في نفس مسار المواجهة الشاملة التي يخوضها شعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي بكل مؤسساته ومفرداته وممارساته العدوانية، تتنامى ثورة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، لأن سياسات الاحتلال التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تكشف بوضوح صادم أن هذا الاحتلال شاذ في كل ممارساته، وعدواني في كل حالاته، ومعاد على طول الخط للقانون الدولي والإنساني، وعاجز عن التكيف مع أبسط الحقوق، ولهذا فإن زواله حتمي، وهزيمته واجبة بإلحاح، والخلاص منه مهما كلف الأمر هو أول البديهيات في حياتنا الوطنية.
وكل بشاعة لهذا الاحتلال وتداعياته عبر عنها هذ المجرم الصهيوني المفضوح أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية في حكومة نتنياهو الذي دعا على المكشوف إلى استصدار قوانين جديدة تتيح إعدام الأسرى الفلسطينيين حتى لا يخرجوا من السجون في حال ظلوا أحياء وشملتهم صفقات التبادل وتم تحريرهم! فهل بعد هذا الانفضاح العلني مجال لقول آخر؟
ولو تابعنا ممارسات الاحتلال ضد أبطالنا في السجون فسنرى ما هو أبشع من كل بشاعات النازية في ذروة انحدارها الأخلاقي والإنساني، فهناك استهداف الأطفال الفلسطينيين عبر إيداعهم السجون، وهناك الحجز الإداري من دون محاكمات وتهم الذي يمتد لسنوات، وهناك الإهمال الطبي المتعمد الذي يفضي إلى الموت، وإعادة اعتقال المفرج عنهم وإخضاعهم للأحكام السابقة أو زيادة عليها، وهناك عمليات التعذيب النفسي من خلال منع الزيارات، أو السجن في زنازين انفرادية أو حرمانهم من رؤية الشمس، وعمليات التفتيش المفاجئة التي تحول حياة المساجين المحكومين إلى جحيم لا يطاق، أو الممارسات الطبية الخاطئة المتعمدة التي تؤدي إلى إعاقات وغير ذلك من آلاف التفاصيل الأخرى التي تكشف بوضوح أن دولة إسرائيل لا تعيش إلا على العدوان بكل أشكاله وأحط أشكاله، وأنها ترفض أي قدر من الالتزام بقواعد القانون الدولي والقانون الإنساني، وهذا هو السبب وراء قرار الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة بتحويل هذه السجون السوداء إلى ساحات للنضال والكفاح والمقاومة، فقد استطاع أسرانا البواسل بكل جدارة أن ينظموا أنفسهم، وأن يوحدوا جهودهم رغم المعيقات من هنا وهناك، وأن يبتدعوا مع شعبهم صوراً جديدة للمقاومة، مثل عمليات التعليم والتثقيف السياسي، وتكريس صورة عالية للوحدة الوطنية بحيث صارت قضيتهم قضية وطنية بامتياز يناصرها شعبنا كله دون أي خلل أو تمييز، وبحيث يستجيب أسرانا الأبطال لكل المبادرات الكفاحية من أي جهة جاءت، فهاهم أسرانا الأبطال في السجون يقفون وقفة رجل واحد مع المبادرة الكفاحية التي تقدم بها إخوتنا في الجهاد الإسلامي في الإضراب والتمرد على سلوك مصلحة السجون الإسرائيلية وبعثرة المساجين ونقلهم التعسفي إلى سجون متعددة، والحقيقة أن الأسرى الأبطال من إخوتنا في حركة الجهاد الإسلامي سجلوا في السنوات الأخيرة مبادرات نضالية عالية المستوى عندما بدأ المناضل خضر عدنان إضرابه الأسطوري عن الطعام، فتحول ذلك الإضراب إلى حالة نضالية شاملة وصمت الوجه الإسرائيلي الاحتلالي بالعار والعنصرية.
بل إن قضية الأسرى في سجون الاحتلال قد صعدت لأن تكون قضية عربية وقضية دولية، لأنها كشفت عن الوجه الأبشع للاحتلال الإسرائيلي وأنه معاد لكل ما هو شرعية قانونية أو إنسانية.
المواجهة داخل السجون، والمواجهة اليومية للاستيطان وفعاليات مقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية، والكفاح ضد جدار الفصل العنصري، والتوجه إلى منصات القضاء الدولي، وتوحيد الصوت الفلسطيني داخل الخط الأخضر لخوض الانتخابات بقائمة موحدة، ومواصلة التشبث بالأرض في النقب، وقرع أبوب مجلس الأمن، وغيرها وغيرها، كلها مفردات لقضية واحدة، قضية فلسطين وحريتها واستقلالها وتقرير مصيرها ونيل حقوقها غير القابلة للتصرف.
ولذلك فإن كل سلوك فلسطيني منفرد خارج السرب لاعتبارات فصائلية ضيقة أو لاعتبارات أيدولوجية خارج المصلحة الفلسطينية العليا يعتبر اختراقاً سلبياً يضع من يمارسونه في خانة خيانة الشعب وخيانة القضية، ولا يوجد في حياتنا اختراق سلبي أسود أكثر من بقاء هذا الانقسام الفاقد لكل غطاء وطني أو ديني أو أخلاقي، فلينظر شعبنا العظيم من هم أولئك الذين يذبحون شعبهم من خلال التشبث بهذا الانقسام الملعون؟