بقلم: رأفت نعيم

مشهد لقاء تكريس المصالحة بين حركتي «فتح« و«حماس» في غزة، بدا بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان أشبه بوصفة علاج مؤجلة المفعول لمصاب مثخن الجراح يرقد في غرفة عناية فائقة. فالهاجس الأمني للاجئين في مخيمات صيدا حجب فرحتهم بالمصالحة الفلسطينية في غزة. هذه الفرحة التي بقيت أسيرة المخاوف من تجدد الحوادث الامنية وعمليات الاغتيال التي تصاعدت وتيرتها مؤخراً وباتت تلقي بثقلها على يوميات ابناء المخيم. ويضاف إلى هذا التوجس الأمني مخاوف مبنية على تجارب سابقة من عدم بلوغ المصالحة المعلنة بكل ما تحمله من زخم هذه المرة، مرحلة التطبيق الفعلي.

وتؤكد اوساط فلسطينية في هذا السياق، ان المصالحة بين قطبي القضية الاقدس، قضية فلسطين، والتي مرت بكثير من الهبات الساخنة والباردة، كانت تنتظر ترجمتها على الارض في لبنان، بما يعود بالقوة والنفع لقضية الفلسطينيين ومطلبهم الاساس حق العودة. وفي كل مرة كانت ترجمة المصالحة تصطدم بعقبات وعراقيل تعود في اساسها إلى التباين الفتحاوي الحمساوي في النظرة إلى اسلوب المواجهة الامثل مع الاحتلال الاسرائيلي، سياسية ام عسكرية..

يعيش المواطن الفلسطيني في المخيمات يومياته محاصرا بهمين: همّ تأمين المعيشة والتعليم والطبابة لاسرته، وهمّ القلق الامني المتنامي مما يمكن ان تحمله الايام من تطورات امنية تزيد معاناته. ولكن رغم ذلك، فان ما يهمه من المصالحة ان تعكس نفسها على الشتات بمقاربة واحدة للاولويات بالنسبة للاجئين وفي مقدمها تحصين امن المخيمات والحقوق المدنية والانسانية وحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم.

وترى بعض القوى الفلسطينية ان المصالحة من شأنها ان تعطي دفعا للمبادرة الفلسطينية الموحدة لبنانيا وبما يسرع في ترجمة بنودها، بينما يتوقع كثيرون ان يتقدم الملف الفلسطيني في لبنان إلى الواجهة من جديد عبر مسارات ثلاثة، أحدها امني بطبيعة الحال، والمساران الآخران هما ترجمة انعكاس المصالحة الفلسطينية على الساحة الفلسطينية في لبنان، ودفع عجلة تنفيذ المبادرة الفلسطينية الموحدة في لبنان.

وبموازاة ذلك، لاقى تعيين الوزير السابق حسن منيمنة رئيسا للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في رئاسة مجلس الوزراء ارتياحا واسعا في الأوساط الفلسطينية التي وجدت في هذا التعيين زخما كبيرا لعمل اللجنة وللمبادرة الفلسطينية الموحدة لا سيما بالشق المتعلق منها بتعزيز العلاقة اللبنانية الفلسطينية. وعلم في هذا السياق ان باكورة انطلاقة عمل اللجنة برئاسة منيمنة سيكون يوم الاثنين المقبل بلقاء في السرايا الحكومية مع وفد موحد من كافة القوى الفلسطينية في لبنان. فكيف ينظر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إلى هذه المصالحة، وماذا ينتظرون منها؟

في جولة في شوارع المخيم، بدا واضحاً غياب مظاهر الابتهاج بالمصالحة. فلا احتفال ولا تظاهرة ابتهاج ولا حتى لافتة تهنئة. فعين الحلوة كما مخيم المية ومية، لا يزال يلبس ثوب الحداد على قتلى الاغتيالات والأحداث الأمنية الأخيرة. ويعيش حالة حذر وترقب وسط تصاعد المخاوف من استمرار عمليات الاغتيال وانعكاسها الكارثي على المخيم واهله. لكن هذا لا يمنع ان ابناء المخيمين تابعوا عبر الاعلام وبكثير من الاهتمام وقائع اعلان المصالحة في غزة، كيف لا والأمر كان مطلبا لهم ان يتوحد كل ابناء القضية الفلسطينية.

اليوسف

يقول عضو قيادة جبهة التحرير الفلسطينية في لبنان وعضو المجلس الوطني الفلسطيني صلاح اليوسف: «لا يختلف اثنان على ان الاتفاق في قطاع غزة بين قيادة منظمة التحرير و«حماس» على انهاء الانقسام المدمّر للوضع الداخلي وطي هذه الصفحة السوداء في تاريخ النضال الوطني، لاقى ارتياحا لدى الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وخاصة في قطاع غزة والضفة وفي مخيمات لبنان. وهناك امل كبير في هذه المصالحة. انه انجاز وطني كبير وعرس فلسطيني. والشعب دائما ينظر إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية لنتمكن من مواجهة كل العدوان القادم على ارض فلسطين بدءا من تهويد القدس والأقصى وكل المؤسسات الدينية مرورا بجدار الفصل العنصري والسرطان الاستيطاني وصولا إلى ما يحدث اليوم في قطاع غزة وللأسرى والمعتقلين».

وعن سبب غياب مظاهر الابتهاج بالمصالحة في المخيمات الفلسطينية يقول: «صحيح في مخيم عين الحلوة لم يكن هناك احتفال بهذا الانتصار الكبير والانجاز الوطني نتيجة الأوضاع الأمنية الصعبة في المخيمات وخاصة في مخيم عين الحلوة، ولكن في الأيام المقبلة، هذه المصالحة ستكون دعما للمبادرة الفلسطينية الموحدة لتجنيب وحماية المخيمات الفلسطينية من اية تجاذبات داخلية لبنانية».

شبايطة

ويقول أمين سر حركة فتح في منطقة صيدا العميد ماهر شبايطة: «نبارك هذه المصالحة ونقول منذ سنوات ان الانقسام الفلسطيني هو مصلحة اسرائيلية اميركية. لذا، يجب ان تكون هناك مصالحة لأن الانقسام يعني انقسام الشعب الفلسطيني، وهذا أضر بالقضية إذ قسم الأرض وقسم الشعب. ونأمل ان تعود المياه إلى مجاريها بين جميع الفصائل ويكون الجميع تحت سقف واطار منظمة التحرير التي هي الهوية وهي الكيان الفلسطيني لكل شعبنا اينما تواجد في الداخل وفي الشتات. ونقول ان هناك ارتياحا فلسطينيا من كل ابناء مخيماتنا وكذلك ارتياح لبناني لأن هذه المصالحة مطلب فلسطيني ووطني. ونذكر بانه رغم كل الذي كان يحصل من انقسام حاولنا في لبنان بكل فصائلنا ان لا ينعكس على الساحة اللبنانية وحافظنا على وضعنا بان نبقى متماسكين» .

فضل

ويقول مسؤول حركة حماس في منطقة صيدا ابو احمد فضل: «نرحب باتفاق المصالحة الذي جرى في قطاع غزة كما نرحب بانهاء الانقسام الفلسطيني على كافة الصعد والمستويات، ونؤكد انه لا بد ان يكون هناك استراتيجية واحدة موحدة فلسطينية لمواجهة الاحتلال الذي يدنس الأرض والمقدسات ويحاول تهويد القدس وشطب حق العودة وحق اللاجئين. ونحن شاهدنا البارحة الترحيب الفلسطيني والعربي، لكن العدو الصهيوني والادارة الأميركية لا يعجبهما اي اتفاق فلسطيني، فمنذ اللحظة الاولى بدأوا يهددون السلطة الفلسطينية ويضغطون عليها لمنعها من اتمام المصالحة وانهاء الانقسام. لكننا كحماس مصرون على تنفيذ اتفاق المصالحة وانهاء الانقسام والعمل لرفع الحصار عن قطاع غزة والعمل على استراتيجية واحدة موحدة لمواجهة الاحتلال الصهيوني».

مع اللاجئين

وعبر بعض ابناء المخيم عن ارتياحهم للمصالحة على امل ان تتوج بتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير واقامة الدولة وتحرير الأسرى وتطلعات وحلم اللاجئين في العودة.

وقال هيثم الخطيب: «وضعنا القدم الأولى على سلم الانتصار وهي تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني وابنائه وتغيظ اليهود. ندعها للأيام فهي تحكم عليها فاذا استمرت فنقول قد اقترب الموعد إلى المسجد الأقصى المبارك واذا فشلت فستكون الأخيرة. ونقول تمسكوا بالمبادرة كالأم التي تتمسك بابنائها».

وقال ابراهيم السعدي: «نبارك المصالحة الفلسطينية ونشد على ايادي القيادات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ونقول لهم إلى المزيد من التفاهمات والمصالحات ونبذ الخلافات وراء ظهورهم».

وتطلق أم شادي فاضل (الفتحاوية) «زغرودة» وهي تهنئ جارتها (الحمساوية) بالمصالحة وتقول: «يجب ان يتصالحوا مع بعض ونسأل الله ان يحنن قلوبنا على بعضنا. نحن دمنا لبعضنا البعض وان لم نقف مع بعضنا فمن يقف معنا»!.