مروان عبد العال  كاتب وروائي وفنان تشكيلي ومناضل سياسي فلسطيني من مواليد العام 1957 في مخيم نهر البارد شمالي لبنان. وهو الابن البكر لعائلة ضربت جذورها في قرية الغابسية. في رصيده العديد من النصوص الادبية والمقالات السياسية والفكرية، والمعارض التشكيلية. صدرت له ست روايات، هي: سفر ايوب، وزهرة الطين، وجفرا، وحاسة هاربة، وايفان الفلسطيني، وشيرديل الثاني.

جمع بين الثقافة والفن والسياسة ورأى فيها منحى تكامليًا. قدّس المخيم لما حمله من رمزية صقلت شخصيته وضربت جذوره في أرض فلسطين التي وُلدَت فيه يوم وُلِد في مخيم نهر البارد. انه الكاتب والروائي والفنان التشكيلي والمناضل السياسي الفلسطيني مروان عبد العال الذي كان لنا هذا الحوار الشيّق معه للإطلاع على تأثير تجربته النضالية على نتاجه الفكري وكيفية محافظته على هذا التوازن بين الجانب الفني والجانب السياسي بشتى تجلياتهما.

 

هل لك أن تحدّثنا عن مروان الفتى والشاب المقاوم؟

لا شك أنه من الصعب ان يتحدث الانسان عن ذاته حيث تجد ان كل حكايتنا تشبه بعضها وخاصة عندما يكون هناك شراكة في المكان، وأعني هنا المخيم، فتجد ان معظم احداثه تشملُ كل الاجيال. فمثلاً من أهم رموز العيش في المخيم التي أذكرها أنه كان هناك توقيت واحد متعارف عليه لسير كل طلاب المدرسة، وأتذكر وأنا فتى وهذا ما يجمع عليه كل ابناء جيلنا مثلاً مرور التروماي الذي كان يمر الساعة 11 صباحاً، وهناك احداث عديدة حصلت في هذا المكان شكّلت هوي الناس الذين يعيشون فيه وأنا واحد ممن تشكّلوا فيه.

 

كيف أثّرت تجربتك النضالية الكبيرة على توجهك الفني والثقافي؟

دائماً كان يُنظَر إلي وكأن هناك زواجًا حرامًا بين الجانب السياسي والجانب الثقافي، وأنا اعتقد أن هذه عملية خاطئة. فالثقافة لها دورها المهم جداً في السياسة، ودورها ليس مهمة  تزيين للسياسي كي تجمل وجهه بل بالعكس، فهي تحوّل السياسة الى ثرثرة بلا معنى اذا افتقدت عمقها الثقافي، وبنفس الوقت اساساً لماذا أنا مثقف؟! ذلك لأني سياسي وأنا لو لم اكن ابن المخيم ولم أكن صاحب انتماء سياسي وطني فلسطيني، لم اكن لأغدو روائياً اي ان هناك عاملاً آخر يُضاف في هذا المجال، خاصة ان الجميع عندما يتحدث عن الثقافة يصفها بأنها الشيء الاعمق في الصراع، رغم أنها هي الجبهة الاكثر استراتيجية، دائماً السياسة فيها التكتيك وفيها الواقع وفيها الفكر والخيال وبنفس الوقت فيها الحلم، وهناك في السياسة أحيانًا أشياء لا تقدر أن تتحمّلها كمثقّف وهنا ينشأ التناقض ولكن الثقافة تستطيع ان تنمي السياسي وهنا ينشأ التوازن بمسألة الشخصية.

 

كيف استطعت ان تمزج بين مروان السياسي والفنان؟

جزء من رؤيتي هو كيف تحوّل السياسي الى مثقّف، وهنا أشير إلى أن المثقف ليس عليه أن يكون حياديًا تجاه الواقع السياسي ولا أن يكون مُسيّسًا في الوقت نفسه. وهذه الفكرة هي اول مسألة أسعى اليها، أي عملية الربط المركب بين المسألتين، بمعنى ان اجد نفسي على الاقل في الثقافة بما استطيع ان اعبر فيه عن شخصي وعن ذاتي، وبالعكس في بعض المرات أجد نفسي اقرب الى قضايا الصراع لأننا نتعرّض الى ابادة ثقافية من قِبَل عدونا بكل ما لهذه الكلمة من معنى. وقد تقول لماذا وصلنا الان الى ما يحدث من توحش بشكل عام في المنطقة، فهذا في الحقيقة تمهيد لإلغاء العقل بشكل او بآخر وهذا جرى على اكثر من منحى.

 

كيف استطعت أن تمزج في نقلك لمعاناة الشعب الفلسطيني بين الفنان والكاتب صاحب الخيال والإحساس المرهف من جهة والسياسي من جهة ثانية؟

انا ممن كانوا يرفضون الكلمة التقليدية "ثقافة المقاومة" وكنت اقول ان هناك مقاومة ثقافية، والشهيد غسان كنفاني كان اول من كتب عن ثقافة المقاومة في فلسطين حين لم يكن أحد قد سمع بعد بالشاعر محمود درويش، وكتب غسان آنذاك ان هناك شعراء يقاومون الاحتلال وهذه اسماؤهم وهذه مضاداتهم وهؤلاء اول ناس يقاومون الاحتلال.

اذا هذه مسألة لها علاقة بالصراع وبالسياسة وأنا ضد وضع جدار بين الاثنين. بالنسبة لي المثقف العادي السياسة ليست سلطة، واذا اعتبرت كذلك فمن المفترض ان يكون المثقف سلطويًا، وهذا معناه اسقاط الكثير من الحرية، وبصراحة انا ارفض أن تحدد لي السياسة قالبًا هذا واقع، وفي تجربتي لم تجد السياسة قالبًا بل بالعكس انا جانب رقيب على السياسة، وأحيانًا أعطيها حيّزها لأن في الثقافة يحضر العامل الاخلاقي من السياسي، وبذلك تشكّل رادعًا للسياسي وإذا لم يرد أن يكون هذا الرادع فسوف يصبح وسيلة استخدام بيد السياسي. وأنا شخصيًا ارفض ان اكون من الناحية الثقافية وسيلة بيد هذا السياسي وهنا يحضر السؤال هل تستطيع ان تدفع اثمانه؟ انا اقول نعم ولست الوحيد الذي دفع اثمانه في هذا المجال، وأنا قد أتنازل عن أي شيء إلا المبدأ. وبالمناسبة فمعظم ابطالي اخذتهم من الحياة التي عشتها، من الشخصية الفلسطينية التي هي بالنسبة لي بتحولاتها وتغيراتها من الواقع الذي عاشته وتعيشه في كل منطقة.

 

إذًا في رواياتك هل كتبتَ لتؤرّخ الحياة الفلسطينية في الماضي او للحفاظ على تراث الشعب الفلسطيني وتجربته؟

سؤال عميق جداً. في الأساس كل رواياتي الست، والسابعة على الطريق، معظمها تتناول هذا الموضوع. اولا رواياتي ليست بالمعنى الوثائقي او كما يقول جوزيه ساراماغو "أكتب الروايات لأني لا أعرف كتابة البحوث!"، وأنا لا أحب ان اكتب التاريخ، فأنا اعمل على نقد التاريخ والرواية هي جزء من نقد التاريخ لأنك تقدمه ليس كما هو دائماً بل بصورة ناقدة تتدخل فيه في هذا المجال.

ثانياً بالنسبة لنا كفلسطينيين هناك مسألة غاية في التعقيد، هي أن لدينا ذاكرة متحولة ان لم نستدركها فإنها سوف تمحى وتشكل بطريقة مختلفة عما نستطيع ان نحدد ملامحها، فلذلك تخيل ان معظمنا نُسيَت في ذاكرتنا فلسطين على ذاكرة شفوية وليس ذاكرة مكتوبة بمعنى اخر انها ذاكرة عامودية ولكن هناك ذاكرة افقية لان الفلسطينيين انتشروا ولم يعودوا جميعهم يسكنون في المخيم الذي كان وسيلة تناقل الذاكرة. واليوم اصبح هناك فلسطين في المانيا، والسويد، والدنمرك، وكل بلاد الاغتراب، والأجيال الجديدة جاءت وكل فلسطيني ينقل نتيجة ذاكرته المختلفة عن الاخر، وكيف الوسيلة لجمعها، وهذا من اسئلتي التي اطرحها في رواية ايفان الفلسطيني، لأنه جزء من الناس الذين غيّروا اسماءهم حتى يقدر ان يعيش في مجتمعات اخرى.

 

من تحاكي بروايتك من ايوب لايفان الفلسطيني مرورًا بجفرا وزهرة الطين وحاسة هاربة؟ ولمن تريد ان توصل رسالتك؟

حس الرواية وُلِد عنا من الرواية الشفوية والمخيم هو الخلية التي فيها النبع او هو المحجر الذي تأخذ منه. اولاً انت تكتب للأجيال القادمة وليس بالضرورة لأصحاب السرد نفسه او للذين يعرفون الحكاية او القصة التي كتبتها او عاشوا التجربة، واللحظات التي عشناها في المخيم يمكن لعدسة المصوّر أن تكون قد التقطت بعض المشاهد منها ولكنها لم تلتقط الاحاسيس والمشاعر التي عاشها الناس في تلك اللحظات وهذا كله يوضع في اطار تاريخي وإبداعي.

 

هل تريد ان تحاكم من ظلم الشعب الفلسطيني من خلال كتاباتك ونقدك للتاريخ؟

فكرة النكبة فكرة عميقة جداً وحتى عدونا يقرؤها وليس نحن فقط، وكيف تتواصل وكيف تتعمق شيء يحكم ويحتل العقل الفلسطيني، وسيبقى يحتل العقل الفلسطيني طالما انه خارج وطنه. هذا الاحساس والحلقة المفقودة شيء محرِّض ويحثّه ليس الظلم الان وإنما هو الظلم الذي كان وفي النهاية الظلم الذي له علاقة بالاقتلاع، وهذه اسمها ذهنية المقتلَع وطالما ذهنية المقتلَع قائمة وموجودة ومؤسسة فيك طالما عندك الحس والتمسك بالحلم وليس فقط بالذاكرة.

 

كتاباتك كلها نابعة من واقع فلسطيني وكذلك تقول انا ابن واقعي المعاش وجزء من هذه القصة المكتوبة ولكن دون ذكر اسمي فيها، فكيف تفسّر ذلك؟

انا لم اختم اواغلق اي رواية ابداً وليس عندي النهاية المغلقة وهي مفتوحة دائماً، وذلك لأني أرى أن الروائي ليست مهمته ان يفسّر او يطرح الاسئلة. وأنا في رواية ايفان الفلسطيني كنت اقصد شابًا ما بالصدفة فاكتشفت ان هناك الكثيرين مثل ايفان وهو ليس مرتبطًا بمكان محدد وإنما اصبح مرتبطًا بحالة الاغتراب، ووقع ايفان في تناقض العضوية بات لا يعرف نفسه هل هو ايفان ام عرب ابن المخيم، وفي النهاية هو يطلق النار ولا احد يعرف من اطلق النار على من لأنه عايش هذا الانفصام لأن زوجته تريده ان يكون ايفان وهو يريد ان يكون "عرب" وهذا يطرح اشكالية الهوية، وأنت تطرح شخصيات مركّبة وتطرح الظل السلبي ولماذا دائماً يريدون الفلسطيني سوبر ماناً؟! وهذا بذات الوقت ليس دون كيشوت انا اطرح الفلسطيني الانسان بانفعالاته وانكساراته وتناقضاته.

 

ماذا ترسم بألوانك؟

عندما بدأت الرسم لم أقصد أن أرسم شيئًا محدّدًا، فالرسم بالنسبة لي هواية وقد عملت على صقلها، علمًا أنني تربيت بين الريشات والألوان، فأنا من عائلة كل أفرادها يرسمون وليس عندنا جدران لم تكسوها لوحات عائلية، ووالدي كان يرسم ويصنع الوانه. وكما أن للثقافة والكتابة بعدًا وعوامل خلفها فكذلك الرسم له عدة عوامل لا عامل واحداً على طريقة  الحكم الواحد، ولا يصح ان يكون الانسان بطبع واحد وأنت تعبر عن هذه العوامل باللون والحركة وبطريقة الكتابة.

 

قلمك رصاصة وريشتك بندقية، انت رسمتَ فقلتَ ابنوا البشر قبل الحجر في نهر البارد، فماذا كان دافعك لذلك؟

القضية الفلسطينية لها تشعبات ولا تستطيع ان تأكل منها بملعقة واحدة فيها مئة ملعقة وصراع له علاقة بالجانب الحضاري والثقافي. والفن التشكيلي يعبر عن قضية انا اعيشها وهي قضية خاصة وحالة بصرية خاصة وأنت تحتاج ان ترى هذا اللون وتعبر عنه وتحتاج الى هذا الاحساس، وفي رحلة انت خائف على الانسان الذي هو اغلى شيء ومن الضروري ان لا تضيع هوية الانسان، وفي لوحة لي رسمتها بالريشة عبّرتُ بالألوان عن مفهوم محدّد لحماية هوية الانسان الذي هو في المخيم ولكن هناك خلفية فكرية دائماً.

 

كتبتَ الرواية وألحقتها باللوحة وألحقتها بالمقال والدوريات وكأنها جميعاً كانت محكية مكملة لبعضها ان ما لم تقله في الرواية قلته في المقال واتبعته باللوحة فكيف استطعت ان تتحكم بإحساس الفنان وحدة السياسي مروان؟

عندما يصبح لديك ادوات عديدة يجب ان تحسن استخدامها مثل المقاتل الذي يستخدم سلاحاً واحداً وآخر يستخدم عدة اسلحة وهناك عدة عيارات منها الثقيل والخفيف ومستويات مختلفة للأداء، وأنا في السياسة كثيرًا ما استخدم رسم مشهد معيّن من خلال مخيلتي وثقافتي وأعيش جزءًا من رواية.

من فترة زرت البرازيل وفي احدى الندوات قالوا لي انت اول مرة  تزور البرازيل فقلت بالجسد نعم ولكن كأنني زرتها عشر مرات، قالوا كيف؟ قلت لأنني قرأت اكثر من عشر روايات برازيلية لجورج امادو فأنا ارى ابطاله في ريو دي جنيرو، وقلت لهم اذا قال محمود درويش عن ريو دي جنيرو حيث قال حيفا وريو والسلام على باقي المدائن. وعندما تقرأ عن ناس اخرين يصبح لديك الثقافة وتصبح لكلمتك معنى تصيح كما القنبلة او الرصاصة التي تخترق الكلمة البندقية كما قال عنها غسان كنفاني.

 

كثر من الكتاب والفنانين الفلسطينيين تعرضوا للاغتيال مثل ماجد ابو شرار وغسان كنفاني وكمال ناصر، فكيف يرى مروان عبدالعال خطر الكاتب والمثقف الفلسطيني على العدو الصهيوني؟

هنا أذكر ما قالته غولدا مائير بعد اغتيال غسان كنفاني حيث قالت: "اليوم تخلصنا من لواء كامل"، وذلك لان الجيوش ممكن صدها ولكن الكلمة يصعب القضاء عليها لأنها تترك اثرًا عميقًا وتُغيّر الرأي العام. وقد ترُجِمت كتابات كنفاني لسبعين لغة وأينما ذهبت لتتكلم عن القضية الفلسطينية فانك تستطيع ان تذكر هذه الاسماء، هؤلاء الكتاب والشعراء هم رسل القضية الفلسطينية الذين نقلوا القضية الفلسطينية من عتبة المخيم الى كل العالم، وهنا تكمن قوة المثقف والثقافة الفلسطينية وهذا ما تعيه اسرائيل تماماً، لذلك الجبهة الثقافية هي اعمق اشكال الصراع ولا يستطيعون مواجهتها وإسرائيل في آخر مؤتمرات هيرتزيليا قالت ان الفلسطينيين ما زالوا هم الاقوى في عملية السرد اي ان الرواية الفلسطينية حتى التي تحكيها الامهات هي الاقوى والمتفوقة والأكثر اصالة والرواية الاسرائيلية قائمة على نقد الاخر، واذا قرأت اي رواية اسرائيلية تراها تحاول أن تعطي صورة نمطية كاريكاتورية للعربي، ولكن انا لا اعطي صورة تشبيه للآخر، وإنما اتحدث عن حقيقة جميلة في هذا الوطن وهذه الارض وهذه الهوية وما حصل معي وأنا اتكلم عن امكنة في فلسطين في رواية جفراء أنني تلقيت مراسلات من فلسطين تسألني عن بعض القصص التي ضمتها روايتان وأنا اخذتها من امرأة عجوز كانت تتحدث بها وتحديداً عن وادي المجنونة بين قريتَي  كفر ياسين وهذا الوادي لا يعرفه الا "الختيارية" الذين ما زالوا هناك وكثيرون منهم توفوا ولو غيرّت اسرائيل في معالم الارض إلا ان التسمية سوف تبقى بوادي المجنونة لأن المياه كانت تطفو وتقطع الطريق فترة من الزمن بين القريتين، عمقا والشيخ داوود، وكانت الناس تحسب انه في اي لحظة قد تنهمر المياه قاطعة للطريق ولذلك سميت بالمجنونة.

 

هل ما زال هناك اهتمام بتعميم ثقافة الكتابة التاريخية والتوثيقية الفلسطينية حفظاً للذكرى في زمن العولمة والبعد عن الكتابة؟

أعتقد أننا أمام مشكلة جدية في هذا الشأن. وأنا من خلال ندوات ومعارض ومنتديات كنت اتحدث عن منتدى أُنشئ في مخيم نهر البارد ولم يستمر وكنا نتساءل عن الاسباب وتحدثت الى العديد من الشعراء لإنشاء بيت فلسطيني للشعر وبمساعدة شعراء لبنان، ولكن لا يوجد خطوة إلا ونجدها ناقصة، وكأن الثقافة باتت لزوم ما لا يلزم وكأنها شيء ترفي ونحن باتت لنا اهتمامات كثيرة، رغم أن العنصر الفلسطيني كان المتفوق ثقافياً دائمًا.

اليوم هناك غياب كامل للثقافة وتراجع للظاهرة العلمية هذا ما تتحمله اولا المؤسسة السياسية الفلسطينية بكل الوانها  واطيافها. فالمؤسسة السياسية الفلسطينية في حالة ضياع كامل بسبب ما ينبت تحت ابطها من سياسات غريبة جدًا تشوه الوجه الفلسطيني، ونحن طيلة فترة عمرنا السباقة كنا احد أشكال بروز الشخصية الوطنية الفلسطينية، وهذا كان اكبر عامل ازعاج لإسرائيل لأن كل ثقافته قائمة على اقصاء الآخر ونفيه، ولهذا عملت اسرائيل على تهميش وتكسير ثقافتنا وهويتنا الوطنية وتفرقتنا الى حمائل، وقبائل، وطوائف ومناطق، وغيره. وبالتالي هناك هوية جامعة واخطر ما يكون اذا نحن لم نستطع الحفاظ عليها، وبرأيي ان وجه المخيم الجميل كلنا نعرفه، وهذا المخيم غير صحيحٍ انه لم يُنتِج الا الوجوه العاثرة في حياته، هذا المخيم انتج ناجي العلي، وغسان كنفاني، ومحمود درويش، والعشرات من الفنانين والآباء والمثقفين، وهذا ما يجب ان نُظهِره للعالم، ومن المعيب أن نقدّم المخيم بشكل مرعب، بعد أن كان كل من يريد ان يتعلم الثقافة يأتي الى المخيم، لذلك تقع على عاتقنا مهمة كبيرة هي ان نعيد هذا الدور للمخيم، ولكن يدًا واحدة لا تصفق وهذا الأمر يحتاج جهودًا جبّارة.

ونحن في كل الاحتفالات التي نقيمها تحمل في طياتها الاستعراض السياسي ولا مرة كان في وجود للجانب الثقافي بشكل لافت، وفي فترات سابقة كنت تجد معارض للكتاب تقام في المخيمات علاوةً على الندوات الثقافية والأدبية في مناسبات سياسية او تكريم لمثقف وأجمل شيء تفعله هو استعادة ذاتك في العامل الثقافي والفعل الثقافي وإلا فإننا مضطرون للقول عن الثقافة الفلسطينية بأنها فخامة الغياب.

 

برأيك كيف يمكن استعادة دور وحضور الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين؟

هناك اشكالية في اتحاد الادباء حيث فصلوا الصحافيين عن الكتاب، وهناك صراعات حول هذا الموضوع. بالأساس "م.ت.ف" هي الوعاء الكامل للشخصية الوطنية الفلسطينية الذي كنت اتكلم عنه، ويجب ان تأخذ دورها ولا يجوز ان يكون مهمشًا لانها هي الوطن المعنوي  طالما الوطن الحقيقي سليب، ونحن لا بد لنا ان نعيد تعريف هويتنا وإذا اردنا الدفاع عنها يجب ان نستعيدها. والاتحاد هو الهيئات العامة والكتاب وحملة القلم ورفاق القلم والفكر أي أنهم هم يجب ان يكونوا القوة المتقدمة في هذا الصراع وليس القوة الملحقة وحتى في الصراع السياسي، واذا تأزمت السياسة لماذا يبقى التعاطي خارج هذه الازمة؟ ومن يحمي السياسة؟ ونحن لا نريد للاتحاد ان يصبح اتحاد قراء او ثقافة البلاط التي لا تُنتج مثقفًا ولا كاتبًا.

حوار: مصطفى ابو حرب

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي