خاص مجلة القدس- رام الله - فلسطين تحقيق: وسام خليفة، عدي غزاوي

منذ بداية هبّة اكتوبر العام 2015 شرع الاحتلال الاسرائيلي بالتنكيل بأهالي الشهداء عبر هدم بيوتهم واقتحامها باستمرار وتحطيم مقتنياتها. ولكن مَن يدخل بيوت اهالي الشهداء يُفاجأ بامتلاكهم معنويات عالية وعزيمة فولاذية رافضة للاحتلال وممارساته بسبب الدعم الذي يلاقونه من المجتمع. مجلة "القدس" في هذا العدد سلّطت الضوء على بعض عائلات الشهداء الذين هدِمت بيوتهم والمهدّدين بالهدم وعلى صُوَر التكاتف الشعبي الفلسطيني في دعم ذوي الشهداء.


أبو حبسة: الاحتلال سيهدم بيتي للمرة الثالثة
محمد صالح ابو حبسة من قرية ساريس قضاء القدس، يعيش في مخيم قلنديا، وهو والد الشهيد عنان أبو حبسة. في العام 1948 هدمت العصابات الاسرائيلية بيته، وهُدِم بيت عائلته مرة اخرى العام 1975 بعد ان اعتقله الاحتلال لنضاله في تلك الفترة، واستشهدت والدته وهي تحاول منع هدم البيت، وهو من عائلة مناضلة اعتقِل فيها جميع الاخوة والاخوات، وهذه المرة الثالثة التي سيهدم فيها بيته بعد تنفيذ ابنه عملية طعن مزدوجة لمستوطنين اسرائيليين في القدس برفقة الشهيد عيسى ياسين عسّاف.
يقول والد الشهيد عنان: "أصعب مشهد مرَّ علي هو حين رأيت ابني موضوعاً على نقالة والمستوطنون يضربونه وهو ينزف، وقد استملت جثّته مشرّحة ولدينا شكوك بأن الاحتلال سرق بعض أعضائه، وهذه القضية خاضعة لفحوصات الطب الشرعي لحين التأكُّد".
ويتابع "طلبتني المخابرات الاسرائيلية للتحقيق معي بالقرب من حاجز قلنديا العسكري ليأخذوا تفاصيل عن ابني وعائلتي، وبعدها بعدة ايام اقتحمت قوات الاحتلال المخيم ودخلوا بيتي ليلاً بوحشية، وأخذوا قياساته ولـمّحوا لي بطريقة غير مباشرة بأنهم ينوون هدمه. وبعدها بيومين اقتحموا البيت مرة اخرى وفتشوه بطريقة مستفِزة وهمجية محطمين الأثاث في البيت، واكثر ما آلمني اني اكتشفت بعد عدة ايام، أن رسالة دكتوراه كنت اعمل على اعدادها منذ ثلاث سنوات، وتتحدّث عن القرى المهجرة واحتلال فلسطين العام 1948، مفقودة، ويبدو انهم أتلفوها او أخذوها معهم. وبعد فترة اسابيع أحضروا إخطاراً رسمياً بِنيّة هدم المنزل وان عليّ إخلاءه، فذهبت لمؤسسة تهتم بالقضايا القانونية لرفع استئناف لقرار الهدم علّهم يعدلون عنه، خاصةً أن هذه العملية ستستغرق أسبوعاً او اكثر بقليل، وفي حال تدمير منزلنا بالمتفجرات ستُدمر 5 بيوت في عمارتنا يسكنها 15 فرداً وأكثر من 30 منزلاً في محيطه سيتضرر بشكل كبير. وبعد استلامنا اخطار الهدم تطوّع ابناء المخيم، والذين لم اعرف معظمهم، بنقل كافة ممتلكاتنا في البيت لبيت آخر قامت اللجنة الشعبية في مخيم قلنديا باستئجاره لنا ليؤوينا في حال تم الهدم".
ويضيف أبو حبسة "كل ما يقترفه جيش الاحتلال بحق اهالي الشهداء من تنكيل بهم وهدم بيوتهم هو تعسف وظلم كبير لعائلات كاملة خرج منها شهيد. وهذه الممارسات تنم عن سياسة عقيمة وجاهلة ستزيد الوضع توتراً وستقتل اي عملية سلام كانت مطروحة، لأن هذا الظلم يُحدث جواً من الاحباط بين الفلسطينيين وسيولّد نزعة الانتقام في نفوس الشباب الفلسطيني الحاقد على ممارسات الاحتلال العنصرية بحق شعبنا. فالاحتلال يعمل على قاعدة تقول ما لم يأتِ بالقوة سيأتي بمزيد من القوة، ولكن سيأتي يوم ينقلب فيه السحر على الساحر. ونحن الآن بمرحلة مخاض سينتج عنها ولادة جيل تحرير فلسطين، وسيأتي يوم يفقدون فيه دعم الدول القوية وينتهي احتلالهم".

ياسين عسّاف: أهلي عاشوا في خيمة ولا مشكلة عندي ان اعيش مثلهم
تعيش أسرة ياسين عسّاف، والد الشهيد عيسى عسّاف، وهم من قرية علار المهجرة قضاء مدينة بيت لحم، في مخيم قلنديا في بيت لا تتجاوز مساحته 100م2. وحول تبلُّغه قرار هدم منزله يقول: "منذ اول يوم استشهد فيه ابني طلبني الاحتلال للتحقيق معي، وأخذوا يسألونني عن منزلي، وعندما سألتهم عن السبب اجابني الضابط سنقوم بتفجير منزلك! إلا أنني لم اكترث بتاتاً، فبيتي لا يساوي عندي ظفراً من أظفار ابني الذي استشهد، ولكن لا نقول سوى الحمد لله وحسبي الله عليهم".
ويتابع "قبل اسبوع من استشهاد عيسى، اقتحمت قوات الاحتلال المنزل وقاموا بالعبث بمقتنياته، واعتدوا على ابني الشهيد عيسى بالضرب المبرح ولم يمسوا أحداً سواه، وكأنهم قدِموا من أجله، ليذهبَ ابني بعد اسبوع، وبدون علم اي شخص، ويقوم بتنفذ عملية في القدس، علماً أنه لم يكن قد مضى على خروجه من سجون الاحتلال سوى شهرين. وبعد استشهاد عيسى اقتحم الاحتلال المنزل بطريقة مستفزة، وعبثوا بمحتوياته، وبعدها بـ50 يوماً سلّمونا إخطاراً بهدم المنزل، فقمنا بتقديم استئناف لمحكمة العدل العليا الاسرائيلية لمنع القرار، إلا أنني اقولها بصراحة هي محاولة يائسة لأن الاحتلال قد اتخذ القرار، واذا كان غريمك القاضي فلن يُفيدكَ فعل شيء، لكنني لستُ قلقاً من هدم المنزل، فهم يعتقدون بأنهم يلعبون بأعصابنا ولكننا لن نأبه بما سيفعلونه".
هذا ويعيش في منزل عسّاف 33 فرداً من العائلة بينهم أبناؤه وزوجته واخوته، إلا أن المشكلة الأكبر، كما يوضح، هي أن "هدم البيت سيلحق الضرر بأكثر من 150 لاجئاً في المخيم كون بيتي محاطاً بـ36 منزلاً ملاصقاً له، بالإضافة  للعديد من المحلات والورش أيضاً، وبعد استلام اخطار الهدم قمنا بإخلاء بيتنا حيث استأجرت اللجنة الشعبية بيتاً لنا وقام شباب المخيم بنقل جميع مقتنيات المنزل حفاظاً عليها".  
بدوره يرى عسّاف أن "سياسة الاحتلال بهدم بيوت اهالي الشهداء ليست ناجحة لأنها ستزيد من كره الناس للاحتلال وستنتج افعالاً انتقامية"، مضيفاً  "الاحتلال يهدم بيوت اهالي الشهداء منذ بداية الهبّة الجماهيرية الاخيرة في الضفة الغربية ولم تردع هذه السياسة أحداً من الشباب الذين استشهدوا عن تنفيذ العمليات. أيعتقد الاحتلال بأني سأنسى بلدي علار بهدم منزلي؟! لن تجدَ اي لاجئ في المخيم نسي ارضه وحقه.كيف يعتقد الاحتلال بأني سأنسى حقي بعد ان حرمني من آلاف الدونمات التي كانت تعود لجدي وجعلني لاجئاً في بيت مساحته 100 م2 في المخيم؟!"، ويختم بالقول: "استشهاد ابني كان مكتوباً من الله ولا اعتراض على قضاء الله، ولكن ابي وامي عاشوا في خيمة بعد تهجيرهم من أرضهم وانا مستعد أن أعيش في خيمة وليس عندي مشكلة في ذلك".

شفيق الحلبي: لن يمنع الاحتلال شعبنا من العيش في ارضه
يؤكّد شفيق الحلبي، والد الشهيد مهند الحلبي، أن المقاومة حق شرعي لشعبنا القابع تحت احتلال عنصري وغاشم، ويضيف "بعد استشهاد مهند تعرّضنا للعديد من المضايقات والاعمال الانتقامية من الاحتلال، كان ابرزها اقتحام البيت عدة مرات بصورة همجية ووحشية،كما اعتدوا على أفراد الاسرة، وبعد كل الاقتحامات هدمت قوات الاحتلال البيت بأكمله كعقوبة جماعية لنا كوننا أهل الشهيد، ولأن البيت هو رمز الامان لأي عائلة ومكان الراحة. وبعد هدم الاحتلال للمنزل استأجرتُ منزلاً صغيراً بعد ان كنا نسكن بيتاً مكوناً من طابقين كان يلبي لنا احتياجاتنا كعائلة".
ويتابع الحلبي "الاحتلال الاسرائيلي لا يستطيع ردع شعب من العيش في أرضه فنحن أصحاب حق، وحقنا ان نمارس جميع حقوقنا على ارضنا فلسطين. ولا بد أن أشكر ابناء الشعب الفلسطيني من صغيرهم الى كبيرهم لوقوفهم لجانبنا في محنتنا، فوجودهم ساعدنا في هذه الفترة العصيبة".
ويختم بالقول: "يعتقد الاحتلال أنه بإجراءاته هذه سيردع أي شخص يفكر في مقاومته، ولكن العمليات ما زالت مستمرة، وهدم البيوت لن يزيد شعبنا إلا حقداً عليهم ورغبة أكبر في مقاومتهم".

مخيم قلنديا: تكاتف شعبي في مواجهة الاحتلال
هدمُ منازل اهالي الشهداء أوجد حالة من التكاتف الشعبي الفلسطيني بهدف دعم الأهالي مادياً ومعنوياً. ومن صُوَرِ هذا التكاتف، الدور الشعبي لأبناء مخيم قلنديا في الوقوف الى جانب اهالي شهداء المخيم الذين هُدِمت بيوتهم والمهدّدين بذلك. وحول ذلك يقول أمين سر حركة "فتح" في مخيم قلنديا، ورئيس اللجنة الشعبية في المخيم جمال جحجوح: "الحالة السائدة في مخيم قلنديا هي حالة وطنية عامة ملزِمة لكل أهالي وسكان مخيم قلنديا قبل ان تكون ملزِمة للمؤسّسات الرسمية. فهو التزام وطني أولاً، والتزام ديني وأخلاقي أيضاً، والتزام المؤسسات والتنظيم، هو واجب تجاه الاهالي المتضرّرة بيوتهم، والذين استشهد ابنهم. القضية الاخرى هي هذا التضافر والتعاضد ما بين المؤسسات وما بين حركة "فتح"  وبين سكان مخيم قلنديا بالمجمل، وهو دعم للتوجه الوطني داخل فلسطين وداخل مخيم قلنديا بالذات حيث يشعر المواطن، مهما كان الضرر الواقع عليه من الاحتلال، انه ليس وحده في هذه المعركة، وأن هناك مجتمعاً داعماً له، فهدم البيوت أو إلحاق الضرر بها عامل نفسي، وواجب التنظيم والمؤسسات ايجاد المجتمع المتضامن والمتكامل والمتكافئ مع بعضه لتوفير الشعور الداخلي بالأمان لدى العائلات المتضررة".
ويُردف "من هنا وكمخيم قلنديا وكحركة "فتح" حاولنا دعم المتضررين بعدة اشكال، أولها الدعم المعنوي، عبر الزيارات والتضامن مع الأهالي والقيام بدورنا الطبيعي وقت العزاء بمعنى التكفُّل بتكاليف أيام العزاء الثلاثة. ثانياً، استئجار بيوت بديلة لإيوائهم، ودُفِعت أُجرة البيوت المستأجَرة من قِبَل اللجنة الشعبية، وهذه المسائل عزّزت موقف الاهالي، وعزّزت موقف اهل المخيم بالتضامن معهم. فأحد البيوت التي هُدِمت كان مؤلّفاً من ثلاث طبقات، وتم الاتصال بالسلطة الوطنية الفلسطينية لتأخذ دورها الوطني في هذه المسألة، فجرى إقرار بناء البيت، والمعاملة موجودة حالياً في الدوائر الحكومية. واذا هُدِمت البيوت الاخرى سنتّبع نفس النهج، الا انه وفي حال لم تتمكن الحكومة من القيام بدورها في بناء البيوت المهدمة، ستقوم المؤسسات والحركة بإعاده بنائها. وقد شُكّلت لجنة لذلك في مخيم قلنديا، لكننا لن نتّبع مبدأ التبرعات العينية من الجمهور، بل التبرعات من أصحاب رؤوس الاموال، وهم كثر والحمد لله، والعديد جداً من أصحاب رؤوس الاموال تبرّعوا مسبقاً في حال هُدِمت بيوت جديدة، مع الإشارة إلى أن التبرعات تتم على ثلاثة صعد. فبعض المقاولين تبرّعوا بالتكفُّل بأجرة البناء، وبعضهم تبرّع بالمواد العينية، وآخرون تبرّعوا بأموال لإعادة البناء".
ويضيف جحجوح "بسبب تفجير بيت مؤلّف من ثلاث طبقات، تضرّرت حوالي ست شقق في محيطه، وهناك ثلاثة بيوت مهدّدة بالهدم أحدها شقة في وسط عمارة، وإذا هُدِمت ستهدم العمارة بأكملها، خاصةً أن البناء الهندسي في مخيم قلنديا بطبيعته هش والبيوت متلاصقة في بعض الحارات، لذا فهدم شقة واحدة قد يؤدي لهدم حارة بأكملها".

حملات دعم لإعمار منازل الشهداء
أثارت عمليات هدم منازل شهداء الهبّة الجماهيرية الاخيرة مشاعر الفلسطينيين كونهم مجتمعاً واحداً وما يصيب احدهم يصيب الجميع، وفور بدء هدم المنازل ظهرت العديد من الحملات الهادفة لإعادة اعمار بيوت ذوي الشهداء وتعويض المتضررين، ومنها حملة اعمار بيت الشهيد مهند الحلبي والتي حدَّثنا عنها الناطق الإعلامي باسم الحملة عبدالكريم ابو عرقوب، حيث قال: "هي حملة شعبية انطلقت فور هدم قوات الاحتلال المنزل. وفي ساعات الصباح تداعى العديد من المواطنين لمساعدة أُسرة الشهيد الحلبي، وكانت هناك فكرة توحيد الجهود من كافة الجهات التي تريد المساعدة، وأُطلِقت الحملة بعد هدم المنزل بساعات قليلة على ان تستمر اسبوعاً واحداً، بحيثُ يوضع صندوق لجمع التبرعات في ميدان الشهيد ياسر عرفات وسط مدينة رام الله من الساعة العاشرة صباحاً وحتى السادسة مساءً. وفي نهاية الأسبوع، كان مجموع ما تبرّع به كافة المواطنين نحو 650,000 شيقل".
ويتابع "هذه الحملات هي جهد شعبي متواضع يؤكّد ان الشعب الفلسطيني موحّد في مواجهة سياسة الاحتلال وافشال سياسية تركيع اسر الشهداء الذين لا ذنب لهم في هدم منازلهم. فسلطات الاحتلال تمارس سياسة العقاب الجماعي ضد كل ابناء الشعب الفلسطيني، وعندما تهدم منزلاً فهي تشرد جميع أهله سواء أكانوا أطفالاً او شيوخاً، لذا فوقفة المواطنين مع المتضررين جرّاء هذه السياسة لها مدلولات كثيرة أهمها التكافل الاجتماعي والتضامن والوحدة وعدم ترك المتضررين من سياسة الاحتلال يواجهون مصيرهم لوحدهم، والتأكيد على أن جماهير شعبنا موحّدة في مواجهة سياسة الاحتلال القمعية، وهذه الرسالة الاولى، وهي موجهة للاحتلال. أما الثانية، فهي أننا نؤدي واجباً وطنياً وقومياً وانسانياً ودينياً تجاه هذه الأُسَر، ويجب ان نكون جميعاً موحدين في مواجهة الاحتلال. والرسالة الثالثة هي ان كل انسان فلسطيني بغض النظر عن عمره وسنه وجنسه قادر على تقديم العون والمساعدة لهذه الأُسَر".
غير أن المشكلات لم تنتهِ بعد جمع التبرعات حيث يقول أبو عرقوب: "اعتبرت سلطات الاحتلال ان مكان المنزل مُصادَر ولا يمكن البناء عليه، وعليه بدأنا نبحث عن بديل لبناء منزل بنفس مواصفات المنزل الذي كان قائماً، وفي نفس المنطقة التي تسكن فيها اسرة الشهيد، لكن مخططات المنطقة برمتها تحتاج الى تنظيم هيكيلي واعادة تنظيم، وهناك مشاريع لاستبدال بعض المناطق الاخرى لتكون منطقة قابلة للبناء، وتمّت مخاطبة الجهات الرسمية، وقد أدّت بلدية سردا ابو قش، المنطقة المسؤولة عن تنظيم تلك المنطقة، دوراً كبيراً في اعداد مخططات جديدة، كما توجّهنا الى وزارة الحكم المحلي، ومن ثم لمجلس التنظيم الاعلى الذي طالب ببعض التعديلات، التي يجري العمل على انجازها، وقريباً في حال أُقرَّ المخطط، سنشرع في عملية البناء علماً أن العديد من المواطنين قدَّموا تبرعات عينية من خشب واسمنت وألمينيوم وغيرها للمساهمة في بناء البيت، والعديد من المهنيين والصناعيين تتطوّع للعمل بدون أجر".
ويؤكّد ابو عرقوب أن الحملة لاقت تفاعلاً وإقبالاً كبيراً من مختلف شرائح وأعمار المجتمع الفلسطيني، مضيفاً "أصغر المتبرعين طفل عمره 8 أشهر، وأكبرهم مسنٌ عمره 92 عاماً، وقد حضر الآلاف من المواطنين وتبرعوا من تلقاء نفسهم وايماناً منهم بواجبهم الانساني والديني، فنحن لم نتوجّه للمساجد أو لرجال الاعمال ولا لأي كان، بل اكتفينا بوضع إعلان للراغبين بالتبرُّع. وبالطبع فهذه الحملة ليست الوحيدة في الاراضي الفلسطينية، فقد سبقتها حملات شعبية اخرى في نابلس وفي مخيم شعفاط، وأعقبتها أيضاً مبادرات في مخيم الجلزون وفي سلواد، وكانت في الامس القريب مبادرة اخرى في بلدة بيتين في محافظة رام الله والبيرة، بالإضافة لحملة أُسَر شهداء مدينة القدس في الاسبوع الماضي، وقد قُدِّرَ المبلغ الذي جمع لها في الأسبوع الماضي بـ350,000 شيقل من مختلف المدن الفلسطينية، أيضاً كانت بالامس حملة من وزارة الاوقاف حيث وُضِعت صناديق في المساجد لجمع التبرعات لأُسَر الشهداء وبناء البيوت المهدمة، إلى جانب العديد من المبادرات الشعبية الأخرى وكلها لها اثر ايجابي في نفوس اسر الشهداء الذين فرحوا بهذه المبادرات التي عزّزت صمودهم وأكّدت لهم أنهم ليسوا لوحدهم في مواجهة الاحتلال، كما أكّدت أن شعبنا شعب متكافل متضامن، وان اهدافنا الوطنية هي اهداف واحدة وان وحدتنا فوق كل الخلافات والتناقضات ما دام هناك احتلال، خاصةً أن هذه الحملات كانت وطنية شعبية بدون أي غطاء سياسي مباشر".

حملة "اليوم الوطني لشهداء القدس"
أطلقت مجموعة من إعلاميين ونشطاء وشخصيات وطنية ودينية من كل الضفة الغربية المحتلة حملة "اليوم الوطني لشهداء القدس"، بهدف جمع التبرعات المادية وحشد شرائح الشعب الفلسطيني لإسناد عائلات الشهداء معنوياً ومادياً وتحديداً شهداء الهبّة. وفي هذا السياق يقول عضو اللجنة الاعلامية للحملة فادي العاروري: "نظراً للحاجة الملحة للدعم السريع لأهالي الشهداء ورد جزء من الدَّين لهم لصمودهم وصبرهم أمام سياسات الاحتلال بعد فقدانهم لأبنائهم في الهبّة، بلورنا فكرة الحملة، وقد حقّقنا جزءاً من أهدافها ونأمل تحقيق الأهداف المتبقية في المرحلة المقبلة، وقد كان التفاعل الشعبي رائعاً جداً، وساهم في ايجاد حالة عامة في المجتمع الفلسطيني".
ويتابع العاروري "القسم الاول من الحملة انتهى وشملَ جمع الاموال في كنائس ومساجد، وكانت هناك فعالية ثقافية ذهب ريعها للحملة، إلى جانب ٧ صناديق توزّعت في مختلف مناطق الضفة، ولكن هذه الحملات ليست كافية بدون الدعم الرسمي ودعم الفصائل وحشدهم لأنصارهم للمشاركة، لأن كل هذه الحملات هي عبارة عن إبر تخدير للمشكلة الأكبر، والتي تشمل عشرات العائلات في الضفة الغربية، لذا نحتاج حملة لكل الشهداء وهذا يحتاج وقفة كبيرة من العشرات والمئات، وبدون حشد شعبي كبير على مستوى غرف تجارية، بلديات، أحزاب وفصائل ستكون حملة ضعيفة، وما يهم في الحملات الشعبية هو ثقة الجمهور ووجود شخصيات غير جدلية قد تؤدي لنفور الناس من الحملة".

مواقع التواصل الاجتماعي تدعم أهالي الشهداء
نتيجة سياسة اسرائيل في هدم منازل شهداء هبّة اكتوبر ظهرت العديد من الحملات التي تقدم الدعم المعنوي والمادي لهم، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الدعم حيث يقول الناشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحيى حبايب: "لوسائل التواصل الاجتماعي دور ايجابي ومهم، فهي وسيلة من وسائل الاعلام، وعادة اي حملة او اي فعالية اذا لم يكن لها دعم وترويج عبر وسائل الاعلام لا تكون ناجحة 100%، فما بالك عندما يكون الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي لها التأثير الأكبر حالياً على الجمهور عموماً وعلى المتلقي الفلسطيني. ولدى الإعلان عن فعالية حملة إعمار منازل الشهداء الجميع أرادوا المساعدة، ولكنهم لم يعرفوا كيف، وهنا استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي تسهيل الأمر لهم عبر تحديد أماكن صناديق التبرعات وكيفية الوصول إليها، ونحن كناشطين على وسائل تواصل الاجتماعي لم نكن على الارض ومشاركين بعملية جمع الدعم بشكل مباشر، بل حاولنا توحيد الجهود من خلال الوسم (هاشتاج #) لنشر كيفية الدعم المعنوي والمادي لأهالي الشهداء.
ففي حملة اعمار بيت الشهيد مهند الحلبي اطلقنا وسماً بعنوان (#حنعمر_بيت_الشهيد)، وخلال أول ساعتين من اطلاقه لاقى تفاعلاً كبيراً جداً على موقعَي "فيس بوك" و"تويتر"، ما شجّع العديد من الناس على التفاعل ودعم الحملة. بطبيعة الحال، واجهنا بعض الامور السلبية كنشر بعض الناس معلومات مغلوطة عن المبلغ المجموع نهاية كل يوم، لكنه لم يؤثّر على الحملة، واستطيع القول ان نسبة 45% من المشاركين بالحملة عرفوا بها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ومعظمهم من الشباب".
وينوّه حبايب إلى أن أهم ما ميّز هذه الحملات هو تنظيمها واطلاقها في وقت واحد من قِبَل النشطاء بوسوم موحّدة مما كان له أثر في توحيد الجهود ونجاح الحملات بشكل مشرّف يساعد اهالي الشهداء ويدعمهم نفسياً ومادياً.

د.أحمد عوض: هدم البيوت يصب الزيت على النار
ينوّه الكاتب والمحلّل السياسي د.احمد رفيق عوض لتعدُّد الممارسات العنصرية التي انتهجها الاحتلال كأفعال انتقامية من ذوي الشهداء ومن الشعب الفلسطيني، وخاصةً بحق عائلات شهداء هبّة اكتوبر الاخيرة، ويضيف "هذه الممارسات تمثّل تنكيلاً جماعياً بالأهالي وتحمّلهم نتائج الفعل الذي ارتكبه ابنهم الشهيد، وهو ما يتعارض مع  القانون الدولي والسماوي. فالعدو الاسرائيلي يحمّل اهل الشهيد فعله بشكل كامل مع ان الشهيد لم يستشر أحداً ليذهب. كذلك شرّد الاحتلال العائلات ونقلَها من مكان لآخر، وهذا تنكيل جماعي، وفوق ذلك فرضَ الحصار على مناطق كاملة ليعاقب المواطنين كالحصار على نحالين، والعرقة، وقباطية، والخليل، فهو يغلق مداخل البلد كلها ليعاقب جميع اهل البلد لأنه لا يستطيع عقاب مُنفّذ العملية، أيضاً فهو يعاقب أهل الضفة جميعاً عندما يقطع الشرايين الرئيسة، بالإضافة لإغلاق المعابر التي نخرج منها الى مصر او الى الاردن، وهناك نوع آخر من التنكيل وهو منع الرواتب عبر تعطيل أموال المقاصة، وهذه الممارسات تؤكّد أن الاحتلال يتعمّد التنكيل الجماعي المتدرّج بحق كل الفلسطينيين، وقد أدّت ممارساته هذه لتعطيل المصالح وضرب المسيرة التعليمية وتشويش الحياة العامة علاوةً على الاضرار الاجتماعية المختلفة وتمزيق النسيج الاجتماعي والفصل الجغرافي بين الناس، وهذا كله بهدف ابقاء الفلسطيني تحت الاحتلال".
ويضيف د.عوض "في هذه الهبّة ظهر نموذج عظيم من التكاتف الفلسطيني عبر حملات دعم اهالي الشهداء، وهذه خطوة رائعة جداً، أن تتوفّر حاضنة اجتماعية لأهالي الشهداء، واذا نظرنا الى جانب التعويض المادي السريع أيضاً فهذا يبعد عن السلطة الفلسطينية اي احراج لأن الشعب الفلسطيني يبادر وينظّم الحملات، مع التنويه إلى أن ممارسات الاحتلال لم تحد من العمليات ضد الاحتلال اطلاقاً بل أشعلت الأوضاع ووفّرت البيئة الحقيقية لاستمرار مثل هذه الاعمال، وإسرائيل التي فشلت بالسابق في الحصول على نتائج ستفشل في الحاضر والمستقبل لأن القوة لا تستطيع ان تفعل شيئاً اطلاقاً في صراعات من هذا النوع. وهذه الانتفاضة من نوع مختلف ويجب أن نعتاد على وتيرتها، فهي ليست انتفاضة جماهيرية وليست انتفاضة عسكرية، بل هي انتفاضة الافراد شباب صغار بدون غرفة عمليات، بدون ظهير، وبعمليات فردية، وبالتالي من الصعب علينا تحديد  كيفيتها او حجمها وامتدادها وانتشارها المستقبلي لأننا هنا لا نتحدث عن جماهير ولا نتحدث عن احزاب بل عن قرارات شخصية ومن الصعب جداً تتبّع هذه القرارات".