في مبنى سري بمدينة غزة جلس ثلاثة مقاتلين من كتائب شهداء الأقصى، لواء الشهيد نضال العامودي، يروون بعضا من ذكريات العدوان على غزة بعد أن عاد اثنان منهما من القتال قبل أيام معدودة.

في البداية كان الحذر يسود أجواء الجلسة، وحين شعر "أبو عياد" و"ابو محمود" و"أبو محمد" (أسماء مستعارة) بالاطمئنان، بدؤوا الحديث عما واجهوه من أهوال وأحداث جعلتهم يواجهون الموت ألف مرة ومرة جنبا الى جنب مع كافة المقاتلين في الميدان.

كانت الحرب قاسية للغاية، لكنها كشفت عن ضعف قوات الاحتلال وهشاشة تدريبهم واعتمادهم فقط على هجمات الطائرات والدبابات، قال ابو محمود (25 عاما).

مسافة صفر

وتابع: كنا في كثير من الأحيان على مسافة صفر من جنود الاحتلال وقاتلناهم وجها لوجه مستخدمين انقاض المنازل المدمرة للاختباء أسفلها وشن الهجمات.

وكانت كتائب شهداء الأقصى بمختلف اذرعها شاركت في التصدي للعدوان على غزة كاشفة عن قدرات قتالية عالية رغم ما مرت به من أوضاع صعبة اثرت على قدرتها على التسلح وحفر الأنفاق، ما حرم مقاتليها كثيرا من المميزات، الا انها كما يقول ابو محمود لم تمنعهم من القتال قائلا.

"كنا الفصيل الوحيد ربما الذي يطلق الصواريخ من فوق الأرض، وعناية الله فقط أنقذت مقاتلينا من موت محقق كان ينتظرهم بفعل أعمال المراقبة التي تجري لمختلف مناطق قطاع غزة بفعل التحليق المستمر لطائرات الاستطلاع".

حرص على المواطنين

وقال: حاولنا الابتعاد عن المناطق السكنية والقريبة من السكان واستخدمنا كثيراً من أعمال التمويه لإطلاق الصواريخ وكان لدى كافة المقاتلين تعليمات مشددة بضرورة الحفاظ على حياة الناس ومصالحهم وعدم تعريضهم للخطر.

ويستذكر مقاتلو كتائب شهداء الأقصى اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، مؤكدين انهم كانوا يتوقعون ان تشن قوات الاحتلال حربا على القطاع فانتظروا هذه اللحظة لحماية شعبهم.

وقال أبو عياد: كنا في حالة استنفار وتم توجيه كثير من التعليمات وما ان بدأت الحرب وأعمال القصف حتى شرعنا في إطلاق الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية بالتوازي مع باقي الفصائل والأجنحة العسكرية.

وأضاف : استمر الوضع على هذا المنوال وحين بدأت إسرائيل هجومها البري بعد تكثيف أعمال القصف وتدمير المنازل انتشرنا في مناطق التوغل الاسرائيلي مستغلين ستار الليل للوصول الى مناطق التماس والاختباء فيها خاصة اسفل المنازل المدمرة.

عمليات قنص

يؤكد أبو عياد، ان مقاتلي الكتائب انتظروا قوات الاحتلال في كثير من المناطق التي توغلت فيها واستخدموا ضدها أعمال القنص الدقيقة التي أوقعت قتلى وجرحى في صفوف قوات الاحتلال.

وقال: كانت لدينا قاعدة عسكرية مهمة وهي ان الطلقة الأولى لك والثانية عليك، لذا كنا نتحرك سريعا من المكان بعد تنفيذ عملية القنص لان قوات الاحتلال كانت تقصف المكان مباشرة وبعد دقائق معدودة، الأمر الذي كنا نلمسه بأنفسنا.

محاولة أسر جندي

ويروي أبو عياد كيف حاول مقاتلو الكتائب اسر جندي إسرائيلي بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مدرسة بيت حانون قائلا: توقعنا ان تأتي قوات الاحتلال الى احد المباني في ساعات الليل لأنها تنسحب في النهار، وبالفعل وضعنا خطة لمشاغلتها وإطلاق النار على المجموعة التي تعتلي المبنى على ان يتسلل أفراد مجموعة أُخرى الى المبنى لاختطاف الجنود.

وتمكن المقاتلون من إطلاق النار على أفراد المجموعة بعد ان نجح أفراد خلية التسلل في الاقتراب من مدخل المبنى الذي كان فيه اثنان من أفراد جيش الاحتلال وإطلاق النار عليهما فقتل واحد على الفور وأصيب آخر بجروح خطيرة وتقدم مقاتلو كتائب الأقصى منه وانتزعوا منه كل ما يمكن ان يشير الى مكان وجودهما وهرب بها أحد أفراد الخلية تاركا مهمة نقل الجندي الى أفراد المجموعة وهما اثنان، وما ان ابتعد المقاتل عن المكان حتى استهدفت المبنى قوات الاحتلال ودمرته على من فيه ليرتقي المقاتلان شهيدين وتفشل عملية الخطف التي كادت تنجح.

تغطية انسحاب محاصرين

يملك مقاتلو كتائب الأقصى الكثير من القصص عن سير العمليات والمواجهة مؤكدين صحة ما تداوله نشطاء الفيس بوك عن تمكن مقاتل منهم من تأمين انسحاب مقاتلين من كتائب القسام كانوا محاصرين في احد المناطق الا انه استشهد بعد ان واجه قوات الاحتلال بمفرده.

وقال ابو محمود: نعم هذه القصة حدثت في بيت حانون وبطلها شهيد من عائلة حمد يتبع كتائب شهداء الأقصى لواء نضال العامودي. وكان من اشرس المقاتلين في مهاجمة قوات الاحتلال وإيقاع الخسائر البشرية في صفوفها.

بدوره، تحدث ابو محمد الذي كان صامتا طوال الوقت عن إيمان الكتائب بضرورة مواصلة النضال حتى تحرير الوطن، لافتا الى عدم صحة ما تروجه وسائل الإعلام الموجهة عن عدم مشاركة كتائب شهداء الأقصى.

وقال : جميع الفصائل في الميدان كانت تعرف أننا قاتلنا جنباً الى جنب معهم وكان يجري التنسيق مع الكتائب في الميدان وحينما يتطلب الأمر ذلك،

وأشار الى ان الكتائب ما زالت على أهبة الاستعداد وجاهزة مرة اخرى للعودة الى ميدان القتال ان أرادت قوات الاحتلال ذلك، منوها الى ان عناصر الكتائب ما زالوا على درجة من الجاهزية الكبرى في جميع المجالات.

تصنيع أثناء العدوان

وقال واصلنا تصنيع الصواريخ محلية الصنع حتى في أوقات الحرب ولم تستطع قوات الاحتلال استهداف هذه الأماكن، مؤكدا ان امتلاك الكتائب لهذا الكم الكبير من الأسلحة فاجأ الكثير من الناس الذين لم يكونوا يتوقعون ذلك.

وأكد أبو محمد ان سلاح الكتائب موجه فقط للاحتلال ولن يوجه بأي حال من الأحوال الى أي جهة أُخرى.

الكثير من القصص والحكايات يمكن سماعها عن الكتائب والحرب والشهداء لكن ضيق الوقت لديهم ساهم في إنهاء الجلسة.