بقلم: رفعت شناعة

انطلقت حركة فتح العام 1965 على هدى المشروع الوطني الذي نسجته قيادتُها المؤسسة، وهي القيادة التي خبرت كافة الايديولوجيات والتجارب الحزبية والثورية، وبعد التدقيق والتمحيص، وبعد دراسة الواقع الجديد واقع ما بعد النكبة صاغت النظرية الثورية، والبرنامج الوطني القادر على حمل أعباء تثوير المجتمع الفلسطيني، وتجنيد الطاقات الشبابية، وتوعية الشرائح الاجتماعية، وبلورة الطموحات الشعبية في نيل الحرية وتقرير المصير.

نجحت حركة فتح آنذاك في استبدال الاهتمامات الفلسطينية، فبعد أن كان شعبنا يندبُ حظَّه، ويبكي نكبته، ويسعى لتأمين لقمة عيشه كعنصر أساسي في حياة الخيام واللجوء وفقدان الأرض والأهل والأمل، أصبح بوجود هذه الطليعة الثورية يسلكُ طريق التغيير، والتطوير، والاستنهاض متسلّحاً بروحية التحدي، وعقلية الفعل والتفعيل.

واستطاع بذلك ان يستعيد ما تمّ سلبُه من هوية وطنية، ومن كيان سياسي، ومن اعتراف دولي رسمي، ومن تكوين للشخصية الوطنية الفلسطينية عبر تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

الخمسون سنة الماضية من تاريخ الثورة المعاصرة كانت غنيةً بالتجارب، وبالانجازات، وكان فيها الكثير من المحطات المشرقة المليئة بالبطولات والانتصارات، ومنها ما اكتنفته المآسي والآلام والأحزان، ونزيف الدماء، والدمار والركام، لكننا في كل المراحل والمحطات لم نرفع رايةً بيضاء، ولم نساوم على الثوابت والمبادئ، ولم نتخلَّ عن القيم الثورية التي أرساها الرمز ياسر عرفات.

واليوم ونحن نفتتح العام 2015 ما هو المطلوب من حركة فتح حتى تواصل دورها الريادي والطليعي، وأن تصمد بوجه التحديات التي تحيط بها من كل الجهات، إنّ حركة فتح أمام إمتحان صعب، وأمام معركة قاسية، وهي مُستهدفة من مختلف الاطراف الدولية والاقليمية والمحلية لأنها أثبتت للجميع بأنها الرقم الصعب، وبأنها صاحبةُ القرار المستقل، وأن حساباتها فلسطينية وطنية، وأنها لا تنحني أمام جبروت القوى التي تريد تطويع إرادتنا، وتدجين قضيتنا، وكسر شوكة ثورتنا، واستثمار فلسيطينيتنا في حسابات هذا الفريق أو ذاك.

الاستعداء والاستهداف الاميركي والإسرائيلي لحركة فتح وللقرار الفلسطيني المستقل بلغ ذروتَه لأنَّ الاحتلال الاسرائيلي المدعوم بشكل مطلق من قبل الولايات المتحدة يعتبر أنه قطع شوطاً على طريق تصفية القضية الفلسطينية، وأن الأوضاع الدولية مؤاتية طالما ان الولايات المتحدة مازالت تمتلك أدوات الضغط والتحكم الهائلة عالمياً، كما أن الاوضاع الاقليمية مشجّعة، والخطط والمشاريع المرسومة للمنطقة سياسياً وعسكرياً وأمنياً تسير حسب مخططات الولايات المتحدة في تكريس الفوضى الخلاّقة، وتسعير الصراعات المذهبية والطائفية والسياسية، وتكريس الانقسامات لتوسيع إطار الشرذمة، وإضعاف وإنهاك بنية الانظمة العربية القائمة رغم هشاشتها، وهذا الواقع المأساوي والمؤسف أفقد القضية الفلسطينية الظهير العربي، كما أفقدها موقعها المتقدم كقضية مركزية. كما أنّ الكيان الإسرائيلي مرتاح جداً لإستمرار الانقسام، وتأجيج الخلافات الفلسطينية، وتشجيع ودعم أية جهة يهمها تشويه شخصية الرئيس أبو مازن، وارباك وتدمير البنية الداخلية لحركة فتح التي تشكِّل العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، والضمانة المستقبلية لاستمرار المشروع الوطني، والمؤتمنة على القرار الفلسطيني المستقل.

لهذا علينا أن لا نستغرب هذه الهجمة المسعورة الأخيرة والرامية إلى تشوية رمز الشرعية الفلسطينية، وادخال الوضع الفلسطيني في صراعات، ودفع الاموال الهائلة لعدة أطراف من أجل تفكيك حركة  فتح والاستفراد بالقرار الفلسطيني المستقل، واللعب بتقرير مصير الشعب الفلسطيني.

من هنا فإن أهمَّ القضايا المطلوبة من حركة فتح هي:

أولاً: التركيز المكثَّف على البنية الداخلية، وتصليب الوضع التنظيمي، والرقابة المتواصلة على الأطر الحركية، وتطبيق الأنظمة الداخلية واللوائح المتعارف عليها، والبحث عن النوعية وليس عن الكميّة، وتعميم الثقافة والتعبئة الحركية التي تعزّز تماسك الحركة وصلابتها، كي تكون قادرة على مواجهة التحديات، والحفاظ على وصايا الشهداء، وعلى أمانة الرمز ياسر عرفات.

ثانياً: على قيادات وكوادر حركة فتح الالتفاف الصادق والكامل حول قيادة حركة فتح، وفي المقدمة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وحمايته من الطعنات والسهام التي يتعرّض لها لإسقاط شرعيته والتخلُّص منه لأن هذا هو الهدف الأهم لواشنطن وتل أبيب. على أبناء حركة فتح أن يتصدوا للإعلام المشبوه، والقنوات المشبوهة والحاقدة، وأن لا تنطلي عليهم هذه الاكاذيب، وهذه الأخبار الملفّقة، وهذه التصريحات الحاقدة المفبركة والتي يتم تسويقها من أجل تدمير المشروع الوطني الفلسطيني الذي أقضّ مضاجع العدو الاسرائيلي على مدى خمسين عاماً.

ثالثاً: على حركة فتح بذل قصارى جهودها للحفاظ على الوحدة الوطنية مهما كانت الصعوبات واستخدام كل الوسائل الضاغطة على حركة حماس خاصة، من أجل تفويت كل فُرص التفتيت التي يريدها البعض، لأنّ هناك من يريد إشعال الصراعات داخل الصف الفلسطيني، وحركة فتح التي تحمَّلت الكثير وقدّمت الكثير من أجل المصالحة، وعليها أن تواصل مع باقي الفصائل مع أجل توحيد الموقف لأنَّ البديل عن ذلك مُكلفٌ جداً.

رابعاً: الاستمرار في خوض المعركة السياسية والدبلوماسية لتعزيز دور الدولة الفلسطينية، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره، وإزالة الاحتلال، ونيل الحرية والاستقلال، والسيادة، واقامة الدولة وعاصمتها القدس الشرقية. فالمعركة السياسية تجوَّف الكيان الإسرائيلي، وتفضح عنصريته، وتكشف عوراته أمام العالم الذي لا يستطيع البقاء صامتاً.

خامساً: تصعيد المقاومة الشعبية، وتسخين الحالة الجماهيرية، واستنفار كافة الطاقات، والاستعداد للمواجهات، وتوسيع إطار الاشتباك والتحديات، فالمقاومة بكل أشكالها حق مشروع لكل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، والقيادة الأولى هي التي تقرر رؤيتها واستراتيجيتها السياسية والعسكرية بناء على خصوصية القضية الفلسطينية.

سادساً: الاعداد الجيد للمؤتمر السابع لأنه محطة مفصلية في ظل التطورات الحاصلة على كافة الأصعدة، وضرورة إعطاء الأهمية والأولوية للبرامج السياسية والتنظيمية، وخطط مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتفعيل دور ومؤسسات ولجان منظمة التحرير الفلسطينية حتى تأخذ دورها الفاعل على صعيد معالجة الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الشتات، وعلى صعيد تفعيل الدور القيادي للفصائل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

سابعاً: تصويب العلاقة مع فصائل "م.ت.ف"، ومعالجة ما أصاب هذه العلاقة بعد بروز تناقضات في بعض الجوانب، والحرص على العمل الجبهوي. والارتقاء بمستوى هذا العمل.

ثامناً: إنَّ الأوضاع التي يعيشها أهالي قطاع غزة بلغت الحدِّ الأقصى من المخاوف، والجوع، والفقر، والهجرة، والتفجيرات، ومنع إعادة الإعمار، وتعطيل عمل الحكومة، وإعادة المصالحة إلى الوراء، وقطع الطريق على إجراء الانتخابات في القطاع.

تاسعاً: من الضروري إقحام الدور العربي، والجامعة العربية تحديداً في الحراك السياسي للاستفادة من إمكانيات الجامعة وشعوبها وطاقاتها في معركة القدس تحديداً، وفي حماية الوجود الفلسطيني في مختلف الدول العربية.

عاشراً: المطلوب دور أكثر فاعلية ودقة من قبل "م.ت.ف" على صعيد الشتات وتحديداً المخيمات الفلسطينية التي تعيش ظروفاً صعبة ودقيقة، سواء إن كان ذلك على الصعيد الاقتصادي أم الأمني، أم السياسي، أم التحديات الاجتماعية، وضرورة تأمين المساعدة للحفاظ على الاستقرار والاطمئنان وتهيئة الأجيال لتحمُّل مسؤولياتها في متابعة مسيرة الكفاح الوطني، وتوفير كافة العوامل المساعدة لإبقاء قضية حق العودة حيوية ومتفاعلة.

على أبناء حركة فتح وكوادرها أن يدركوا تماماً بأن المسؤولية الملقاة على عاتقهم اليوم ثقيلة، والعبء كبير، وعلى مدى انتمائهم والتزامهم يتوقف مستقبل القضية الفلسطينية.

خاص مجلة القدس/  العدد السنوي