سؤال متواضع لكنه محوري ومعقَّد. فالعدوان توقَّف بعد جهود مكثَّفة من الرئيس أبو مازن، وبعد التوافق بين مختلف الفصائل الفلسطينية التي شكَّلت الوفد الفلسطيني الموحَّد، الجميع افتخر واعتزَّ بالنصر، وحدهم الشهداء الذين دفعوا الضريبة، وانتقلوا إلى العالم الآخر تاركين لنا الدنيا ومافيها، آملين منَّا أن نحفظ وصية الشهداء، وأن نكون أوفياء للأحياء، ولنزيف الدماء.

حتى نكون أوفياء للشهداء لا بد أن نكون أوفياء للقضية التي استشهدوا من اجلها، وهذا يتطلَّب في وضعنا الحالي ودون مواربة الالتزام الوطني والمبدئي والأخلاقي بالقضايا الجوهرية التالية:

أولاً: إن الانقسام هو صناعة إسرائيلية ولا يجوز السماح له بالعودة إلى الساحة الفلسطينية، لأنه العدو الأول للقضية الفلسطينية.

ثانياً: إن أتفاق أوسلو اكَّد على أن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة هي أرض الدولة الفلسطينية، وأهميتها أن تكون أرضنا واحدة موحَّدة يسكنها شعب واحد له طموحات واحدة، وأهداف محددة، وأي محاولة لاقتطاع جزء من هنا أو هناك إنما يخدم العدو.

ثالثاً: إن الوحدة الوطنية هي النقيض للانقسام، والطريق إلى النصر والتحرير وقيام الدولة ذات السيادة الكاملة لا يتم إلاَّ عبر الوحدة الوطنية التي تُجسِّد إستراتيجية مكتملة تُلزِم مختلفَ الأطراف تطبيقَ البرنامج السياسي المتفق عليه من خلال الحوارات المعمَّقة السابقة.

رابعاً: يجب ومن باب الوفاء والانتماء إتمام الخطوات التي تم التوافق عليها في إطار المصالحة الكاملة، وخاصة الالتزام بحكومة الوفاق الوطني، وهي الحكومة التي تشكّلت بموافقة جميع الفصائل دون استثناء ولها مهمات محددة وهي إعادة الاعمار، وتوحيد المؤسسات، والتحضير للانتخابات.

خامساً: إنَّ ما يجري في قطاع غزة من مقاطعة ومحاربة واضحة لحكومة الوفاق الوطني، وعدم السماح لوزرائها ولوزاراتها بأخذ أي دور لهم (مثال على ذلك ضرب وزير الصحة الدكتور جواد  عواد  الذي جاء من الضفة لدعم قطاع غزة بما يحتاج إليه) هو موضوع خطير جدًا لأنه عملياً  ينسف إحدى اهم ركائز الوحدة الوطنية.

سادساً: إذا لم يأخذ الاخوة في قيادة حركة حماس قرارهم الوطني الجريء بحل حكومة الظل، وإعطاء الفرصة لحكومة الوفاق الوطني كي تأخذ دورها فنحن مُقبِلون على كارثة ستطال الشعبَ الفلسطيني في قطاع غزة، وتحديداً الفقراءَ والمنكوبين، والمشردين، والمتضررين من فظاعة العدوان اقتصادياً، واجتماعياً، وتربوياً، وعائلياً.

نقول ذلك لأنَّ الدول المانحة التي ستقدم الاموال من أجل إعادة الإعمار لا يمكن أن تقدم الاموال لأي فصيل، لا لحركة فتح، ولا لحركة حماس، وهي لا تتعاطى إلاَّ مع دول وحكومات فقط. أي لا يمكن تقديم مواد الاعمار إلاَّ للسلطة الوطنية وحكومة الوفاق الوطني، وهذا ما هو حاصل منذ العام 2009 والاموال التي رُصِدت يومها في مؤتمر شرم الشيخ من الدول المانحة لم يتم صرفها حتى الان لأن حركة حماس في قطاع غزة لا تسمح للسلطة الوطنية ولحكومتها بأخذ دورها في الاشراف على عملية إعادة الإعمار، والآن المشهد نفسه يتكرّر، والمأساة نفسها تتكرر، والاهالي ينظرون إلى بيوتهم المدمَّرة وإلى اقتصادهم المحطَّم، والى دورة الحياة المتوقِّفة بألم، وليس هناك من أمل وسط هذه التعقيدات.

سابعاً: لن تستقيم الامور إلاَّ إذا اعتبرنا فلسطين اكبر من فصائلنا وأحزابنا، لأن الفصائل والاحزاب هي وسائل للتحرير، أما فلسطين فهي الهدف الذي يسعى إليه كل الفلسطينيين، وكل المخلصين للأرض المباركة والمقدسات.

ثامناً: طالما أن الفصائل بما فيها حركة حماس قد رضيت بالتعامل مع اتفاق اوسلو عمليًا، ودخلت في السلطة، وشاركت في الانتخابات، وتسلّمت المجلس التشريعي، وشاركت في الحوار منذ العام 2009 وحتى الآن، ووقّعت على المصالحة، وانهاء الانقسام، لا يجوز لهذه الفصائل بكاملها أن تفرض نفسها سلطة بديلة عن السلطة الوطنية، أو أن تصبح هي سلطة الامر الواقع نافية وجود السلطةِ الوطنية المركزية. ففي رام الله سلطة وطنية وليس سلطة فتح، وكذلك الامر يجب أن يكون في قطاع غزة السلطة الوطنية ذاتها، وليس سلطة حماس، لأن حركة حماس هي فصيل وليس بديلا عن السلطة القائمة. وطالما هذه الاشكالية قائمة في قطاع غزة فإن الامور ستزداد تعقيدًا، وستكون كارثة غزة التي سببَّها العدوان مضاعفة لأن إمكانية التغلُّب على آثار العدوان ستكون معدومةً، وعلينا أن نتوقّع عدوانًا جديدًا إسرائيليًا، وهذا ما يهدد به نتنياهو لسببين: الاول لأنه لم يحقق أهدافه في العدوان الاخير، وأن خسارته في الجيش كانت كبيرة، وثانيا: لأن الواقع الفلسطيني ما بعد توقُّف العدوان ازداد تعقيدًا وشرذمةً وما لم يستطع نتنياهو تحقيقه اثناء العدوان بدأ يحققه الآن، وأقصد ضرب الوحدة الوطنية، وإعادة الانقسام.

تاسعاً: يجب حسم قضية الولاء للمشروع الوطني الفلسطيني الذي يُجسِّد الارادة الوطنية الشاملة، وحركة حماس معنية أن تتعاطى بجدية وموضوعية بتفعيل دورها الوطني الذي اختارته بنفسها عندما أصبحت جزءاً من السلطة الوطنية، ولا يجوز إسقاط مواقف قيادة الاخوان المسلمين السياسية على الساحة الفلسطينية، لأن الساحة الفلسطينية معنية بهموم الشعب الفلسطيني، وقضاياه الوطنية، والبرنامج السياسي الذي أقرّته منظمة التحرير الفلسطينية، وما أقره المجموع الفلسطيني في حوارات القاهرة. من حق حركة حماس أن تكون عقائدياً حيث تشاء، أمَّا الخيارات السياسية الفلسطينية فهي نابعة من المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني والمتعلّقة بدحر الاحتلال، والحصول على الاستقلال.

وعندما يقول الرئيس ابو مازن إنَّ حركة حماس هي جزء لا يتجزّأ من نسيج  الشعب الفلسطيني فإنه عملياً يدعوها لأخذ دورها القيادي في إطار "م.ت.ف" مثل كافة الفصائل، لكن بعيداً عن قرارات قيادة الاخوان السياسية لأن القضية الفلسطينية قضية مركزية لها توجهاتها، ولها قرارها المستقل، وترفض الانجرار إلى التجاذبات الاقليمية والدولية.

عاشراً: إنَّ تجسيد الوحدة الوطنية يحتاج إلى الجدية المطلقة، والحوار الهادئ وتوخي التوصل إلى الوفاق بعيداً عن التوترات والتشنجات، واعتماد التصريحات الاعلامية التفجيرية، وتعمُّد التعاطي بسياسة التخوين والتحريض والقدح والذم، وخاصة الاستهداف الدائم للرئيس أبو مازن، والتشهير بشخصيته الوطنية، ودوره القيادي، وهذا الامر يُسعِد الجانب الاسرائيلي الذي يعتبر الرئيس أبو مازن العقبة الكأداء بوجه المشروع الاسرائيلي. وعلى قيادة حركة حماس أن تدرك بأن أبناء حركة فتح لا يسمحون بمثل هذا الكلام الذي لا يليق بالعلاقة الفلسطينية الداخلية، وبالتالي كما نحن لا نسمح لأنفسنا بشتم الشيخ احمد ياسين أو الرنتيسي او خالد مشعل  لا نقبل من أحد أن يُشهِّر بنا، لأن هذا التشهير ليس من عادة الثوار، وقد لفت انتباهي ما قاله الناطق الاعلامي صلاح البردويل: "عباس مثل كفَّار مكة، وهو مُنفصِم نكِد، ومنقسم مع فتح؟! وفقد صوابه، وعبثي متناقض؟!".

الحادي عشر: لا يجوز لأي فصيل أن يفاوض الاحتلال منفصلاً عن السلطة لأن الذي يفاوض هي الدولة والسلطة وليس غيرها، وإذا أصرَّ فصيل معين على التفاوض مع الاحتلال فهذا يعني أن لديه مشروعاً خاصاً به على حساب القضية الفلسطينية، ولذلك فإن موضوع المفاوضات مع الاحتلال يحتاج إلى قرار جماعي.

ونحن نرى أن التجربة الأخيرة أثناء العدوان أثبتت مصداقية الرئيس أبو مازن عندما بحث عن الوحدة الوطنية، وبحث عن وقف العدوان، واهتم بحياة أهلنا، وخاض معركته السياسية الفلسطينية حتى النهاية، لكنه تمسَّك بأن قطاع غزة لن يكون إلاَّ جزءاً من الدولة الفلسطينية وقد تكون هذه هي المشكلة مع السيد صلاح البردويل.

بعد كل الذي ذكرناه ومن موقع المحبة والحرص هل نستطيع مواصلة رحلة بناء الوحدة الوطنية على أُسُس سليمة، وأن نحافظ على أمانة الشهداء؟؟!!

الحاج رفعت شناعة

13\9\2014