العالم العربي يعيش مخاضا عسيرا، ولحظة من اللحظات الاستثنائية في تاريخ العرب الحديث، حيث تتكالب القوى الامبريالية والصهيونية العالمية وقاعدتها الارتكازية إسرائيل وادواتهم الدينية والطائفية والمذهبية والاثنية بهدف تفتيت النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي لشعوب الامة العربية شعبا شعبا، وتمزيق أواصر الاخوة العربية، ونفي الثقافة القومية الجامعة من خلال تعميم ثقافات صفراء فاسدة، متناقضة ومعادية لراهن ومستقبل الشعوب ودولها والامة.
والسبب ليس قوة الغرب الرأسمالي ولا دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، بل ضعف القوى الوطنية والقومية والديمقراطية، وتماهيها أو صمتها عن الظواهر الخطيرة، التي تنتشر كانتشار النار في الهشيم باسم الدين والطائفية والمذهبية والاثنية. وهذا ناتج عن خواء وإضمحلال تلك القوى، الامر الذي فتح الابواب العربية على مصاريعها لكل القوى العبثية. وساهم في تعزيز دورها وقيام النظام العربي بارتكاب ابشع الجرائم بحق نفسه، وبحق شعوب الامة ومستقبلها من خلال التوافق مع الغرب الامبريالي واسرائيل بالاسهام في نشوء ودعم القوى الظلامية كـ تنظيم «القاعدة» او ما يسمى بـ «داعش» و«النصرة» « كتائب بيت المقدس» و«جيش الامة» وغيرها من الاسماء القبيحة والبشعة. ومازال بعض أهل النظام العربي يقوم بتقديم كل اشكال الدعم بشكل مباشر وغير مباشر لتصفية حساب مع الانظمة الشقيقة كما تفعل قطر وغيرها من دول الخليج.
ولعبت جماعة الاخوان المسلمين دورا رئيسيا في إنتاج وتفريخ تلك الجماعات، لانها شكلت بسياساتها الفئوية، واجنداتها الغربية والاسلاموية المتطرفة البيئة الخصبة لما تشهده شعوب الأمة العربية عموما وفلسطين من بينها.
وللأسف وجدت تلك الجماعات أرضا مشاعا أمامها، ما دفع الشباب من الجنسين للالتحاق بها، واعتبارها نموذجه «الايجابي»، لانها لم تجد القوى الوطنية والقومية الديمقراطية، وان وجدتها، فوجدتها في حالة يرثى لها، لا تقوى على الوقوف على اقدامها، وان كانت هناك قوى واقفة، فالسبب لا يعود لقدرتها على الوقوف، انما لانها مازالت تمسك برقبة النظام السياسي هنا او هناك، لكنها تعاني من كم هائل من الازمات والصراعات الداخلية والخارجية. ولا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها في حال رفعت عنها الحماية الغربية والاسرائيلية.
هذه الحالة السرطانية، التي تضرب كل ملمح وطني او قومي ايجابي، تستدعي من القوى الوطنية والقومية واليسارية الديمقراطية اولا: انتشال ذاتها من ازماتها الداخلية والخارجية في النطاقين الوطني والقومي،وتطهير الذات من مثالب الضعف والوهن ؛ ثانيا: الشروع بمواجهة نقاط الضعف خطوة خطوة، وايضا تعزيز وتطوير عوامل النهوض بالتصدي للقوى التفتيتية ولتبدأ بتطهير المجتمع هنا وهناك من القوى الدينية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين وتفرعاتها امثال «القاعدة» و«داعش» و«النصرة»...... إلخ من الاسماء؛ ثالثا: التصدي الشجاع لمظاهر الصراعات الدينية والطائفية والمذهبية دون تردد وبحزم لقطع الطريق على مخطط الغرب الرأسمالي، الذي يعمل دون كلل لتفتيت وحدة شعوب الامة؛ رابعا: خلق الاطر القومية الديمقراطية لتعزيز الاسناد بين القوى والشعوب؛ خامسا: التخلص من الاطر والمنظمات القومية، التي فرختها وانتجتها الانظمة العربية، وقطع الصلة معها؛ سادسا: التصدي لمنظمات الـ NGO,s المسوقة للثقافة والمخططات الرأسمالية، المعادية لتطور ونهوض شعوب الامة. دون الغرق في سياسة التعميم، لاسيما ان هناك منظمات مجتمع مدني تعمل وفق السياسات الوطنية والقومية، ولكنها قليلة؛ سابعا: تعميم ثقافة الندية والتكافؤ مع كل القوى الدولية بما فيها الولايات المتحدة، ومحاربة سياسة التبعية والخنوع، التي ارتضتها الانظمة العربية تاريخيا وراهنا؛ ثامنا: تعزيز سياسة التخطيط والتنمية المستدامة؛ تاسعا: تعميق الديمقراطية الحقة لا الكاذبة والشكلية، ومنح مساحة واسعة من حرية الرأي والتعبير والتنظيم والتظاهر والاعتصام؛ عاشرا: تعزيز مكانة المرأة على المستويات كافة، وترسيم ذلك من خلال الدساتير بفرض مبادىء المساواة بين الرجل والمرأة.
على العرب مسؤولية عالية جدا, تجاه انفسهم آن الآوان للنهوض من السبات والصمت والخوف والضياع. وهذه مسؤولية قوى التغيير من كل ألوان الطيف السياسي الوطنية والقومية واليسارية الديمقراطية، وليست مسؤولية فريق بعينه.