التلفزيون هو الوسيلة الأكثر تعرضاً للنقد الاجتماعي والأخلاقي والديني.

لكن رغم كل ما سبق فإن التلفاز هو الأكثر جماهيرية الآن وفي المستقبل، وهو الأكثر حساسية لمشكلات البيئة الخارجية. من الواضح أن التطور العلمي التكنولوجي أسهم في تعزيز دور الشاشة كقناة معلوماتية لها سيطرتها وسلطتها على الإنسان سواء أكان صغيراً أم كبيراً، مثقفاً أم من عوام الناس، فالشاشة اليوم كتلفاز، أو كأجهزة تواصل أصبحت متوافرة، والحصول عليها سهلٌ ولا يحتاج إلى أعباء مالية، ولهذه الشاشة جاذبية تشد الأسرة بكاملها لعدة ساعات، وما يزيد ويضاعف عملية الجذب هو وجود مئات القنوات، تنقل برامج، ومواد مختلفة سياسية، وفكاهية، وثقافية، واخبارية وغيرها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى استطاعت هذه الشاشات أن تبني مواطناً وفياً قادراً على تحمُّل المسؤولية.

وأن تهيئ هذا المواطن لبناء شخصيته الاجتماعية، وتحديد خياراته السياسية الوطنية، وتعزيز الوحدة الداخلية لمواجهة التحديات، والمحافظة على تماسك الأسرة التي هي عماد المجتمع، وصيانة العادات والتقاليد والتراث.

إنَّ إنجاز مثل هذا الأمر لا يتم بسهولة لأنه يحتاج إلى التوجيه والارشاد، ووضع الضوابط، وتنقية واختيار المفاهيم التي تتناسب مع المبادئ والاهداف والتطلعات لهذا الشعب أو ذاك، ومن غير المنطقي أن يُترك الفتية والفتيات والأطفال وحدهم في مواجهة هذا الغزو من الأفكار، والتأثيرات، والانحرافات السلوكية، وترسيخ المفاهيم الغربية في الواقع الاجتماعي، والمادة الاعلامية التي تبثها الشاشة لا تأتي عفوية وانما يتم برمجتها ودراستها، واخراجها بحلة براقة، وأخّاذة، ثم تسويقُها بالشكل المناسب لتأدية أهدافها التي تناسب الجهة المسوّقة وخلفياتها الحزبية والأمنية والايديولوجية.

من هنا نقول أن السيطرة على نتائج ما يتم تسويقه من معلومات بالغ الصعوبة صحيح أن هناك في بعض البرامج معلومات مهمة يجب الاستماع إليها، لكن هناك بالمقابل الكثير من الانحرافات والمغالطات التي تضر بالجيل.

وواقع الأمر أن الجيل الناشئ أكثر تأثراً بما يرى ويسمع، وهو داخلياً يعيش حالة صراع لا يستطيع الخروج منها بسهولة، خاصة إذا كان هناك غياب للتوجيهات

الأسرية، وغياب أيضاً للمؤسسات التربوية والاعلامية والاجتماعية والتربوية القادرة على وضع الضوابط التي تحمي المواطنة وقيمها.

هذا الواقع أثّر على عملية المطالعة، وقلّما نجد شباباً مهتماً بالكتاب، أو بقراءة الصحف، وهذا الوضع مردُّه غياب التوجيه المنزلي، والتشجيع المدرسي، والحوافز الاجتماعية، والبيئة الحاضنة.

فالكتاب كمصدر للمعرفة، والمعلومات، والفكر، والتعبئة الوطنية، ومحاربة المفاسد الاجتماعية، والاطلاع على تجارب الأمم الأخرى هو أكثر وضوحاً، وأقلُّ سطوةً على الانسان من الشاشة، فالكتاب يسهّل عليك مهمة اختيار المادة المطلوبة، كما يعطيك الفرصة للقراءة الهادئة والمتأنية، ويمكّنك من التحليل والتقييم والاستيعاب، والمراجعة عند الحاجة، وتسجيل الملاحظات، وهذه القضايا غير متوافرة في التعامل مع الشاشة التي تبثُّ الأفكار والآراء التي تداعب العواطف والمشاعر، وتتحدى القيم والمبادئ السائدة.

من هنا فإنني أرى ضرورة التركيز على المطالعة لإيجاد نوع من التوازن على الأقل بين الشاشة والكتاب.

15/1/2016

رفعت شناعة