حوار/وسام خليفة
كان لخطاب سيادة الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة 26/9/2014 حيثُ أكد التمسُّك بالثوابت الوطنية الفلسطينية ورفض المفاوضات العبثية أصداء متباينة استنزفتها تحليلات تراوحت ما بين التبني والترحيب والامتعاض. وللاطلاع على قراءة في تفاصيل الخطاب ومواكبة ما آلت اليه اجواء المصالحة الوطنية الفلسطينية كان لمجلة القدس حوار مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد المدني.


ما هي أهم الرسائل التي وجَّهها سيادة الرئيس محمود عباس في خطابه؟
رسالة الرئيس هي رسالة الشعب الفلسطيني لا بل هي رسالة الامة العربية لإنهاء هذا الاحتلال المستمر منذُ عقود من الزمن، فكل الاحتلالات في العالم انتهت إلا الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، وكانت هذه هي رسالة الرئيس عباس أمام الأمم المتحدة لأن مسؤولية هذا الأمر لا تقع فقط على الجانب الإسرائيلي وإنما على كل دول العالم وخاصةً تلك الداعمة لإسرائيل، وفي المقابل برز نوع من التفهُّم العالمي والدولي للقضية الفلسطينية مؤخّرًا، خصوصًا بعد موافقة الرئيس ابو مازن والقيادة الفلسطينية على التوجُّه للمفاوضات بناء على تداول الامر على الصعيد العربي والدولي، وفشل هذه المفاوضات بسبب التعنُّت الإسرائيلي في الوقت الذي كانت القيادة الفلسطينية تبذل قصارى جهدها لإقناع العالم بجدية الموقف الفلسطيني وبتبنيه خطوات السلام، وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي الذي لمس الجدية الفلسطينية واقتنع برأي الرئيس ابو مازن. ولكن العدوان الأخير على قطاع غزة وما أحدثه من قتل للأبرياء، ودمار، وترحيل، وتشريد لم يترك امام الرئيس ابو مازن والقيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلا ان يضعوا النقاط على الحروف ويتوقّفوا عن  الجري وراء الاوهام تحت عنوان المفاوضات. فكل العناوين والأبواب أُغلِقت في وجه القيادة الفلسطينية والرئيس. لذا فإن الرئيس أبو مازن في كلمته امام الامم المتحدة وضع العالم امام مسؤولياته، وأكّد قبل كل شيء أننا نريد اعترافًا بدولتنا الفلسطينية على حدود الأراضي المحتلة العام 1967، ووضع جدول زمني بكل النقاط المطروحة بكل الاتفاقيات والمفاوضات السابقة، مشدِّدًا على رسالته لدول العالم بأننا لن نبقى نواصل التفاوض مع اسرائيل الى الأبد، ولن نسمح بأن نبقى سلطة بدون سلطة ودولة غير معترفٍ بها وغير محددة جغرافيًا على الأرض.


وصفت الصحافة الاسرائيلية خطاب الرئيس أبو مازن بالخطاب "العرفاتي"، وبأنه لم يعد رجل سلام. فلماذا تبني هذا الموقف رغم كل ما بذله الرئيس من اجل السلام؟
اولاً لا بدَّ من الإشارة إلى أن الخطاب "العرفاتي" والخطاب "العباسي" لا يختلفان في جوهرهما لأن كليهما قائمٌ على التمسُّك بالثوابت الفلسطينية المتعارف عليها، وعلى التوجُّه لحل سياسي مع الاسرائيليين. فخطاب ابو عمار السياسي لم يكن مختلفًا وانما الاسرائيليون هم من شوّهوا خطابه وحرضوا عليه مثلما يحرضون اليوم على خطاب الرئيس ابو مازن، وهناك افتراءات اسرائيلية وقفز على كل الاتفاقات الاخلاقية. وينبغي أن أؤكّد أن خطاب الرئيس ابو مازن هو خطاب وطني فلسطيني موضوعي ومنطقي، وخطاب سلام يتنافى مع "الداعش الاسرائيلية". فأمريكا حشدت كل العالم لمحاربة تنظيم بدعوى تطرفه، ولكن ماذا عن "إسرائيل الداعشية" وتطرفها السافر سواء أكان من طرف حكومتها أو من طرف المستوطنين وقادة التطرُّف بشكل عام؟ فهل يختلف تطرف اسرائيل عما وصفت به داعش؟! وهل "داعش الاسرائيلية" بمنأى عن وضع حد لها؟ وبالتالي فإن عملية تشويه خطاب الرئيس ابو مازن هو تشويه مقصود، وخطاب الرئيس يؤكّد حق الشعب الفلسطيني ويدعو الى السلام مع اسرائيل، وللأسف فحتى الادارة الامريكية وجّهت نقدًا لخطاب الرئيس ابو مازن الذي لم يتحدّث به اكثر مما تحدث به منذ عقود. فهل المطلوب من الرئيس ومن كل فلسطيني ان يُقتَل الشعب الفلسطيني حتى ترضى اسرائيل؟ بلا شك هناك ثوابت وطنية فلسطينية لا يمكن تجاوزها وما طالب به الرئيس ليس خارجًا عن دائرة المنطق بل هو حق من حقوقنا، لذا على العالم ان يُعيد النظر في موقفه تجاه اسرائيل وان يكون اكثر جرأة بتفهمه وإبداء رأيه بشأن الموقف الفلسطيني.


وصفت بعض الأوساط الفلسطينية خطاب الرئيس بالعادي، وانه لم يأتِ بجديد كما كان مأمولاً، فما هو ردكم؟
لم يصدر اي حديث مُسبَق بأن هذا الخطاب سوف يكون خطاباً ناريًا، ربما كان هناك حديث عن أنه يحمل موقفًا فلسطينيًا ولكن لا اعتقد أننا في سوق عكاظ ليبرز كل واحد معلّقته!! لقد جاء في الخطاب عدد من النقاط المهمة التي لا يمكن إغفالها وأبرزها الرسالة الموجّهة لأمريكا وللعالم قبل ان تكون للإسرائيليين بأننا لن نتغاضى عمّا فعلته اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وأهمية أي خطاب تكمن في ما يحمله من مواقف لا في كونه مبارزة شعرية، ومن هنا كان تأكيد الرئيس بأننا لن نرضى باستمرار الوعود غير الملبية لتطلُّعات شعبنا، وهذه الرسالة كانت موجّهة للعالم من اجل تحديد المسار الفلسطيني وعدم الدوران في حلقة مفرغة، أمّا من تحدث او انتقد من الاخوة الفلسطينيين سواء أكان فصيلاً او تنظيمًا سياسيًا فاعتقد انهم لا يفقهون العمل السياسي والوطني، وأن العمل السياسي والتوجهات الوطنية عند الرئيس ابو مازن اصدق من ان يعبر عنها، ولكنني استغرب كيف أن هؤلاء الأشخاص لم يعيشوا ويعوا الهم الفلسطيني وجوهر فهم الصراع بيننا وبين الاسرائيليين، وآمل أن يتمكّنوا بمشيئة الله من تعديل مسارهم وإعادة قراءة قواعد ومفاهيم العمل الوطني والسياسي السليم.


كيف تقرؤون اجواء المصالحة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؟ وما هي المعيقات التي تقف أمام انجازها بشكل تام؟
لا شكَّ أن الانقسام كان مضرًا بالقضية الفلسطينية، ومنذُ البداية وعندما ذهبنا الى انتخابات المجلس التشريعي السابقة في العام 2005 كان معروفًا أن وضع حركة "فتح" غير متماسك وأن هناك خللاً تنظيميًا في داخلها، ولكن بالرغم من المحاذير التي وُجّهت للرئيس أبو مازن باحتمال خسارة "فتح" الانتخابات إلا أنه مضى في الأمر وتعامل معه من موقعه كرئيس فلسطيني لا كرئيس لفتح مكرّسًا العمل الديمقراطي، وقد حمل ذلك رسالتين؛ الاولى اننا شعب فلسطيني ديمقراطي حتى في ظل الاحتلال، والثانية كانت للعالم من الرئيس ابو مازن ومن الشعب الفلسطيني ومن حركة "فتح" ومنظمة التحرير بأننا نحب الديمقراطية، ولكن الاخوة في حماس- للاسف- تعاملوا مع الامر كصراع سلطة، وتلا ذلك عدد من الأحداث التي أدّت للانقسام الذي ضيّع بدوره علينا الكثير، خاصةً أن إسرائيل كانت تستخدمه ذريعةً في كل مفترق.
أما اليوم وبعد تحقّق المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني كان من المفترض أن يتم البحث في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني إلا ان عملية اختطاف المستوطنين وما تلاها من الحرب على غزة عقدت الامور، وتراجع انجاح المصالحة، ومرة اخرى اجتمعنا في اللجنة المركزية كلجنة من خمسة اشخاص وحاورنا الاخوة في حماس وتوصّلنا الى اتفاق سيضم لاحقًا عددًا من الاخوة في منظمة التحرير، وسيكون هناك اجتماع لتفعيل لجنة منظمه التحرير، ونحن حاليًا نعد للانتخابات التشريعية والرئاسية، ونعمل على حل كل القضايا الادارية العالقة، ونتمنى ذلك، ولكن لينجح مسعانا فعلى الجميع ان يعي ويتحمل مسؤولياته، ونتمنّى ان تنجح المصالحة وان يتم رأب الصدع الفلسطيني حتى نواجه الاحتلال ومؤامراته.
أمّا بالنسبة للمعيقات فمعظمها اداري. وبدايةً فلا بدَّ من أن يعي الاخوة في حماس ان فكرة السلطتين امر مستحيل بل يجب ان يكون هناك سلطة واحدة، ورئيس واحد، ومجلس تشريعي واحد، واجهزة امنية واحدة وحكومة واحدة  لأن مقومات اي دولة هي في وحدة مؤسساتها وليس في تعدد المؤسسات. وبالتالي فإذا التزم الاخوة في حماس فلن يكون هناك اي مشكلة. وبالطبع فهناك قضايا ادارية أخرى ولكنها من مسؤولية الجميع  كموضوع الموظفين الذي لابد من اعاده النظر فيه، وإعادة الموظفين الى وظائفهم، ومن المفروض ان لا يكون هناك ترهل في المؤسسات الادارية، ومن هنا تبرز الحاجة لعقد جلسة ادارية من قِبَل ديوان الموظفين مع مختصين، واذا كان لدينا جميعًا مصداقية وسعي جدي لانجاز الاستقلال والحرية لشعبنا وتحقيق العودة للاجئين فلا بدَّ أن نُنجِح هذه الوحدة الوطنية، وننظر الى الامام، ونوّحد الاداء، ونقدّم القضية الفلسطينية على حساب الصراع على السلطة، لأنا اذا قدمنا مفاهيم السلطة فستضيع منا القضية، وهذا هو جوهر الخلل الذي ادى الى تراجع القضية سابقًا.


ما هو المتوقع من الوفد المفاوض وهم بمواجهة عدو يحترف المماطلة؟
كان خطاب السيد الرئيس في الامم المتحدة هو الرد على هذا السؤال بأننا لن نبقى نفاوض من اجل التفاوض، بل رغبتنا ان نتفاوض ونصل الى حلول. والآن مع القرارات والأعراف الدولية الموجودة حول موضوع الحل فإن الأمور غدت أقل تعقيدًا، ويبقى السؤال لماذا لا تتّخذ دول العالم اجراءات ضد اسرائيل؟! ولماذا لا تُفرَض حلول خاصة أن هناك قرارات واضحة في الامم المتحدة التي اعترفت بدوله فلسطين؟! إن دولتنا هي دولة تحت الاحتلال، لذا فلن نعود للمفاوضات بدون جدول زمني لأي خطوة وبند في المفاوضات سواء أكان الحدود او جلاء جيش الاحتلال واجلاء المستوطنين. لقد تعبنا من المفاوضات ولن يستمر الموقف الفلسطيني بالشكل الذي كان عليه بالسابق من علاقات مع الاسرائيليين او غيرهم بشكل عام.


رأت وسائل الاعلام الفلسطينية ان الرئيس سيقوم بحرب سياسية على اسرائيل في المرحلة القادمة. ما هي معالم التحركات الدبلوماسية المتوقعة الآن؟
حتى الآن هذه الخطوة لا تسمّى حربًا لأن من حق أي دولة ان تشارك في المنظمات الدولية ونحن عندنا 528 منظمة دولية يُفترَض ان نشارك فيها بشكل طبيعي وان نكون اعضاء فيها، واسرائيل تعدُّ وجودنا في المعاهدات الدولية نقطةً ضدها، ولكن ذلك لا يعني انها حرب. فنحن من حقنا الانضمام إلى المنظمات الدولية خاصةً بعد الاعتراف بنا كدولة بصفة مراقب، والمفروض ان يتحوّل هذا الاعتراف من مراقب الى صفه رسمية (دولة كاملة العضوية). وبطبيعة الحال فهذا الاعتراف مكّننا من التوجّه لهذه المنظمات لنشتكي للجهات المعنية ضمن النظام الدولي كمجلس الامن والأمم المتحدة خاصةً أن المنظومة الدوليه تقول انه لا يوجد احتلال دولة لدولة او شعب لشعب، وحتى لو كان هناك احتلال لا يجوز للدولة المحتلة تغيير معالم الأرض المحتلة، أو جلب مواطنيها ليستوطنوا ارض الدولة المحتلة، ونحن من حقنا مقاضاة اسرائيل على انتهاكها هذه الأعراف الدولية طالما أن اسرائيل ترفض التفاوض المباشر بيننا وبينها ولا تريد ان تلتزم بمفاهيم التفاوض والحقوق الدولية والانسانية، مما لا يترك خيارًا أمامنا سوى رفع دعوى قانونية ضدها، وإذا أرادوا تسمية ذلك حربًا فلتكن إذًا حربًا، فنحن علينا ان نطرق كل الابواب وكل الوسائل حتى احقاق الحق الفلسطيني وقيام دولتنا وعودة اللاجئين في الشتات لأرضهم.


ما الخيارات المطروحة أمام الرئيس في وجه ما يعترضه من محاولات لعرقلة المصالحة وإفشال مساعيه الدبلوماسية من أطراف عربية وإقليمية؟
المؤامرة على فلسطين قائمة من قبل قيام اسرائيل وعملية قيام اسرائيل هي جزء من المؤامرة على فلسطين والمنطقة العربية، فقيام هذا الكيان لم يكن لوجود علاقات روحانية بين اليهود وفلسطين بل من اجل الصراع وتفكيك المنطقة. ولكن للأسف هناك سوء فهم لدى بعض الاخوة العرب بشكل عام، وقد حاول الرئيس ابو مازن وبذل جهدًا كبيرًا لينهي الخلافات العربية العربية الداخلية، ليلتف الجميع حول فلسطين من أجل مصلحتنا العربية العامة، لأن إسرائيل لا تمثِّل خطرًا على الفلسطينيين فحسب وإنما على كل المنطقه العربية وبالتالي على الاخوة العرب ان يكونوا داعمين للقضية الفلسطينية وأن يقفوا خلف القيادة الفلسطينية والرئيس ابو مازن حتى نجري السلام ونجنِّب المنطقه العربية المزيد من الدمار، ولهذا فإن اي محاوله للقفز عن القضية الفلسطينية هي ستضر بمن يحاول ذلك.
أمَّا على الصعيد الفلسطيني فهناك تفهم اكثر من ذي قبل، لا سيما أننا بدأنا نرى مزيدًا من اللُّحمة داخل منظمه التحرير ونأمل من الاخوة في الجهاد وحماس ان يشاركوا في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وان يكونوا جزءًا من النسيج الوطني الفلسطيني والبيت الفلسطيني الذي نتنافس فيه لنقدم ما هو افضل من اجل فلسطين ولا نتصارع، لأن عدالة قضيتنا اقوى من كل الصراعات، وانا ارى ان قوة الرئيس ابو مازن والقيادة والشعب الفلسطيني وتمسُّكهم بعدالة القضية اقوى من كل الاخفاقات والمحاولات الهادفة لإجهاض المسار والجهود الفلسطينية هنا او هناك.