(الرمز ياسر عرفات: هذه الانتفاضة المتموِّجة التي لا يقرُّ لها قرار هي مثل الموج تنهض شامخةً، وتهبط لتستقرَّ قليلاً ثم تنهض من جديد).

يا جماهير شعبنا المكافح والمجاهد،

نقف اليوم بكل إجلال وتقدير أمام عظمة إنتفاضة الحجارة ومهندسها الشهيد أبو جهاد خليل الوزير، والقيادات التي أعطت كل ما تملك من أجل إنجاح انتفاضة الشعب الفلسطيني، هذه الانتفاضة العملاقة التي اندلعت في 8/12/1987 إثر الحادث المؤلم الذي أدى إلى وقوع أربعة شهداء عندما قامت شاحنة إسرائيلية بصدم سيارتين فلسطينيتين عند حاجز إيرز وبشكل متعمد.

والشهداء هم: عصام محمد حمودة، وشعبان وكمال قدورة حسن حمودي من مخيم جباليا، وطالب محمد عبدالله أبو زيد من مخيم المغازي، كما أصيب تسعةٌ آخرون.

كان هذا السبب المباشر، أما الاسباب الحقيقية فهي أكبر وأخطر من ذلك، وهي تتعلق بممارسات الاحتلال الاسرائيلي الاجرامية والقمعية كالاعتقالات التي طالت أكثر من نصف مليون فلسطيني من العام 1967 حتى العام 1987، إضافة إلى هدم (1400) منزلاً خلال الفترة ذاتها، والسياسات العنصرية والقمعية التي كانت تُمارس باستمرار.

لقد صدر البيان الاول للإنتفاضة في 9/1/1988 باسم القيادة الوطنية الموحدة لتصعيد الانتفاضة، وكان الشعار الاساسي هو " لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة، صوت "م.ت.ف".

لقد إستطاعت هذه الانتفاضة التي اعتمدت المواجهة الوطنية الشاملة ضد العدو أن تعمِّق الوحدة الوطنية. وأن تشكِّل حدثاً مفصلياً في تاريخ الشعب الفلسطيني تماماً كمعركة الكرامة، ومعركة صمود بيروت العام 1982، ومعركة صمود قلعة الشقيف.

لقد شكلت الانتفاضة ظاهرة فلسطينية ديموقراطية وطنية شعبية، وهي ولادة طبيعية جاءت بعد تراكمات نضالية، ولذلك كانت مدرسة مهمة في النضال الشعبي، لقد أخذت هذه الانتفاضة طابع المقاومة المدنية من حيث الاعتصامات، والاضرابات، والتظاهرات، واغلاق الطرق، وضرب مخططات العدو، والاشتباك اليومي معه بالوسائل الاولية المتوفرة وصولاً إلى العصيان المدني الشامل.

لقد استطاعت هذه الانتفاضة الشعبية الوطنية الشاملة أن تكسب التأييد الدولي، وأن تعزل الاحتلال الاسرائيلي بسبب جرائمه ضد الأطفال والنساء. كما استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية إلى الخارطة السياسية الدولية بكل زخم وقوة ووضوح.

يا جماهير شعبنا العظيم،

علينا أن نتذكر بأن الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة، انتفاضة الأشبال والفتوة والشبيبة جاءت وسط ظروف سياسية معقدة أثّرت على القضية الفلسطينية، وخاصة الدعم الأميركي المستمر للعدوانية الاسرائيلية، والممارسات القمعية، إضافة إلى تراجع الدور العربي الذي فقد القدرة على الفعل والتأثير في الوقت الذي كان يُمارس فيه الاحتلال حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني ومخيماته سواء في الخارج أو الداخل. ولذلك جاءت هذه الانتفاضة التاريخية انفجاراً شعبياً شاملاً يهدف إلى حماية القضية الفلسطينية، والانجازات الوطنية التاريخية، وتكريس الوحدة الوطنية، وحماية المخيمات، وصون منظمة التحرير ونضالاتها خاصة بعد أن بدأت حرب الخليج المدمِّرة والتي أرادتها الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي لإبعاد القضية الفلسطينية عن الواجهة السياسية.

ونحن نحتفل بهذه الانتفاضة الرائعة لا ننسى شعبنا بكل شرائحه وأطيافه الذي أسهم بشكل فاعل لإنجاح الانتفاضة. ولن ننسى الرمز ياسر عرفات وهو يعلن قيام دولة فلسطين في 15/11/1988 من قلب الجزائر العربية حيث عُقد المجلس الوطني الفلسطيني هناك، وكانت هذه الدورة هي دورة الاستقلال، دورة الوحدة الوطنية.

ولن ننسى أيضاً الشهيد أبو جهاد خليل الوزير الذي قاد الانتفاضة في الأشهر الأولى بتاريخ 16/4/1988 ليلاً عندما داهمت منزله في تونس إحدى المجموعات الصهيونية التي كانت مكلَّفة باغتياله ظناً من قادة الاحتلال أن اغتياله سيوقف الانتفاضة، وسيشل العمليات العسكرية في الاراضي المحتلة.

إنطلاقاً من فهمنا لظروف اندلاع الانتفاضة الأولى فإننا نذكِّر العالم بأسره، والاحتلال خاصة بأن الجرائم التي يرتكبها يومياً، والاصرار على الاستيطان، والتهويد، وقمع أهلنا في القدس فإنهم يحفرون قبورهم بأيديهم، والانتفاضات هي عمل تراكمي وهي استجابة طبيعية لمجموعة عوامل تفرض نفسها، خاصة أن التجارب أثبتت قدرة الشعب الفلسطيني على التعاطي مع مختلف التطورات، وأنه يمهل ولا يهمل.

كل التحية إلى الرئيس أبو مازن الذي يخوض المعركة السياسية والدبلوماسية بنجاح من أجل تثبيت الحقوق الوطنية وخاصة حق تقرير المصير بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتنفيذ حق العودة.

كل التحية إلى أهلنا في قطاع غزة، وندعو كل الفصائل إلى تعزيز المصالحة والوحدة الوطنية كي نلزم العالم بالبدء بعملية إعادة الإعمار رحمة بأهلنا المعذّبين والاوفياء في القطاع.

كل التحية إلى أهلنا في الضفة الغربية في كل مدنها وقراها ومخيماتها، ونخصُّ بالذكر القدس ومقدساتها، ونحيي أهلنا الذي يواجهون الاحتلال في كافة المواقع والأماكن، وخاصة المرابطات والمرابطين في الأقصى الشريف، وكل الباحات المحيطة به.

التحية إلى أهلنا في الشتات، وفي مخيمات سوريا تحديداً، ونأمل أن تكون هناك نهاية قريبة لهذه المأساة التي حلّت بشعبنا، وما زالت تفتك به. وندعو الانروا وكافة المؤسسات الدولية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه معاناة شعبنا.

والتحية إلى شعبنا في لبنان الذي تحمَّل ومازال أعباء الثورة، وهموم الكفاح الوطني من أجل تحقيق العودة إلى أرضنا التاريخية إستناداً إلى القرار 194.

كل التحية لقوافل الشهداء الابطال.

التحية والإكبار لأسرانا البواسل في معتقلات العدو وزنازينه الذين يخوضون معركة الحرية وهزيمة السجَّان، تحقيق الاستقلال.

وإنها لثورة حتى النصر

حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح  إقليم لبنان

  9/12/2014