفاقات كان بالغ الأهمية، والسؤال هو لماذا وُضعت العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق؟
ومن الذي له مصلحة في استمرار الانقسام؟
ألم نسمع جيمعاً الاعتراض الاسرائيلي والاميركي المباشر على المصالحة التي أُعلنت من مخيم الشاطئ؟ إذاً ليسَ الكيان الاسرائيلي هو فقط عدونا، ولكن أيضاً الانقسام عدونا لأنه لا يخدم شعبنا، وانما يخدم أعداءَنا.
ونحن نقترح خطة طريق لإنجاز المصالحة الكاملة وفي القلب منها الوحدة الوطنية، وهي:
أولاً: ان نلتزم بالوثائق التي وقعنا عليها في القاهرة والدوحة ومخيم الشاطئ، وفي المقدمة منها وثيقة الوفاق الوطني التي تبناها الاسرى من مختلف، الفصائل وذلك في العام 2006 والتي تتناول مختلف القضايا الوطنية، وتحسم القضايا الخلافية، وهي الوثيقة التي تمت مناقشتها من كافة الفصائل، وتم التوقيع عليها.
ثانياً: امام المشاريع الدولية والاقليمية المرسومة والتي تستهدف وحدة الارض الفلسطينية، ووحدة الشعب والقضية، ونقصد من ذلك الوقوف بحزم امام المحاولات الاميركية والإسرائيلية لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وايجاد شرخ في ساحتنا النضالية، وهذا ما تخطط له الولايات المتحدة وحليفتها " اسرائيل" من اجل اقامة دولة في قطاع غزة، والغاء أي تفكير بإقامة دولة في الضفة الغربية باعتبار ارض الضفة هي ارض الميعاد بنظرهم.
ثالثاً: لمواجهة هذه المؤامرة علينا جميعاً ان نرفض وبشكل مطلق القرار الاسرائيلي باعتبار دولة اسرائيل هي الدولة القومية لليهود، وان نرفض ايضاً الدولة ذات الحدود المؤقتة، وان نرفض اي دولة لا تكون شاملة للضفة والقطاع، وتكون القدس هي العاصمة الابدية لها.
رابعاً: إنَّ أي قرار يتضمن العلاقة مع الاحتلال الاسرائيلي سواء أكان في الضفة ام في غزة يجب ان يكون قراراً مركزياً تقرره القيادة مجتمعة، وليس تنظيم بمفرده، وخاصة موضوع الهدنة  والتهدئة مع الاحتلال.
خامساً: من الضروري الحفاظ على حكومة الوفاق الوطني، وتمكينها من اخذ دورها المنوط بها في الضفة وقطاع غزة، فهي حكومة تكنوقراط وافقت عليها كافة الفصائل بدون استثناء، ومهامها واضحة وتتمركز في توحيد الوزارات، واعادة الاعمار، واجراء الانتخابات على اختلافها.
سادساً: إنَّ الخروج من الاوضاع المأساوية في قطاع غزة سواء أكان الدمار المتراكم، ام ارتفاع نسبة الفقر، ام ارتفاع نسبة البطالة، هذا كله لا يتم إلاَّ باستلام السلطة اي حرس الرئاسة المعابرَ وخاصة معبر رفح حسب اتفاق المعابر الدولي السابق، وهذا ما يجب ان تتفهمه حركة حماس وإلاَّ فإن الازمة ستبقى تراوح مكانها، والمأساة ستزداد.
سابعاً: يجب تسهيل عملية اجراء الانتخابات، وان تكون لدينا جيمعاً قناعة تامة بها لأن مختلف الشرعيات الفلسطينية قد مضى على انتهاء شرعيتها ما يزيد على خمس سنوات، وعلينا ان نتقبل النتائج لأنَّ هذا خيار الشعب، والكل يعلم ان حركة فتح عندما جرت الانتخابات العام 2006 تقبَّلت النتائج، وسلَّمت كافة الوزارات الى وزراء حكومة حماس بكل ترحاب، وبتعليمات من الرئيس ابو مازن.
ثامناً: من الضروري اجتماع الاطار القيادي المؤقت كي يأخذ دوره المطلوب في معالجة العقبات التي تواجه الوحدة الداخلية، واستكمال كافة الاجراءات المتعلقة ببعض الملفات وخاصة انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، والذي بدوره يختار اللجنة التنفيذية الجديدة.
تاسعاً: ايضاً لا بد من وضع الخطة لمعالجة اوضاع الاجهزة الامنية على اساس الكفاءة ، والمهنية، والاستعانة بأصحاب الخبرات.
عاشراً: إنَّ الضرورة تتطلّب تفعيل وتطوير مؤسسات وهيئات م.ت.ف وخاصة في الشتات حتى تكون المشاركة فاعلة وفعلية في الاوضاع الفلسطينية عامة، وفي القرارت المصيرية.
حادي عشر: إنَّ التعاطي بجدية وواقعية مع القرارات التي صدرت عن المجلس المركزي امر في غاية الاهمية لأنه يضع حداً للتساؤلات الكثيرة المطروحة وخاصة موضوع إعادة النظر في التنسيق الأمني، وقد كلَّف المجلس المركزي اللجنة التنفيذية لدراسة الاجراءات المطلوبة والآليات، والاحتمالات المتوقعة، والاخذ بعين الاعتبار مصلحة المجتمع، علماً أن التنسيق الامني انتهى عند بدء الانتفاضة الثانية في العام 2000 وعندما جرَّفت سلطات الاحتلال الضفة وغزة، ودمّرت وهدمت، وما بقي من التنسيق هو تنسيق مدني يتعلق بحياة المجتمع، والسلطة اذا اعتقلت أيَّ شخص هي تحاكمه في محاكمها، ولا تُسلِّم اي سجين لإسرائيل اطلاقاً، والآن هناك احتلال لكل الاراضي الفلسطينية وهي احياناً تدخل وتعتقل بدون تنسيق مع السلطة.
ثاني عشر: إن الواقع يتطلَّب اجراء تقييم موضوعي للجوانب الاقتصادية، ولكافة الاتفاقات المعقودة مع الاحتلال، ودور السلطة الوطنية التي هي وسيلة لبلوغ الدولة الفلسطينية المستقلة، وليست غاية، وهذا الامر يتطلب انجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية حتى تكون ارضية المواجهة ضد الاحتلال صلبة بعيداً عن النزاعات والانقسام الذي يتغذى منه الاحتلال.
ثالث عشر: هناك ضرورة قصوى في ظل المصالحة والوحدة ان نتفق على استراتيجية موحَّدة سياسياً وعسكرياً، وان نحدد وجهتنا في مقاومة الاحتلال، واختيار الادوات والاساليب المطلوبة في كل مرحلة، وان نفعِّل دورنا في الانضمام الى المؤسسات الدولية، وخاصة محكمة الجنايات الدولية لمحاسبة العدو الاسرائيلي وقادته على جرائمهم.
رابع عشر: لابد من ان يؤكد الجميع التزامه بالمشروع الوطني الفلسطيني وهو مشروع م.ت.ف الجامع والشامل، وهو المشروع الذي يحتضن مسيرة خمسين عاماً من الكفاح، وتراكم الانجازات الوطنية، والتضحيات وقوافل الشهداء.
نحن في حركة فتح ليس لدينا من خيار آخر سوى الوحدة الوطنية، ولذلك نحن متمسكون بالمصالحة الفلسطينية التي تقود الى الوحدة الوطنية في اطار م.ت.ف البيت الجامع لكل أطياف الشعب الفلسطيني.