هذا الموضوع هو جزء من اتفاق المبادئ في أوسلو العام 1993، وقد جاء في المادة (8) تحت عنوان النظام العام والأمن ما يلي:

" من أجل ضمان النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة سينشئ المجلس قوة شرطية قوية، بينما ستستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية وكذلك بمسؤولية الأمن الإجمالي للاسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام العام".

والمقصود بالمجلس هنا المجلس التشريعي الذي سيتم انتخابه حسب ما ورد في اتفاق أوسلو.

كما أن المادة (10) والتي جاءت تحت عنوان (لجنة الارتباط الاسرائيلية –الفلسطينية المشتركة)، وجاء فيها :" من أجل تأمين تطبيق هادئ لإعلان المبادئ هذا ولأية اتفاقيات لاحقة تتعلق بالفترة الانتقالية، ستشكل فور دخول إعلان المبادئ هذا حيَّز التنفيذ، لجنة إرتباط مشتركة إسرائيلية – فلسطينية من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشترك، والمنازعات".

هذا ما ورد في (إتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني – الاسرائيلي) في 13/9/1993 ومنه سننطلق في معالجة موضوع ما يُسمى بالتنسيق الأمني الذي يُثار دائماً بهدف التشكيك الوطني، وإلصاق تهمة الخيانة بالسلطة الوطنية التي تقوم بالتنفيذ العملي حرصاً على سير عمل المجتمع الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، والجميع يعرف ذلك، وكل الذين يشاركون في إطار السلطة، وفي الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية، ومختلف النقابات يفهمون جيداً أنهم يمارسون هذا الحق لأنهم يتعاطون مع اتفاق أوسلو سواء أكانوا مؤيدين أم معارضين، فالجميع يتواجد في المناطق المحتلة، ويلتزم بالاتفاقات والانظمة المعمول بها، وأيضاً بالهدنة القائمة في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وحتى حركة الجهاد الاسلامي التي لا تشارك علناً بالانتخابات وبتشكيل الحكومات فإنها لا تخرج على النظام المعمول به. واذا أردنا أن نناقش موضوع (التنسيق الأمني) علماً أنه لا يوجد تنسيق أمني منفصل وانما هناك لجان إرتباط معنية بالتنسيق في مختلف مناحي الحياة تحت الاحتلال، علينا أن ننطلق من أن هناك اتفاقاً قائماً هو اتفاق أوسلو ولم يتم إلغاؤه حتى الآن، شارون وبعده نتنياهو حاولا تدمير اتفاق أوسلو لأنه بنظرهما خطأ تاريخي، وأن إسحق رابين الذي وقّع على الاتفاق إرتكب جريمة لأنه تنازل عن ما يسمونه (أرض الميعاد) للفلسطينيين، وهو يستحق الاعدام الذي نُفِّذ به فعلاً. لا الرمز ياسر عرفات أقدم على إلغاء اتفاق أوسلو، ولا الرئيس ابو مازن بعده قام بذلك لأنه حتى الآن لا يوجد البديل الجاهز، والكيان الاسرائيلي يتمنى أن يقوم الجانب الفلسطيني بذلك حتى تنتهي كافة الانجازات التي تمت، وحتى تفقد القيادة الفلسطينية هذه الصيغة المؤقتة بانتظار بناء الدولة الفلسطينية ذات السيادة والاستقلال.

ونظراً لشراسة الهجمة على مصطلح (التنسيق الأمني)، ونظراً لأن هذا التحريض يستهدف في واقع الأمر تشويه حقيقة الامر، كما يستهدف النيل من شخصية الرئيس ورمزيته الوطنية، والاساءة إلى المشروع الوطني، فإننا نورد الحقائق التالية لمزيد من التوضيح:

 

أولاً: إن مصطلح (التنسيق الأمني) لا يعني أن تقوم السلطة بتسليم الذين تعتقلهم إلى الجانب الاسرائيلي، فهذا لا أساس له إطلاقاً، فالسلطة معنية بالحفاظ على الأمن في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وأي فرد أو مجموعة يسعى أو تسعى لإحداث متاعب واشكاليات أمنية سواء كانت هذه الجهة من حركة فتح أو من أي فصيل كان يتم اعتقالها، والتحقيق معها، وتحويلها إلى القضاء الفلسطيني، وهو قضاء حر لا يخضع لأي سيطرة خارجية، والقضاء هو الذي يثبت الاتهام أو يمنح البراءة.

 

ثانياً: من الطبيعي وكما يحصل في أي دولة في العالم إذا ما قامت أية مجموعة بنقل أسلحة، أو تشكيل مجموعة مسلّحة، أو ممارسة نشاطات عسكرية وأمنية، فإن الدولة تقوم مباشرة بتوقيف الاشخاص المعنيين، والتحقيق معهم لمعرفة كل ما يتعلق بنشاطهم لأن هناك سلطة رسمية موجودة.

 

ثالثاً: البعض يتهم السلطة بالخيانة لمجرد أنها تقوم باعتقال هذه المجموعات، أو هذه الخلايا النائمة، أو المؤهلة للتحرك لأغراض معينة، وهذا الاتهام مردود على أصحابه لأنه لا يجوز لأي تنظيم أو لأي جهة اقليمية أو عربية أو دولية أن تؤسس خلايا لأهداف خاصة بها تم تدفعها في الساحة الفلسطينية لإثارة البلبلة، وارباك السلطة وقيادتها، وكما أن أي دولة لا تسمح لأي مجموعة عسكرية أن تنشط داخل جغرافيتها دون علمها، فكذلك هو حق السلطة الوطنية. والذي يزيد تأكيده أنه لم يسبق للسلطة وللأجهزة الامنية أن قامت بتسليم أي فلسطيني يحمل جواز السلطة إلى الاحتلال الاسرائيلي إطلاقاً، وانما القضاء هو الذي يحكم هذه الامور حسب الانظمة الموجودة.

 

رابعاً: أما القول بأن هذه المجموعات هي مقاومة ولا يجوز إعتقال أعضائها فإن هذا الامر مغلوط. والسبب هو أنّ المقاومة وشكلها وأدواتها وأساليبها واستراتيجيتها تقررها قيادة العمل الوطني الفلسطيني مجتمعة في إطار وحدة وطنية شاملة، وهذا ما نصت عليه وثيقة الأسرى والتزمت به قيادة الفصائل في اتفاق المصالحة. ولا يجوز لأي مجموعة أن تقرر منفردة القيام بعمل عسكري معيَّن، وهذا ما تمّ رفضه سواء أكان في الضفة أم في قطاع غزة منعاً لأي تدخل خارجي، ولأي خرق قد يحصل من أي طرف بما في ذلك الاحتلال الاسرائيلي، وعلى كل الاطراف الحريصة على تفعيل المقاومة وتصعيدها إذا كانت صادقة في طروحاتها أن تباشر فوراً إلى تعزيز المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية، وتوفير المُناخات المناسبة لتتجاوز حالة الانقسام ومتاعبها، أما أن نتحدث عن المقاومة وفي الوقت نفسه تذكِّي نار الفتنة، وتتعمد الإساءة إلى القيادة الفلسطينية وخاصة الرئيس أبو مازن، وتحرِّض الشارع بمقولات مسمومة، وتعبئة تهدف فقط إلى ضعضعة الجبهة الداخلية الفلسطينية، فهذا أمر مرفوض.

 

خامساً: إنّ موضوع (التنسيق الأمني) يتناول مختلف نواحي الحياة في المجتمع الفلسطيني، وهذا التنسيق ضرورة للسلطة الفلسطينية لأن الشعب الفلسطيني ودولته تحت الاحتلال، وادارة الحياة اليومية لا يمكن أن تتم بدون هذا التنسيق فهناك التصدير، والاستيراد، والصناعات، والمواد الخام، والصحة والعلاج، وموضوع الزراعة والمياه، والتعليم، والدخول إلى أراضي السلطة والخروج منها، والسفر إلى البلدان العربية والدول الأخرى، إضافة إلى الوثائق المطلوبة وأجوزة السفر، وانعقاد المؤتمرات، وزيارة الوفود، وشؤون العملة والمصارف، والجمارك، والعمل على المعابر. كل هذه القضايا تحتاج إلى تنسيق تقوم به لجنة الارتباط المشترك، والجانب الفلسطيني بأمس الحاجة إلى ذلك حتى لا نضع الفلسطينيين تحت كابوسين كابوس الاحتلال، وكابوس محاصرة الانسان في كل مجالات الحياة، وهذه طامة كبرى.

 

سادساً: إن لجان (التنسيق الأمني) هي من قيادات وكوادر أمنية فلسطينية متخصصة وهي تعرف مهمتها جيداً، وهذه القيادات وكافة الهيكليات هي من النوعية المشهود لها وطنياً، والمعروفة بانتمائها النقي لفلسطين، وهي التي شاركت سابقاً في العديد من المعارك، وهي التي تعرَّضت أيضاً لعمليات القصف والقنص الاسرائيلي وسقط منهم الآلاف من الشهداء والجرحى، وحسُّهم الوطني لا غبار عليه، وملتزمون بقرارات القيادة الحريصة كل الحرص على الشعب الفلسطيني، وهي التي لا تقبل أن تغامر بشعبها في مهاوي الردى، وفي المتاهات، وهذا الحرص يسيءُ البعضُ فهمه والتعبير المغلوط عنه بشكل متعمَّد.

 

سابعاً: إنّ (التنسيق الامني) موجود في الضفة كما هو موجود في قطاع غزة ولأن الاراضي  كلها محتلة فلا يمكن الدخول والخروج إلاّ بموافقة إسرائيلية، وهذا لا يستطيع أحد انكاره، فالسيد خالد مشعل بعد الهدنة التي أعقبت العدوان الاخير لم يستطع الدخول إلاّ بعد موافقة الاحتلال الاسرائيلي، بينما الاحتلال منع عبدالله شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي من دخول غزة، وهكذا الأمر مع مختلف الشخصيات.  وفي الضفة الغربية وبفعل التنسيق الأمني فإنّ مئات الوفود من الدول العربية والاسلامية ودول العالم يدخلون إلى القدس ويدعمون صمود أهلها، ويعقدون مؤتمرات علمية وصحية، وثقافية ومسانِدة لنضال الشعب الفلسطيني، إضافة إلى الوفود السياسية والدبلوماسية والسفارات.

 

ثامناً: واذا كان البعض مستعجلاً على إلغاء (التنسيق الأمني) والذي هو التنسيق في مختلف المجالات، فعلية أن يأخذ بالحسبان أنّ ذلك يتطلب إسقاط السلطة وإلغاءها، وهذا الأمر يحتاج إلى العديد من التساؤلات، والافتراضات، والحسابات الدقيقة، وأن ندرس البدائل، أي ما هو الشكل الذي سنتعامل به مع الاحتلال الجاثم على أرضنا، واذا كانت البدائل غير جاهزة فلا يجوز أنّ نخطو خطوة في الفراغ ندفع ثمنها لاحقاً. وبالتالي ما هو مصير المؤسسات الوطنية القائمة. وأيضاً كيف ستُدار أمور الشعب الفلسطيني وما هو الشكل المطروح؟.

 

تاسعاً: الشعب الفلسطيني كله يعشق المقاومة، والقيادة أعطت الضوء الاخضر للمقاومة الشعبية تيمناً بالانتفاضة الأولى التي كانت لها مآثر مهمة عزلت الكيان الاسرائيلي بصفته الارهابية والدموية، وبالتالي أية مقاومة لها استراتيجية وقوى أساسية تحمل أفكاراً موحّدة، وهذه المقاومة الشعبية مع مرور الصراع تأخذ وضعها الطبيعي والمطلوب لاختيار الشكل المناسب، ومن حق الشعب أن يُحدد خياراته في المقاومة لأنّ كلّ الخيارات مفتوحة، ومن حق أي دولة أن تختار الزمان والمكان المناسبين لبدء المعركة، أو للرد على العدو، أو لمواجهة الاحتلال، وأين ومتى، وعلى الجميع أن يفهم شيئاً جوهرياً وهو أن الاساس هو المعركة السياسية لأنها هي التي تحصد ثمار القتال العسكري.

باختصار إنّ سيف التنسيق الامني الذي يريد البعض تسليطه على رقبة القيادة لحسابات لا تخدم المجتمع الفلسطيني، وانما للتحريض والتشكيك، هذا السيف غير قاطع لأنه لا يرتكز إلى الحقيقة وانما إلى التضليل.