أفصحت زلة لسان المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، عن مشاعر كامنة في نفس الرئيس الأميركي باراك أوباما. فقد أجاب جوش إيرنست، عن سؤال بمعنى ما إذا كانت الإدارة تسعى الى إطاحة نتنياهو، فرد بالإيجاب!
انهمرت عليه الاستفسارات الإيضاحية من الصحفيين، فعدّل قليلاً من إجابته الأولى مُخففاً، لتصبح:"آسف، ظننت السؤال يتعلق بموقفنا في حال وقع التغيير في منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية، ونحن في الحقيقة سنرحب بأي تغيير"!
جوش إيرنست هذا، الشاب الذي بدأ حياته لاعب "بيسبول" هو من أقرب العناصر الى خواطر الرئيس الأميركي. فقد عمل أثناء حملته الانتخابية الأولى مديراً لاتصالاته ثم أصبح بعد فوز أوباما نائباً لمسؤول الإعلام في البيت الأبيض، قبل أن يصبح ناطقاً رسمياً باسم الرئاسة. فعندما يفصح "جوش" بشكل لا إرادي، عن تبرم الإدارة من رئيس حكومة اسرائيل الذي لا يرى لنفسه مجداً من دون التطاول على الرئاسة الأميركية، والاستهتار بمواقفها وبمواقف العالم تالياً؛ فإن الأمر يدل على محنة الإدارة أكثر مما سيجرح رئيس حكومة الدولة التي لم تكن ستفعل كل ما فعلت، حروباً وقتلاً بناء للجيوش وتسليحاً حتى النواجز، وجفاءً للمنطق واغتراباً عن تقاليد الفضاء الإنساني؛ لولا الدعم الأميركي اللا محدود لها!
كان بمقدور الولايات المتحدة، في عهد أية إدارة، أن تنصف نفسها قبل أن تنصفنا بعض الشيء، وأن تكبح جماح التطرف الصهيوني، الذي يزيد تهديده للسلم العالمي أضعاف المرات عن تهديد داعش والقاعدة. فقد كانت المحاباة الأميركية، والاصطفاف التلقائي الى جانب حكومة إسرائيل، بصرف النظر عن سلوكها وعن ممارساتها؛ هي التي شجعت نتنياهو على الاستخفاف بقيادة الولايات المتحدة. وحتى حسب المنطق الأميركي، لم يكن سيحدث أي ضرر لإسرائيل، لو أن الإدارة الأميركية أعلنت صراحة عن معارضتها لسياسة نتنياهو الذي لا تنال منه زلة اللسان المثيرة للسخرية. بالعكس، كانت إسرائيل نفسها ستربح بالمعيار الاستراتيجي، والولايات المتحدة نفسها ستربح على صعيد مصالحها وهيبتها في المنطقة ودورها العالمي.
الأمر المؤسف، أن الإدارة التي تتحسب وتستنكف عن هجاء نتنياهو علناً، وعن اتخاذ تدابير رادعة بحق حكومته؛ تحس بعنفوانها على الصعيد العربي، فتتدخل في السياسات على كل صعيد، وفي الخيارات على كل مستوى، بدءاً من بُنية النظام السياسي ومؤسساته وتشريعاته، وانتهاءً (أو لا انتهاء) بالمناهج الدراسية!
نتنياهو يجرؤ على أن يغمز من قناة الإدارة وهو موغل في السياسات القبيحة المسممة للبيئة في أهم منطقة على خارطة العالم، بينما أحباب "السلام" العرب، وهم مصيبون أو رشيدون كما يُقال، لا يجرؤون على توجيه نقد أو اتخاذ موقف، يقنع الإدارة بأن هوان أمرها على نتنياهو سيكون مكلفاً لها وللولايات المتحدة.
جوش إيرنست، أجاب بشكل لا إرادي عن رغبة الإدارة في الخلاص من كابوس نتنياهو الذي يستخف بها. وعندما طالبه الحاضرون بالإيضاح، خفّف الصيغة كثيراً، بدل أن يضع النقاط على الحروف ويقول إن هذا الرجل وحكومته، اختارا الإساءة للسلام وللولايات المتحدة ولمصالحها في أكثر المناطق حيوية في العالم.