ملاحظات تفرض نفسها بقوة الواقع الساخن، ومن حقي أن أعتبرها حقائق، ومن حق الآخرين أن يضعوها في المرتبة التي يشاؤون:

أولى هذه الحقائق وبعيداً عن أية خلفيات لماذا لا تصدر بياناتُ المقاومة في قطاع غزة التي لا ينكر أحدٌ أهميتها ووجودها باسم (المقاومة) وليس باسم تنظيمات، وخاصة ما نسمعه في القنوات، فهناك بيانات عسكرية باسم كتائب القسام أو سرايا الدفاع، لكن الكتائب المقاتلة التي ليس وراءها قناة فضائية فمن يتحدث باسمها؟ وأين حقها في التعبير عن دورها وجهودها؟ علماً أنّ هذه الفصائل الأخرى سواء أكانت كتائب شهداء الأقصى أو أبو علي مصطفى أم الجبهة الديمقراطية فإن لها دوراً مهماً وبارزاً.

فهل هناك مانع عند قيادة حماس باعتبارها الأكثر نفوذاً في غرفة العمليات المشتركة أن تصدر البياناتُ العسكرية باسم (المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة)، ألا تشعرون معي أن هذا العنوان يُرعبُ العدوَّ الصهيوني لأنه يعني أن القوى العسكرية موحّدة بوجه الاحتلال والعدوان؟، بدلاً من أن تصدر الفصائل التي لديها قنوات بيانات متفرقة هنا وهناك، خاصة أن المواجهة توحِّد ولا تجزّئ؟؟؟.

ثانياً: إنً السلاح الأقوى بوجه العدو الإسرائيلي ليس فقط الصواريخ، ولا القذائف، ولا الأسْرَ والقتلُ على أهمية كل ذلك، لكنّ السلاح الأقوى هو(الوحدة الوطنية)، والتي بدونها لن نحقق نصراً مؤزّراً، ولذلك لماذا ونحن نخوض مواجهة دامية ومكلفة ضد الاحتلال الإسرائيلي لا نسعى إلى توحيد الموقف السياسي، والرؤية السياسية؟ لماذا لا تلتقي جميع القوى الوطنية والإسلامية للتشاور واتخاذ القرارات الصائبة التي تمثِّل الكلَّ الفلسطيني؟ وهل يُعقلُ أنه وبعد مرور أكثر من أسبوعين على اجتياح غزة لم يحصل أي لقاء جامع وشامل؟ ولا شك أن غياب مثل هذا اللقاء القيادي سيضعف الموقفَ السياسي الموحد تجاه الأهداف العدائية للهجوم الدموي على أهلنا في قطاع غزة.

ثالثاً: يجب أن يدرك الجميع بأن الحرب على غزة أهدافها سياسية، فالعدو الإسرائيلي يريد تحقيق مجموعة من الأهداف التي تمسُّ جوهرَ القضية الفلسطينية ومستقبلَ الشعب الفلسطيني، خاصة موضوع حماية الاستيطان في الضفة، وتسمين المستوطنات، وتهويد المقدسات، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية القائمة على مجموعة ثوابت منها بناء الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على الأراضي المعترف بها دولياً، وعاصمتها القدس الشرقية، كما يسعى الاحتلال إلى جعل قطاع غزة دولةً منفصلة عن الضفة الغربية لتكريس الانفصال بعد الانقسام وهذا ما يضمن مصالح العدو في إبقاء الصف الفلسطيني ممزَّقاً متناحراً.

أمام هذه المخاطر أليس المطلوب من قيادة حركة حماس وباقي الفصائل أن تبدي استعدادها عملياً لحضور مثل هذا اللقاء لأن الجميع يده في النار، وخاصة شعبنا الفلسطيني الذي يدفع يومياً من خمسين إلى مئة شهيد، ومن مئة جريح إلى ثلاثماية، وأحياءٌ بكاملها مدمِّرة، ومئات الآلاف من أهل القطاع تحت النار، وفوق النار، بعد أن تحولت بيوتهم إلى دمار، ألا يستحق هذا الشعب نوعاً من التواضع لدراسة الماضي القريب، وقراءة الحاضر الذي يغلي بالدماء والتضحيات والآلام؟؟!!.

رابعاً: شكراً للرئيس أبو مازن لأنه منذ البداية أدرك الحقيقة، وقرأ أبعاد العدوان منذ بدأ في الضفة، ومنذ بدء الهجوم على القطاع راح يبحث عن وقف العدوان لأنه يعرف العقلية الصهيونية الإسرائيلية التي تقوم على إيديولوجيا القتل والإبادة البشرية، وتدمير البيوت على رؤوس الأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة وكان همه الأكبر أن لا تُعطى الفرصة لهذا الجزار نتنياهو ليقتل ويدمِّر. الرئيس تواصل مع قيادة حركة حماس، وانطلق إلى كل من له تأثير على مجريات الأمور من العواصم العربية وغير العربية، وطلب من مجلس الأمن أن يجتمع ويأخذ القرار بوقف العدوان، لكن مجلس الأمن يكيل بمكيالين فرفض أخذ القرار، ودان الطرفين الفلسطيني بسبب إطلاق الصواريخ، والإسرائيلي بسبب العدوان واستهداف المدنيين.

الرئيس من موقع مسؤوليته لم يهدأ وزار أنقرة وقطر والبحرين وناشد الجميع بأن يسعوا إلى إنقاذ شعبنا من لهيب الصواريخ والقذائف، وطائرات الـ f16، والدبابات، لقد ذهب إلى السيد خالد مشعل ليتشاور معه من أجل فلسطين، من أجل القبول بالتهدئة والهدنة، والمبادرة، والاتفاق على ما نريده بعد هذه التضحيات والشهداء والدماء، وبالتالي أن نكون واقعيين، ونبحث عن مصالح شعبنا الوطنية، وأن لا نحمّل شعبنا أكثر مما يحتمل، وأن نحدد أهدافنا بموضوعية بما يضمن سلامة أهلنا، وفك الحصار عنهم، والحياة الحرة الكريمة، شعبنا له علينا دين كبير لأنه دفع أكثر من خمسماية شهيد ولم يرفع راية بيضاء، ولذلك هو يستحق الاحترام، ومن حقه علينا أن تكون هناك قيادة واحدة تؤمن بالوحدة الوطنية، وترفض الانقسام.

خامساً: على جميع القوى والفصائل أن تدخل معركتها، وتعالج مشاكلها على أرضية المصالح الوطنية العليا، ورفض التبعية لأي طرف إقليمي أو دولي، وبمعنى أوضح أن يكون الدم الفلسطيني المسفوك خالصاً لوجه الله، وفي ميزان القضية الوطنية الفلسطينية بعيداً عن الصراعات والتناقضات الإقليمية والدولية، أي رفض توظيف الدم الفلسطيني في حسم العراك الإقليمي وتجاذباته المريرة، وذلك لأن لدينا من الهموم والاستحقاقات ما يكفينا، وأيضاً لأن فلسطين أكبر من جميع المصالح والتناقضات الإقليمية فهي القضية المركزية للأمة بأسرها، ولا نسمح لأحد أن يلوي عنق قضيتنا من أجل أن يدجَّنها، أو من أجل الوصول إلى أهدافه.

سادساً: سؤال واضح وصريح إلى الجميع والمطلوب الإجابة، وإن كانت الإجابة تبدو محرجة أو معقدة، أين أصبحت المصالحة؟ هل غادرنا الانقسام إلى غير رجعة خاصة بعد شلال الدم؟؟ وهل لدينا الاستعداد الكامل والمبدئي لإنجاح حكومة التوافق الوطني التي وُلدت من رحم المعاناة بعد سبع سنوات من الانقسام؟؟ وهل هناك استعداد للتهيئة للانتخابات الفلسطينية حسب ما هو متفق عليه؟ أي هل الانتخابات ستظل لمرة واحدة أو أنها ستكون إستحقاقاً وطنياً من حق الشعب أن يمارسه بعيداً عن الخلافات الفصائلية؟؟ والسؤال الأهم هو هل بالإمكان أن يبقى الاحترام بيننا قائماً من أجل فلسطين، ومن أجل أن نعطي الهيبة المطلوبة للقيادة الفلسطينية وكلُّ من موقعه؟؟ وسؤالي إلى الأخوة الأعزاء في قيادة حركة حماس هو هل كلما حدث حادث سندفع بأبو زهري، ومشير المصري، وإيهاب الغصين لكيل الشتائم، والاتهامات لسيادة الرئيس أبو مازن، هل هناك قرار في حركة حماس لتشويه شخصية الرئيس أبو مازن والتحريض بأسوأ العبارات، وإذا كان لدى قيادة حركة حماس شيء يُذكر لماذا لا تطلب لقاء مع الرئيس لمناقشة الخيارات المطروحة في جلسات خاصة بعيداً عن الإعلام والقنوات؟ أو أن هناك إصراراً على التحريض والتشويه والشتم والسباب؟؟ وبالتالي على قيادة حركة حماس أن تدرك بأن حركة فتح الرائدة عندما عقدت مؤتمرها السادس انتخبت الرئيس أبو مازن بالإجماع أي بموافقة (2400) عضواً من كل أنحاء العالم، لذلك عندما تصر قيادة حركة حماس على التجريح بشخص الرئيس فهي تجرح مشاعر كل الفتحاويين الأصيلين، وتزرع في البعض الأحقاد والضغائن كردة فعل وهذا لا يخدم فلسطين ولا يقوي المقاومة ضد الاحتلال.

سابعاً: الملاحظة السابعة وهي أيضاً في غاية الأهمية، وتتعلق بالدور المصري وعلاقته بالموضع الفلسطيني.

بالنسبة لنا نحن نحترم الشعب المصري وخياراته ونتعاطى معه ومع القيادة المنتخبة، مثلما تعاطينا مع الرئيس السابق محمد مرسي، فإننا اليوم نتعاطى مع الرئيس الجديد المُنتخب عبد الفتاح السيسي، ونحن نؤمن بأن العلاقة مع مصر ليست تجارة سياسية، وإنما هي تقوم على منطلقات قومية تحتضن القضية الفلسطينية، ومنذ أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك ونحن نتعامل مع مصر وقيادتها لمعالجة موضوع الانقسام، وكيفية عقد المصالحة، وحملوا معنا الأمانة والمتاعب، وأسهموا بما لديهم من جهود، والآن نحن نصرُّ على أن تبقى مصر نتيجة لدورها السابق منذ سنوات هي راعية المصالحة الفلسطينية، ونحن نحترم المبادرة المصرية لأنها تقوم على اتفاقية التهدئة التي عقدتها حركتا حماس والجهاد في القاهرة مع الجانب الإسرائيلي، واستُبعد الرئيس أبو مازن من المباحثات عمداً سنة 2012، ومع ذلك ورغم الاهانة التي وُجِّهت له برفض السماح له بالمشاركة في المفاوضات آنذاك فإنه باركَ الاتفاق لأنه يبحث عن المصلحة الوطنية، ومصر موقفها واضح، وهناك ظروف أمنية داخلية صعبة، ومع ذلك وقفت إلى جانبنا بكل قوة ووفاء لأن همّها وقف شلال الدم في القطاع، وهي تضع ثقلها إلى جانب شعبنا، وهذا ما يجب أن يتفهمه الجميع، وبالتالي وبكل محبّة وموضوعية أقول للأخوة في حركة حماس أن لا يتم التعاطي مع مصر وقيادتها ومبادرتها على خلفية التناقض القائم بين حزب الإخوان المسلمين والنظام في مصر، لأنّ هذا شأن داخلي مصري، والمطلوب لإنجاح القضية الفلسطينية أن تعطي حركة حماس الأولوية للمشروع الوطني الفلسطيني الذي اختارت أن تكون هي مكوناً من مكوناته من خلال موافقتها على الدخول في إطار "م.ت.ف" وهي البيت الفلسطيني الجامع لكل القوى، أما إذا أصرت قيادة حركة حماس على أن تبقى الأولوية السياسية عندها مرتبطة بحزب الإخوان المسلمين على حساب المشروع الوطني، فهذا ستكون له مضار كبيرة على العلاقة مع مصر لأن للإخوان مشروعهم السياسي والأمني في مصر، فهل ستتمكن حركة حماس من البقاء بعيداً عن هموم ومواقف الإخوان، وان تهتم بالمتاعب والهموم الفلسطينية على أرضية كسب كافة الأطراف إلى جانب القضية الفلسطينية؟؟

ثامناً: هناك ملاحظة في قمة النضوج ولا تُحتمل وهي أنَّ لنا عشرات المعتقلين على الأقل في معتقلاتكم ونخشى أن تُقصف هذه المعتقلات ويموت كوادرنا وشبابنا الفتحاويون لديكم وهذا الأمر لا نقبله للأخوة في حركة حماس، واعتقد أن العدو الإسرائيلي يفعلها ليضع الجميع أمام مواقف صعبة، وقد أعذر من أنذر.

لا شك أن هناك ملاحظات لم تنضج بعد، وأن الحديث عنها مبكّر، ولكن نأمل الاهتمام بالوحدة، بالشعب، وبعدم السماح بالعودة إلى الانقسام، وبإفشال المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية فهل سنتمكن من ذلك احتراماً للشهداء؟؟.

 

أمين سر إقليم لبنان

الحاج رفعت شناعة

2014/7/22